انت الامل
قصة قصيرة
علاء كاظم الموسوي
ما اجمل هذا الطفل ؟
ان ملابسه جميله يبدو ان والديه اثرياء ...
يمر سعيد وهو مبتسم ذاهبا الى مدرسته وكان في الصف الثالث الابتدائي وفي جيبه زهره حمراء اللون علقتها والدته على صدره ، كلما مر سعيد من امام مجموعة يسلم عليهم بابتسامة الهادئة التي تبعث على الامل وهم يسلمون عليه كبارا وصغارا ، يمر ويبقى عبير رائحته يملا المكان ..
يجلس سعيد في مقدمة الصف وعلى الرحلة الاولى ...
المعلم صباح الخير ...
الطلاب صباح النور
يرفع سعيد يده ليلقي نشيدا تحية للمعلم
قُـمْ للمعلّمِ وَفِّـهِ التبجيـلا
كـادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا
أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي
يبني وينشئُ أنفـساً وعقولا
سـبحانكَ اللهمَّ خـيرَ معـلّمٍ
علَّمتَ بالقلمِ القـرونَ الأولى
أخرجـتَ هذا العقلَ من ظلماته
وهديتَهُ النـورَ المبينَ سـبيلا
وطبعتَـهُ بِيَدِ المعلّـمِ ، تـارةً
صديء الحديدِ ، وتارةً مصقولا
أرسلتَ بالتـوراةِ موسى مُرشد
وابنَ البتـولِ فعلَّمَ الإنجيـلا
وفجـرتَ ينبـوعَ البيانِ محمّد
فسقى الحديثَ وناولَ التنزيلا
فيشكره المعلم الذي زرع في نفسه سعيد الحب ...
وكادت السنة ان تنقضي وهو بين زملائه يلعب وبين دروسه مجتهدا وبين الناس محبوبا لأسلوبه وتربيته التي اختلفت عن الاخرين من اقرانه ، فكان الجميع يرى له مستقبلا مشرقا وضاءا
جاء يوم النتائج فقرر والد سعيد الذهاب معه لاستلام النتيجة وكان سعيد يطلب من ابيه بان يكون مختلفا عن زملائه فتبسم الاب له موافقا على طلبه .
وسار الاب مرتديا الزي العربي وولده سعيد كذلك يردتي الدشداشة البيضاء والشماغ الابيض والعقال العربي الاسود وكان كانه ملاك
وكعادته هو المتفوق على اقرانه وهو الاول على دفعته وقد كرم من قبل الاساتذة واحتفوا به ايما احتفاء
وبعد مرور ايام وهو يلعب خارج المنزل مع اصدقائه
واذا بسيارات محملة بالرجال والسلاح كانوا ملثمين لا يظهر منهم الا عيونهم فنزل الخوف بالأطفال واسودت الدنيا بعين سعيد وكانه رأى مصيرا مجهولا ينتظره ...
- سعيد يصرخ ابي ابي ...
- الاب بني املي بك فلا تخيب ظني ...
سعيد حزين ويبكي لفراق والده تغيرت احوالهم بسرعة صودرت اموالهم ذهبت السعادة ادراج الرياح ...
مرت العطلة وبدأت المدرسة ..وكأنها كابوس وليست المدرسة التي كان يذهب شوقا لها
يمر سعيد مطرقا براسه وملابسه ليست تلك الملابس القديمة لكنها غير مرتبه والوردة ذابلة على صدره
يمر ولا يسلم على احدا
يمر ويسمعهم يقولون مسكين هذا الطفل
يدخل المدرسة فجلس بمكانه المعتاد الا انه لم يجد حفاوة زملائه ولا ترحيب اساتذته
يدخل المعلم ويطلق التحية ، ويرد التلاميذ
لكن سعيد لم يرفع يده للتحية على المعلم
يبدا الدرس وينتهي وسعيد ليس في الدرس بل هو يرى تلك السيارات واولئك الرجال الذين ضربوه وامه واخذوا اباه وقتلوا الفرحة فيهم .
بقى اياما على هذه الحال اراد ان يغير ويعود لحاله فخرج لإصحابه يلعب معه فعندما راوه تفرقوا عنه وتركوه وحيدا ..
يذهب صباحا للمدرسة ويسلم فلا يرد الناس السلام ..
يدخل الصف فيجلس برحلته الاولى فيتركه صديقه ويجلس بغير مكان ...
يرفع يده للمعلم فكانه لا يراه فقرر الجلوس بالرحلة الأخيرة قرب النافذة مكتفيا بالنظر الى شجرة فيها عش عصافير صغار تقوم امهم بإطعامهم .
وذات يوم دخل مدير المدرسة .
وقال ايها التلاميذ اليوم انتخابات القدوة وانتم من تختارون الافضل بينكم والمتميز
فانتبه سعيد لأنه كل عام هو القدوة ... فهل هذه المرة سينالها ..
وعندما صوت التلاميذ كان التصويت لصالح سعيد ...
واعلنت النتيجة وفرح سعيد جدا وقرر العودة لما كان عليه ..
لكن مدير المدرسة والمعلمون قالوا يجب ان تعاد عملية الانتخاب ..
وقد نزل هذا الكلام كالصاعقة على سعيد مستغربا اول مرة يكون فيها اعادة الانتخابات !!
وتمت الاعادة لتظهر النتيجة لصالح سعيد ..لكنه لم يفرح لأنه رأى المدير يلوح بيده ويؤشر عليه بأصبعه وكانه يقصده بأمر فدنا المدير من سعيد
- المدير : سعيد يجب ان تغادر الصف فانت لا يمكن ان تكون انت قدوة للتلاميذ .
- سعيد عيناه تدمعان لماذا يا استاذ ،
- المدير ماذا اقول لك ، لا يمكن انتخابك بسبب ابيك
فبكى سعيد وخرج من الصف وسط ذهول اصدقاءه والمعلمون
سعيد يرتمي بأحضان امه وهي تقول ان اباك على حق وهؤلاء ظالمون
مرت السنون العجاف على سعيد واسرته
فاخذ يعمل هنا وتارة هناك وهو يواظب على الدراسة رغم كل شيء لكن امه قامت بنقله من المدرسة النموذجية الى مدرسة ريفية كل الطلبة فيها من العوائل المعدمة والبسيطة
وذلك بأمر من ادارة المدرسة ..
وكذلك انتقلوا للعيش بالريف .. وذلك بأمر من رجال الامن...
سعيد ينهي دراسته المتوسطة لكن بعد ما امضى فيها اكثر من سبع سنين يرسب بالصف مرتين لأنه كان يعمل ..
سعيد لازال يذكر ذلك اليوم الاليم الذي سرق البسمة والفرحة منهم
سعيد ليس لديه اصدقاء فكل من يعرف بقصته يتركه ولا يكاد يلقي التحية عليه .
سعيد اصبح سائقا لسيارة اجرة وفي المساء يدرس بالإعدادية
فقرر ان يتزوج ..
فقال لوالدته بعد ان اصبح عمره 22 عاما بانه يريد الزواج
وساعدته والدته وذهبوا لطلب يد احدى الفتيات من اقربائه لكنه فوجئ بالرفض ..
- لكن لماذا سعيد يسال ....
- ابو البنت سعيد انك لا يمكنك ان تتزوج بسبب ابيك !!!
فخرج سعيد والحزن قد اخذ منه مأخذ
وهو يخاطب نفسه
- كانت سعادتي بوجود ابي واليوم تعاستي بغياب ابي !!
- ما الذي فعله ابي ؟
- لماذا الكل يكرهني بسببه ؟
ظلت الاسالة تدور براسه لا يجد اليها جوابا
ذات يوم قرر السفر خارج البلد ليعمل ويهرب من مضايقات رجال الامن له .
فاكمل اوراقه ووصل المطار بعدما ودع والدته فقدم الجواز ليختم ختم تأشيرة المغادرة
فختم عليه ممنوع المغادرة !!!
- فقال لهم ان اوراقي سليمة لماذا تمنعوني ؟
- فقالوا له بسبب ابيك !!!
فاخذ سعيد الجواز راجعا الى امه التي فرحت بعودته ومع استغرابها ايضا
- الام سعيد ما بك لماذا عدت يا ولدي
- سعيد امي بسبب ابي لا يمكن ان اكون متفوقا وقدوة الصف ، وبسبب ابي لا يمكن ان اتزوج ، وبسبب ابي لا يمكن ان اسافر وبسبب ابي نعاني لكن لماذا ياااابي .
- الام : ولدي سعيد ان اباك ثار على الظلم ولا تنس وصيته لك ...
- سعيد نعم امي وصية ابي هل تعلمين ماذا قال ابي ..
- ماذا قال ياولدي
- سعيد : قال ابي بني املي بك فلا تخيب ظني ... فكيف يا ابي لا اخيب ظنك وانا حاولت حتى عجزت .
الباب تطرق
- الام خائفة سعيد لاتفتح الباب انا سافتح ..
- سعيد كلا امي انهم يريدونني ..
فتح سعيد الباب واذا بالسيارت والرجال الملثمين لكنهم سرعان ما اماطوا اللثام عن وجوههم لتعلوا الابتسامة على الوجوه وسط استغراب سعيد وامه ...
تقدم منهم رجلا ووضع يده على كتف سعيد
- لم تخيب ظن ابيك فيك لقد انزاح الظلم بسبب ابيك ...