كانت السيدة تايلور , والدة لوغان, موجودة في غرفة الأنتظار عندما خرج لوغان وجنيفر من غرفة شيلا صباح اليوم التالي , أرتاحت جنيفر كثيرا أثناء الزيارة , لأنها شاهدت أختها في حالة نفسية وصحية جيدة .
أين خاتم الخطوبة؟ لا شك في أن لوغان قرر أنتظار خروجها من المستشفى كي يهديها الخاتم في أحتفال خاص بذلك , لم تدخل معها شيلا في أحاديث معينة , بل أكتفت بتوجيه بعض الأسئلة عن الأولاد , سرّت جنيفر بهذا الأمر , لأنها بدأت تكره نار الغيرة التي تحرق قلبها كلما رأت لوغان وشيلا معا , أخفت بسرعة دهشتها لوجود السيدة تايلور في المستشفى , وحيتها بتهذيبها المعتاد , ألا يحق لهذه السيدة زيارة الشابة التي ستتزوج أبنها ؟ طبعا , ولكن......
" أجلسي هنا قرب أمي , يا جيني , فثمة موضوع أريد بحثه معك الآن , ناقشت أمس المسألة مع والدتي , وحظيت بموافقتها , أحضرتها معي اليوم لتدعمني نفسيا ومعنويا".
عبست جنيفر الى حد ما ,وسألته بشيء من الأستغراب:
" وما هو هذا الموضوع؟".
ونظر الى أمه مليا , ثم تنهد بقوة وقال:
" أبلغني الطبيب مارتش أنه سيسمح لشيلا بمغادرة المستشفى غدا, سوف تشعر بآلام حادة في الأيام الأولى , وستصبح حادة المزاج مع الأولاد... رغما عنها , أقترحت عليها أرسال الأولاد الى بيت جدهم لتمضية بضعة أيام هناك".
أدهشها الأسلوب الرقيق الهادىء , الذي أتبعه في وصف أقتراحه لأختها, أبتسمت بنعومة , وقالت:
" فكرة لا بأس بها أبدا".
" ليس هذا كل ما في الأمر , فأنا مضطر للذهاب الى المزرعة , للقيام ببعض المهام التي تستدعي وجودي شخصيا".
ثم نظر الى أمه مرة أخرى , ومضى الى القول:
" لن تتمكن شيلا من العودة الى عملها في الفندق قبل سبعة أيام على أقل تقدير , وبما أن وجودها هنا في البلدة سيغريها كثيرا بالذهاب الى العمل , بغض النظر عن العواقب الوخيمة لذلك , فقد قررت دعوتها لتمضية أسبوع النقاهة هذا في المزرعة ".
أوه! خكذا أذن! بذلت مجهودا جبارا لأخفاء أمتعاضها وأنفعالها ,وتظاهرت بأن الأمر طبيعي للغاية
أبتسمت وقالت:
" لا أرى أي سبب يحملها على الرفض , سوف أتولى عنها مهامها في الفندق".
توترت ملامح وجهه قليلا لدى سماعه الشق الثاني من جملتها , وقال:
" لا! ستقوم والدتي بهذه المهمة , لديها خبرة طويلة في هذا المجال , وسيسرها كثيرا أن تستعيد بعض الذكريات الحلوى في أدارة الفنادق , سوف تأتين مع شيلا الى المزرعة".
حدقت به , وهي لا تصدق أذنيها , لا ,لا يمكنه أن يعني ذلك! تطلعت بذهول نحو والدته , علها تسمع أعتراضا أو ترى أي رد فعل سلبي يساعدها على الأعتراض , ولكن السيدة تايلور أبتسمت لها برقة وحنان
وقالت ممازحة:
" هذا هو الحل الوحيد , يا عزيزتي, أذ ليس من المعقول أن تمضي أختك هذه الفترة بمفردها مع لوغان , وجودكما معا في المزرعة يحرم أصحاب النوايا السيئة من مثل هذه الفرصة الذهبية".
قفزت جنيفر من مقعدها بعصبية بالغة , وقالت بحدة ظاهرة:
" مستحيل , مستحيل! يمكنها البقاء في البيت , وأنا سأهتم بها وأمنعها من الذهاب الى الفندق".
تدخل لوغان قائلا بأنفعال:
" لن تنجحي في ذلك , أنت تعرفين مدى عنادها , سوف تقنعك خلال يومين بمساعدتها على الذهاب الى الفندق ... بحجة تمرين قدمها , لا , يا جيني , فالمزرعة هي السبيل الوحيد".
نظرت اليه بتحد , وقالت:
" لن أذهب!".
أمسك بمعصمها بعنف وحشي , وجذبها نحوه قائلا بغضب عارم:
" بلى ستذهبين ! أنت أختها وفرد من أفراد عائلتها , وهي الآن بحاجة اليك , أذهبي الى البيت وجهزي ما سوف تحتاجان اليه, وسأمر عليك في تمام الحادية عشرة من صباح غد ,كوني بأنتظاري , يا جيني , وألا....".
لم ينه جملته , ولكن التحذير القاسي كان واضحا جليا في عينيه ووجهه ونبرة صوته , أفلت يدها من قبضته القوية بأنفعال لم تشهد له مثيلا , ثم خرج من الغرفة دون الألتفات حتى الى أمه , أستدارت جنيفر نحو السيدة تايلور , وهي محمرة الوجنتين وتتنفس بصعوبة , أبتسمت لها السيدة المهذبة
وقالت لها بصوت رقيق ناعم:
" أعتذر لك نيابة عن أبني , أنا متأكدة من أنه لم يقصد التصرف بمثل هذه الخشونة , ورث حدة الطباع عن والده , رحمه الله , هكذا كان زوجي.... يجن غضبا وحنقا عندما تتعثر خططه أو مشاريعه".
" لا أفهم سبب هذه الأهمية التي....".
توقفت عن أتمام جملتها , كيلا تنفجر أحزان قلبها دموعا غزيرة , وتوتر أعصاب لا يمكن السيطرة عليه , ترددت السيدة تايلور قليلا , ثم قالت:
" مزرعتنا جميلة وهادئة جدا , وهي أفضل مكان تمضي فيه شيلا فترة من الراحة والنقاهة , ثم... لدي أنطباع قوي بأن بيتنا هناك سيعجبك كثيرا".
قالت جنيفر لنفسها أن أي مكان يوجد فيه لوغان سيكون جميلا , ثم أبتسمت , وقالت:
" أنا متأكدة من ذلك".
" أرجوك ألا تمانعي في الذهاب مع أختك , لن تتمكن شيلا أبدا من فهم أسباب ترددك أو رفضك .... مهما كانت الأسباب ".
نظرت جنير بكثير من الأستغراب الى ماندي تايلور , هل قرأت أفكارها وأدركت حقيقة مشاعرها أتجاه أبنها ؟ لم تجد في عيني السيدة الجالسة قربها ألا البسمة والبراءة
فقالت لها:
" أبلغي لوغان أنني سأكون جاهزة في تمام الحادية عشرة".
ثم وقفت , وأضافت قائلة:
" أعذريني الآن , فلدي أعمال كثيرة يجب القيام بها قبل يوم غد ".
لاحظت جنيفر المرارة والسخرية اللتين ظهرتا في نبرة صوتها وهي تتحدث مع سيدة لا ذنب لها ألا كونها والدة لوغان , خرجت من المستشفى على عجل , ومصاب الهزيمة الأخرى التي منيت بها أمام لوغان تايلور يحز في نفسها ويعصر قلبها , عليها الآن أستعادة سيطرتها على أعصابها , لتمكن من مواجهة الأسبوع المقبل بعزة نفس وكبرياء .... وتدفع عن كرامتها طعنة الذل المميتة أذا أكتشف لوغان حبها له.
أضافت جنيفر قطعة أخرى من الأخشاب التي تلتهمها نار التدفئة في منزل لوغان ,وقالت لنفسها أن السيدة تايلور كانت على حق , أعجبتها المزرعة منذ وصولها اليها , أحبت أشجار الصنوبر التي تحمي مبانيها من رياح الشتاء العاتية والباردة , وأحبت الأسطبلات والحظائر النظيفة التي بنيت بطريقة هندسية ذكية , ولكن المنزل ذاته هو الذي سلب عقلها وتفكيرها , لأنها أرادته بيتا لها.... ولحبيبها!
قال لوغان بعد وصولهم الى البيت أن الطبقة العليا , وقاعة الطعام , والغرفة الصغيرة المجاورة مغلقة كليا ... وذلك لحصر الحرارة والدفء في الأمكنة التي سيستخدمونها أثناء وجودهم في المزرعة , لم تشعر جنيفر بأي أنزعاج نتيجة لهذا الأمر , لأنها قانعة بالجلوس طوال النهار في قاعة الأستقبال الجميلة والمريحة ... تتمتع بالدفء والأستماع الى أنغام الموسيقى الحالمة.
تناول جنيفر ولوغان طعامهما في اليومين الأولين ... في المطبخ, في حين كانت شيلا تأكل في غرفة النوم الرئيسية التي أحضر اليها لوغان سريرا أضافيا , أستخدمت الشقيقتان تلك الغرفة الكبيرة , فيما كان لوغان ينام في غرفة صغيرة محاذية للمطبخ.... مخصصة أصلا لمدبرة المنزل.
تبين لجنيفر أن الأمور ليست سيئة أبدا الى الدرجة التي توقعتها , كان لوغان يغادر البيت عند الفجر , ولا يعود قبل حلول الظلام , وعندما تناولت العشاء معه مرتين على أنفراد , أحست بأنقباض شديد بسبب تجاهله لها .... كأمرأة , تمنت من صميم قلبها أنتهاء اليومين الأولين بسرعة , كي تتمكن أختها من الجلوس معهما في المطبخ... وفي قاعة الأستقبال.
ذهب لوغان بعد العشاء للتحدث مع شيلا , فألهت جنيفر نفسها بغسل الصحون ومن ثم بمشاهدة بعض البرامح التلفزيونية , كيف يمكنها مواجهة مشكلتها الناجمة عن وجودها معه في بيت واحد... ولكن في عالمين مختلفين؟ أفضل وسيلة لها هي القيام بكافة الأعمال المنزلية التي تنفذها عادة الزوجات , أخذت تهتم بترتيب بيته وأعداد طعامه , بما في ذلك فطور الصباح , بالأضافة الى أمور عديدة أخرى , لم تقض الغيرة مضجعها ألا في أوقات معينة , خاصة عندما يمضي لوغان فترة من الزمن مع شيلا , ومع ذلك, فقد أرغمت نفسها على التصرف معه بصورة طبيعية جدا .... ومع شيلا بمرح وسرور , أنها فعلا تستحق جائزة كبيرة بسبب قدرتها على أخفاء كدرها وعذابها على هذا النحو المثير للأعجاب.
توجهت الى المطبخ في الساعة الثانية من بعد ظهر اليوم التالي لأعداد كعكة من الحلوى , سمعت شيلا تتحدث مع ديرك للمرة الرابعة منذ وصولها الى المزرعة , ولاحظت بأستغراب بالغ عدم أعتراض أختها على مكلمات ديرك المتكررة , تنهدت بعمق وهمت بالبدء بأعداد الكعكة , ولكنها توقفت عن ذلك عندما سمعت صوت أقدام في الخارج تبعها طرقة على الباب الخلفي
فتحت الباب بسرعة وشاهدت لوغان يحمل كتلة كبيرة سوداء ويقول لها:
" أحضري بعض المناشف من الغرفة المجاورة".
أندفعت بأهتمام كبير لتنفيذ ما طلبه منها , وخاصة بعدما لاحظت أن تلك الكتلة التي يحملها بين ذراعيه ليست ألا عجلا صغيرا ولد لتوه , عادت بعد ثوان قليلة , فوجدت أن لوغان أخذ العجل الى غرفة الأستقبال ووضعه أمام الموقد لتدفئته , أخذ منها المناشف الكبيرة , وبدأ يجفف الحيوان الصغير
ركعت قربه على الأرض وسألته:
" ماذا حدث؟".
" ولد قبل موعده بفترة طويلة وتخلت عنه أمه , ظنا منها أنه سيموت بالتأكيد , سخني له كمية من الحليب لنسقيه أياها , ستجدين في الخزانة السفلى بعض القناني المخصصة للرضاعة , ضعي الحليب الساخن في أحداها , وأحضريها حالا".
نفذت تعليماته بدون تردد , ثم تذكرت أمرا هاما تعلمته أثناء وجودها في مزرعة والديها , صبت الكمية الفائضة من الحليب الساخن على منشفة صغيرة , وأحضرتها مع القنينة , تطلع اليها لوغان بأعجاب وتقدير , ثم أشار اليها للبدء بأطعام العجل ... فيما واصل هو تدليكه في محاولة شبه يائسة لأنقاذه , فتحت جنيفر فم الحيوان الصغير , وبدأت تعصر المنشفة المشبعة بالحليب لتسقيه السائل المغذي نقطة تلو الأخرى .... قبل أن تضع المرضعة في فمه , ونتيجة للتدليك المتواصل وشرب الحليب الساخن في غرفة دافئة , عادت الحياة تدب في أوصال تلك الكتلة السوداء وأخذ العجل يتحرك.... ولو بكثير من الصعوبة.
تطلعت جنيفر نحو لوغان , فرأته يبتسم لها بأرتياح وسرور... بسبب الأنتصار الذي شاركا في تحقيقه, توقف قلبها عن الخفقان لحظة , ثم تسارعت ضرباته وكأنه مطرقة آلية
هز رأسه وقال:
" لم أكن أتوقع له النجاة , أنه حقا محظوظ جدا منذ البداية , فلولا الحظ , لكانت الذئاب أكتشفت مكان وجوده وأفترسته".
نظرت جنيفر الى العجل الصغير , الذي يضع رأسه مرتاحا على ركبتيها
وقالت بصوت حنون ناعم:
" أنا سعيدة بنجاته , هل تعتقد أنه يتمكن الآن من الصمود؟".
" لديه فرصة طيبة , سندعه ينام هنا قرب النار ثم نطعمه مرة أخرى في وقت لاحق".
ثم أبتسم برقة ,وأضاف قائلا:
" ما رأيك الآن ببعض القهوة؟".
وقفت بسرعة لتجنب الوقوع ثانية أسيرة أبتسامته الساحرة
وقالت:
" عظيم , ستكون القهوة جاهزة خلال دقيقتين".
عادت الى الغرفة ومعها فنجانان من القهوة اللذيذة , ولكنها لم تجد لوغان , وضعت فنجانه على الطاولة ثم جلست قرب النار , وراحت تداعب رأس العجل الصغير , رجع لوغان بعد أن غسل يديه وأستبدل ثيابه , فأحست جنيفر ... لأول مرة منذ دخولها بيته.... برغبة عارمة للهرب منه , ومن جاذبيته القاسية , قطع لوغان الصمت الرعيب , الذي بدأ يزعجها ويؤلمها
قائلا:
" أقترحت شيلا بأن فترة ما بعد ظهر غد ستكون فرصة مناسبة لك للقيام بجولة في المزرعة".
" لا , شكرا! لن أتمكن من ذلك".
" أؤكد لك أنك ستعجبين بالحصان الذي أخترته خصيصا لهذه النزهة , وأكثر من ذلك , أنني سأكون معك للقيام بدور الدليل السياحي والحارس الأمين".
تخيلت األأبتسامة العريضة التي يفتر عنها ثغره ,ولكنها لم تنظر اليه , أرادت التهرب من وجودها معه على أنفراد
فقالت متلعثمة :
" أوه , ليس هذا الحصان أو ذاك هو لب المشكلة ! ولكن.... ولكنني لا أحب أن أترك شيلا وحدها وهي في وضعها الحالي".
" لن تكون وحدها ... ديرك آت غدا الى هنا".
نظرت اليه بأستغراب بالغ, على الرغم من اللهجة الهادئة التي تحدث بها , تأملت ملامح وجهه بدقة وروية , في محاولة لتحليل كلماته والأهداف الكامنة وراءها , هل يمكن لرجل متسلط مثله أن يسمح لزوجة المستقبل بالأنفراد مع رجل آخر... ومع ديرك هاملتون بوجه خاص؟ أضاف قائلا
وكأنه قرأ أفكارها:
" ثمة مواضيع يريدان بحثها معا , والأفضل أن يفعلا ذلك بعيدا عن أسماع الآخرين".
لا شك في أن شيلا تريد أطلاع ديرك على عزمها الزواج من لوغان , ربما كان هذا أحد الأسباب التي حملت أختها على عدم تزيين أصبعها بخاتم الخطوبة قبل أبلاغ ديرك بما سيحدث ... حتى لو لم يمكن ذلك ألا من قبيل اللياقة والمجاملة
قالت له بتردد:
" في هذه الحالة , سأكون سعيدة بمرافقتك غدا أن شاء الله".
" عظيم , أعذريني الآن , فأنا مضطر للعودة الى عملي".
تصرف لوغان معها بعد ظهر اليوم التالي كسيد مهذب يحترم ضيوفه ويرعى أمورهم , تحدث معها طوال الوقت بود وحنان , شارحا لها بأسهاب الأعمال التي تتم في المزرعة.... ومفسرا بأيضاح وأناة كافة الأشياء التي كانت تسأله عنها , ألا يشعر بالغيرة , أو حتى بالأنقباض , لوجود ديرك مع خطيبته؟
أنهيا جولتها وعادا بأتجاه البيت , ولما أصبحا بعد بعد مئة متر تقريبا , شاهدا ديرك يدخل الى سيارته وينطلق بها بسرعة , راقبت جنيفر وجه لوغان بطريقة خفية , فذهلت لعدم وجود أي رد فعل يذكر في ملامحه أو نظراته , أدركت في تلك الآونة , وبالدليل القاطع مدى القساوة المرعبة التي يمكن للوغان ممارستها ... عندما يريد تحقيق أمرما.
ترجلا عن حصانيهما قرب الأسطبل الكبير , وأوكل لوغان مهمة الأعتناء بهما الى أحد أبناء المشرف على العمال , ولما دخلا البيت , كان وجه شيلا يشع سعادة وفرحا ,نظرت الى لوغان بعينين براقتين
فسألها بصوت هادىء حنون:
" ماذا حدث؟".
لم تكن جنيفر راغبة أبدا في الأستماع الى جواب شقيقتها, فقالت:
" عن أذنكما , سأذهب لأعداد القهوة".
شعرت وهي تغادر الغرفة أن شيلا لم تلاحظ دخولها أو خروجها
وسمعتها تقول:
" لم أكن أتصور الأمر بمثل هذه السهولة , لم ترف له عين عندما شرحت له الموضوع من كافة جوانبه , قال أن يتفهم الأمر , وأذا كان ذلك يسعدني.....".
أغلقت جنيفر باب المطبخ في تلك اللحظة بالذات , أشفاقا على مشاعرها , تعذبت... تألمت... وكادت تبكي , مسكين ديرك... هذا الأنسان الطيب الذي يمكن الأعتماد عليه! أنه فعلا يستحق بعض شفقتها على عواطفها , فهو مثلها ... ضحية الحب الضائع والأمل المفقود.
حبست نفسها في المطبخ مدة طويلة , بحجة أعداد العشاء , وعندما أصبح الطعام جاهزا كان صداعها الناجم عن كبت مشاعرها وأحاسيسها قد بلغ أشده , أنهمرت دموع المرارة من عينيها الحزينتين , لعلمها بأنهما يفضلان عدم وجودها معهما....
أغمضت عينيها قليلا في ظلمة غرفتها , فيما كانت الأصوات الخافتة التي تصلها من قاعة الأستقبال تنهمر على رأسها كالجارة , وتطعن قلبها وجسمها كالخناجر الحادة , نامت بعد فترة من الزمن ,ولاحظت عندما أستيقظت أن الساعة بلغت الحادية عشرة ألا ربعا , لم تسمع أي صوت في البيت , سوى صوت الصمت الرهيب وتنفس شيلا , ظلت مستلقية في فراشها بدون حراك , تحاول أقناع نفسها بالأستسلام الى النوم , لم تشعر بصداعها ,ولكن الفراغ كان يقض مضجعها ويحرمها من لذة الراحة والطمأنينة.
قامت من سريرها بهدوء وذهبت الى المطبخ لأعداد فنجان من الشاي وتناول قطعة من الحلوى , تمنت لو كان بأمكانها الهرب تحت جنح الليل ,وعدم الأضطرار لمواجهة لوغان وشيلا في الصباح ,ولكنها قررت البقاء , وهي لا تدري ما أذا كان ذلك جبنا أم شجاعة , أحست وكأنها فقدت قدرتها على التحكم بشعورها وأرادتها... وكأن عقلها لم يعد يستوعب أمورا بسيطة كهذه , تقزمت حادثتها المخجلة مع برادلي أمام هذه القوة المدمرة لحبهاالحالي من جانب واحد.
صفر أبريق الماء , فقفزت من مكانها مذعورة متضايقة , بدأت تصب الماء المغلي فوق كيس الشاي الصغير القابع في قعر فنجانها , و...
" تصورت أنك نائمة".
أستدارت بسرعة نحو باب المطبخ بفزع وذهول , ثم تمالكت أعصابها وقالت:
" أردت.... أردت أن أشرب فنجانا من الشاي .... و... ".
" أنتبهي! أنتبهي!".
ولكن الفنجان وقع من يدها المرتجفة , وأفرغت محتوياته الحارة على أصابعها , قفز لوغان الى جانبها
ثم أمسك بيدها وقال:
" هل أنت بخير؟ دعيني أرى يدك".
حاولت سحبها من بين يديه , ولكنها كانت أضعف من أن تقدر على ذلك , تأمل وجهها الحزين وهو يفحص يدها , فأحست بالنار تشتعل في كافة أنحاء جسمها , وعندما ألتقت نظراتهما , حدق بها طويلا ثم راح يردد أسمها همسا.... قبل أن يضمها الى صدره.
أرتعشت بأستسلام , فيما كانت مقاومتها الضعيفة تنهار بسرعة لم تكن تتوقعها من قبل , طوقت عنقه بذراعيها ... وذابت , تململت بأنزعاج عندما رفع رأسه , حاول عقلها صد عواطفها وأحاسيسها عن التجاوب مع عناقه ,ولكنها كانت تعلم أنها له... يفعل بها ما يشاء
تمتم بصوت أجش:
" أوه , جيني , جيني! أريدك , كم أريدك!".
تسمرت بين يديه , وتوترت أعصابها بشكل مذهل , قال لها قلبها أنها سخيفة غبية ... تصورت في لحظة جنون أنه يحبها! طالبها قلبها بالتوقف فورا عن مبادلته عناقه ... فهو خطيب أختها! حاولت أبعاده عنها صارخة:
" لوغان , توقف , أرجوك! دعني, أتركني!".
لم يتركها , بل عاد يعانقها وهو يقول لها بصوت ناعم رقيق:
" لا تحاريبينني , يا جيني غلين".
ضربته على صدره لتتحرر من قبضته القوية ,وعندما فشلت في تحقيق ذلك , أنهمرت الدموع الحارة من عينيها , أمسك بيديها , ثم قال لها عاقد الجبين:
" ماذا دهاك؟ ماذا فعلت معك؟".
كانت دموع الذل والهوان تبلل وجهها , والغضب العارم يعصف بقلبها ومشاعرها , صرخت به:
" قلت لك أتركني ! أتركني أيها الوحش, أيها المخادع!".
سألها بحدة وبصوت حاد:
" ماذا حل بك ؟ هل جننت؟".
" لا , بل عدت الى صوابي".
حدق بها بعصبية وحنق شديدين , ثم لمعت عيناه ببريق خاص وقال:
" أنا لن أتزوج شيلا , يا جيني غلين".
هل يكذب ؟ هل يخادع؟ ماذا يرمي من جملته هذه؟ ماذا يفعل؟ لماذا يخرج علبة الخاتم المخملية السوداء ويعطيها أياها؟
بدت الحيرة واضحة تماما في عينيها ,وهي تنظر اليه بدهشة غريبة , فتحت العلبة بتردد , وبيدين مرتجفتين , تأملت الخاتم الرائع بذهول ما بعده ذهول
وقالت له عندما أستعاد العلبة منها :
" لا أفهم".
أبتسم, وقال لها بشيء من تهكمه الجارح:
" الموضوع في غاية البساطة , يا جيني غلين , فأختك ستتزوج ديرك , وكنا نعرف حتمية ذلك منذ البداية".
" ولكن.. ولكن سمعت الموظف في محل بيع المجوهرات يقول أنه خاتم خطوبة".
"صحيح".
غطت جنيفر فمها بسرعة كيلا تصرخ فيما كان عقلها يسجل بعض الأستنتاجات التي لا يمكن تحقيقها , هزت رأسها بتأثر
وقالت:
" سمعت شيلا تقول لك أمس أن ديرك تقبل الخبر بطيبة خاطر ".
أبتسم لوغان مرة أخرى , وقال لها بلهجة عادية هادئة خلت من الخبث والسخرية :
" طالبته بألا تترك عملها في الفندق , حتى يتمكنا على الأقل من الوقوف على أقدامهما بالنسبة الى الأوضاع المالية".
ثم غمزها بعينين ضاحكتين , وسألها مداعبا:
" ألا تريدين معرفة صاحبة هذا الخاتم؟".
" أنه... أنه...".
" يشبه قلادتك".
" لمن ستهدي هذا الخاتم , يا لوغان".
" يتبع الرجال في عائلة تايلور تقليدا يقضي بأهداء زوجة المستقبل خاتما من الماس , ألم تلاحظي خاتم والدتي؟ كانت أمي , حتى فرة الأعياد تظن أن القلادة هي هديتي لشيلا , أنظري الى الكلمات التي طلبت حفرها داخل الخاتم:
أخذت الخاتم منه وقرأت جملة باللاتينية , ثم سألته عن معناها ,قال لها:
"هذا هو شعار ولاية وايومينغ , ومعناه أنه يتحتم على السلاح الرضوخ للعلم , أما بالنسبة الينا , فأعتقد مخلصا أنك أنت التي يجب أن ترضخي , وتتوقفي عن تعذيبي".
شهقت , وقالت له بتلعثم:
" هل أعتبر... هذا الكلام... عرضا جديا... للزواج؟ أرجوك , يا لوغان , لم أعد أتحمل النكات والأستهزاء".
وضع يديه على كتفيها برقة ونعومة وكأنه يخاف عليهما من الأحتراق نتيجة ملامستهما جسمها , وقال:
" أطلب منك الأعتراف بصورة نهائية بأنك تحبينني , أريد سماع ذلك منك".
همست بصوت مرتعش:
" أحبك , يا لوغان , أحبك حتى الجنون".
أبتسم بأرتياح ظاهر , ثم ضمها بقوة الى صدره , وقال:
" تأكدت من ذلك ليلة أمس , ماذا دهاك البارحة؟ ففي البداية , تصورت من طريقتك في معانقتي بأنك تقدمين قلبك على طبق من فضة , وفي اللحظة التالية كنت تبصقين في وجهي وتغرزين أظافرك بكتفي كقطة شرسة".
أحمرت وجنتاها , فأخفت وجهها في صدره حياء وخجلا ,وقالت:
" أعتقدت.... أعتقدت أنك لا تريدني الى لأجل اللهو, قلت أنك تريدني ... ولم تقل أنك تحبني".
أنهمرت الدموع الحارة من عينيها , فأمسك برأسها وراح يجفف خديها المبللين بفمه قائلا:
" يا لك من شابة غبية ! طبعا أريدك ,ولكن ذلك نتيجة حب جارف , أريدك لأنني عشقتك وأحببتك منذ اللحظة الأولى لنزولك من الطائرة ودخولك الى قلبي , ولكنك أقمت جدارا عاليا جدا بيننا , فتصورت أنني لن أستطيع تجاوزه أو تخطيه ,ولكن معانقتك الآن , يا حبيبتي , تمحو جميع الآلام التي شعرت بها".
" أوه , لوغان! كنت فعلا غبية وسخيفة , لم أفكر بك منذ البدء ألا كشاب ماجن , أنتبهت في وقت لاحق الى أنك لست كذلك , ولكنني أصبحت عندئذ متأكدة من أنك تحب شيلا ".
قبلها بمحبة وحنان فائقين , وقال:
" لم أحب أحدا غيرك , يا فتاتي الغبية ذات الشعر الأحمر.... يا حبيبتي جيني , يا جيني غلين تايلور , ألن يصبح أسمك هكذا في المساقبل القريب , بأذن الله؟"
نظرت اليه بشغف وهيام , ثم رفعت رأسها نحوه بحب:
" القريب جدا ,جدا".
تمت الرواية 💐
أنت تقرأ
حبيبتي جيني ...
Romanceالملخص الجراح درجات ...وجرح القلب أخطرها.... البعض يداوى حروق قلبه بالسفر والنسيان , والبعض الآخر يعض على جرحه وينام مكسورا من الألم. جنيفر خدعها مديرها ستيفنسن , وزرع فى كفيها أحلاما جرفها نهر الحقيقة , فأقفلت باب قلبها وهربت حاملة جراحها فى حقيبة...