الدّونات والقهوة

2.1K 189 319
                                    

أسيرُ في طريقي المعشوشب المعتاد باتّجاه المنزل حيث ترافقني السّكة المعدنيّة التّي أحب السّير بمحاذاتها كأنّها ترشدني، وأحيانًا أفكّر لو بقيتُ أتبعها دون توقّف ودون أخذ المنعطف الصّحيح إلى المنزل، فإلى أين سأصل؟

قرص الشّمس قد اختفى خلف الأفق يميني مُخلّفًا شعاعًا خفيفًا من النّور، فيما على الجّهة الأُخرى قد بدأ الظّلام يرفل بثوبه مُغطّيًا الدّنيا، وبينهما تتمازج درجاتٌ ساحرةٌ من البنفسجيّ والكحليّ أتأمّلها رافعًا بصري إلى الفضاء وعاقدًا ذراعيّ خلف رأسي.

تغزو الابتسامة وجهي وأنا أُفكّر بذلك الأحمق اللطيف الذي لم تمضِ ساعةٌ منذ افتراقنا بعد نهاية الدّوام المدرسيّ، فقد أخبرني اليوم أنّه يشتهي كعك الأرّز والفطائر المقلية والهوت دوغ وقائمةً تطول من مأكولات الشّوارع الخفيفة!

وبالطّبع لم أتوانى عن سحبه خارج أسوار المدرسة لنركض متضاحكين مستمتعين بحرّيتنا، متجوّلين في الشّوارع  بزيّنا المدرسيّ متجاهلين نظرات الباعة والأمهات القلقات أن يكبر أبنائهنّ ليصبحوا مثلنا.

فجأةً يصدر صوتُ تنبيهٍ من هاتفي لأتناوله من جيبي مبتسمًا أولًا للتعليقة الجديدة على شكل كوب قهوة، وثانيًا لاسمه الذي ظهر على الشّاشة، قبل أن تتحول ابتسامتي إلى جمودٍ.

يدوي صوت القطار فوق السّكة وصافرته تصمّ الآذان، يُحلّق سربٌ من الغربان، يتطاير شعري، ثمّ يتلاشى كلّ شيءٍ، صافرةُ القطار البعيدة، خفقان الأجنحة، النّسمات، وقلبي الذي شعرتُ أنّه دُهس تحت العجلات.

أحدّق بالأحرف واقرأ الكلمات مِرارًا لعلّ شيئًا سيتغيّر، دونما فائدة.

أنا الآن مغادرٌ بالطّائرة للعلاج في الخارج
آسفٌ لأنّي لم أخبركَ سابقًا، لم أرد أن تشعر بالحزن

وداعًا يونغي هيونغ

كيف يجرؤ ذلك الوغد؟ تقول أنّك لم ترد أن أشعر بالحزن؟ يا لغبائك حقًّا! إذًا ألن أشعر بالحزن الآن وقد أكتشفتُ أنّكَ لم تعد موجودًا فجأةً؟ على الأقل لو أخبرتني سابقًا لشعرتُ بالحزن ولكنّكَ كنتَ ستكون بجواري لتساعدني على اجتيازه!

وهل تعتقد أنّي سأكون سعيدًا جدًّا الآن وقد أدركتُ لتوّي أنّك كنت تعيش القلق وحيدًا لوقتٍ لا أعلمه وأنت تعرف ما ينتظرك، في حين كنتُ انا الغبيّ الغير مُدركٍ الذي لم يستطع مواساتك ولا مسح دموعك عندما احتجتني؟

ثمّ ما بال وداعًا هذه وكأنّك تُلمّح للفناء؟ أين إلى اللقاء التي اعتدتَ ختم رسائلكَ بها؟!

لقد بدا لي حزينًا صباحًا في بعض اللحظات ومهما سألتُه عمّا به فإنّه يتجاهل السّؤال ويضع ابتسامةً، عزوتُ الأمر إلى مرضه، تعلمون أحيانًا يتعب الإنسان من حياته المُتعِبة، ظننتُ ذلك ما به لذلك لم أرد أن أضغط عليه واكتفيتُ بمحاولة إسعاده.

الدّونات والقهوة | MYG x PJM ✔حيث تعيش القصص. اكتشف الآن