.

1.1K 150 146
                                    




اليوم الأخير في شهر مارس قد جاء .. شهر المرأة .. حيث عيد الأم و يوم المرأة العالمي و الأهم من ذلك كله أن اليوم هو ذكرى ميلادي الذي جعل هذا الشهر خليقًا أن يكون هو شهر المرأة !

لقد شُهدت منذ مولدي هذا اليوم خمسين مرة ، و تركت الأعوام على وجهي آثارها و سلبت مني ما شاءت أن تسلبه من صحةٍ و جمال .. لكن ذلك هو منطق الزمن الذي لا يمكن لمخلوق مجابهته

مات زوجي و لم أبكيه دمعة ، سافر أبنائي و لهتهم عني مشاغل الحياة فنسوني أو .. تناسوني و لم أكلف نفسي بالاتصال أولًا ، أصبحت من الرواد الدائمين للحانات حتى أطلق عليّ الجيران ' سيدة المواخير ' ، على الرغم أنه كان لقبًا قاسيًا قليلًا إلا أنه حمل بعض الحقيقة ..

كانت هذه الطريقة التي عشت بها حياتي السابقة لكن هل يجب أن أعيش هكذا ما تبقى لي من عمر ؟

شعرت بأن عليّ التغير و أن أكون أكثر رقة و إنسانية .. زرت قبر زوجي للمرة الأولى و تباكيت ثم بكيت دموعًا صادقة ، هاتفت أولادي و أخبرتهم أن والدتكم اشتاقت إليكم

ما دُمت قد طرقت باب الخمسين ، لأكون سيدة خمسينية على حقٍ .. لطيفة .. ودودة .. تمضي نهارها في صنع الكعك المكوب و تفوح منها رائحة بسكويت الزنجبيل

هجرت كل الحانات التي اعتدت عليها و قررت أن أعرج اليوم على حانة أخرى جديدة لم تطأها قدمي قبلًا ، لكن لم أذهب لأشرب هذه المرة سوى العصائر حتى أثبت لنفسي أنني أقوى من العادات القديمة .. أو لأنني أصبحت عجوز في الخمسين لا يجدر بها الشرب

دلفت بهدوء من الباب الخشبي للحانة لأجدها فارغة إلا من اثنين أو ثلاثة جالسين هنا و هناك ، حسنًا لم أبنِ آمالًا عظمى لكنني لم أتخيل هذه القلة القليلة !

مضت ساعة و اثنان و الوضع كما هو ، همسات قد تعلو حينًا و تخفت حينًا آخر .. حتى كوب عصيري لم ينقص منه قليلًا نظرًا لأن مذاقه كان كالجوارب- أعني لأنني الآن شخص لطيف سأقول أن مذاقه لم يتوافق مع ذوقي ليس إلا

و عندما أعلنت الساعة الحادية عشر مجيئها تأهبت للرحيل لأنني - كما قلت - لطيفة الآن و السيدات العجائز اللطاف لا يجب أن يمضوا وقتًا طويلًا خارج المنزل خاصة في الليل

لكن أكثر ما تنبهت إليه وقتها اندفاع أعداد ليست بالهينة على حانة كهذه لا يحملك رداءة ما يُقدم فيها على معاودة زيارتها أكثر من المرة الأولى

كل الأعين تركزت على مكان واحد فقط و بدت اللهفة لشيءٍ ما تقطر منها ، هذا كله أثار بداخلي فضولًا لا يمكنني مجاراته فلم أستطع فعل شيء سوى الانتظار معهم و إلى حيث صوبت الأنظار اتجهت عيني

الأول من أبريل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن