شهداء الثورة بين جرائم الطغاة وفتنة الدعاة

202 9 0
                                    

بقلم : حاكم المطيري
الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده وبعد..
جاء في الحديث الصحيح (أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون)، وجاء في رواية (أخوف ما أخاف على أمتي حيف الأئمة) وفي رواية (جور السلطان)!

كنت أظن - وأكذب الحديث الظن - أن الخلاف في حكم قتلى الثورة العربية هو فقط في هل هم شهداء لهم أحكام الشهداء في الدنيا والآخرة؟ أم شهداء في حكم الآخرة فقط؟ أم ليسوا شهداء وإنما هم كسائر أموات المسلمين؟

ولم أتصور أن يصل الخلاف فيهم إلى ما هو أبعد من ذلك كأن يدعي أحد بأنهم خوارج وحرورية! وأن يدعي أحد أن ابن علي في تونس وبشار في سوريا والقذافي في ليبيا وحسني في مصر وعلي صالح في اليمن وأشباههم ولاة أمر تجب طاعتهم، وأن طاعتهم من طاعة الله ورسوله، ومن خرج عليهم ولو بشكل سلمي فيجب قتله وسفك دمه؟! ومن مات منهم مات ميتة جاهلية!

وحين يصل الخلاف إلى هذا الحد، وإلى حد تصور أن هؤلاء ولاة أمر شرعيون، وأن طاعتهم من طاعة الله ورسوله، وأنهم يدخلون في عموم قوله تعالى {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}، وليس في عموم قوله {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}، ولا في عموم {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به}! وحين تنزّل فيهم وعليهم نصوص السمع والطاعة، والصبر على جور أئمة المسلمين، فإن الموضوع حينئذ يخرج بنا عن مسألة القتلى وحكمهم، إلى مسألة أخرى أشد خطرا في الدين والاعتقاد تتمثل في : ما هو الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؟ وما حقيقة التوحيد الذي دعا إليه؟ وما هو الطاغوت الذي يجب الكفر به؟ وما هي الإمامة الشرعية التي يجب لها السمع والطاعة؟ ومتى تكون السلطة شرعية ومتى لا تكون؟...الخ إلى عشرات الأسئلة التي هي مقدمات طبيعية لا يمكن فهم موضوع حكم شهداء الثورة ما لم يتم فهم تلك المقدمات! مع أن عامة المسلمين بفطرتهم السليمة لا يحتاجون إلى كل ذلك!

لقد جاءتني رسائل كثيرة من بعض الدعاة وطلبة العلم الشرعي يستشكلون بعض ما جاء من ردود على المقال، مع أن تلك الردود هي دليل أزمة فكرية تعيشها الأمة بسبب عجز دعاتها وعلمائها حين فاجأتهم الأحداث وتجاوزتهم، وإذا الأمة تشق طريقها نحو حريتها وكرامتها وإنسانيتها المسلوبة، بعد عقود من التيه، الذي لم يستطع الدعاة خلاله إخراجها مما هي فيه، بعد أن تحالف قسم كبير منهم في كل بلد مع نظامه وطاغوته على حساب حرية الأمة وكرامتها وحقوقها، فلم يأخذوا بالعزيمة ويجاهدوا الطاغوت، ولا هم اعتزلوه كما أمر الله بقوله {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}!

فلما مضت وحدها تدك عروش الطغاة، وتنسفها في اليم نسفا، فتذرها قاعا صفصفا، فإذا أولئك المفتونون يحنون من حيث يشعرون أو لا يشعرون، إلى الطغاة وعهودهم، الذين أشربوا حبهم في قلوبهم واتخذوهم أندادا من دون الله، يوالون من يوالونهم، ويعادون من يعادونهم، فلم يجدوا لتبرير صمتهم طول هذه المدة، ولتبرير تخلفهم عن الوقوف مع الأمة في ثورتها ضد الظلم والاستبداد، وضد الفوضى والفساد، وضد الخيانة والعمالة التي تأباها كل شعوب الأرض على حكوماتها، إلا بادعاء أن الدين يمنعهم من ذلك! وأن في أعناقهم بيعة لطواغيتهم! وأن من خرج عليهم فمات مات ميتة جاهلية! وأن أهل السنة يحرمون الخروج..الخ!

لأننا غاليات2 🌸حيث تعيش القصص. اكتشف الآن