الجزء -16-

3.5K 95 58
                                    

صدم السيد حسن بما سمعه و أحس بألم حاد يعتصر قلبه تهجم على مكتب فارس حينها و هدده بالزواج بها قصرا حتى لو كلفه الأمر التخلي عن أسهمه بالمصنع مقابل ذلك، فأعماه الطمع و قَبِل، ......
خلال الإجتماع و بمجرد توقيع أوراق التنازل تعرض السيد حسن إلى أزمة قلبية حادة ليلتفض أنفاسه الأخيرة بالمصنع فعند وصوله إلى المشفى كان قد توفي إذ أنه لم يستطع تحمل كل ذلك الضغط و الحزن على إبنته مع ضعف قلبه ...
تم إخراج سارة من المشفى لحضور جنازة والدها كانت منهارة بشدة لدرجة أنها حاولت الإنتحار مرة أخرى بشرب جرعة زائدة من الدواء لكن فارس أنقذها باللحظات الأخيرة ونجت من الموت بأعجوبة فأراد الأطباء إعادتها لمشفى الأمراض العقلية مرة أخرى لسوء حالتها إلا أنّ فارس لم يقبل بذلك و ضل يهتم بها ببيتها حيث وفر لها طبيبا خاصًا لرعايتها إلى أن تماثلت للشفاء بينما قل إهتمامه بفردوس و بدأ حبه لها بالتلاشي مقابل حبه للمال، فوالد سارة كان يعلم أن حالة قلبه سيئة و أن وفاته قريبة لذلك إحتسب لكل العاواقب و وضع بندا بعقد التنازل ينص على أن إمضاء سارة إجباري بكل قرارات المصنع، خوفًا من أن يتركها فارس بعد وفاته و هكذا تواصل إهتمامه بها خدمةً لمصلحته .
بينما كانت فردوس المسكينة تفكر بجفائه المفاجئ لها عوض أن تفكر بدراستها و إمتحانها القريب كان هو مستمتعا بالسياحة بفرنسا رفقة سارة إمتثالا لأوامر الطبيب الذي قال أن السفر سيفيد نفسيتها كثيرا و يعدِّلها .
....مرت الأيام و لازلت فردوس تحاول الإتصال به  لترد عليها تلك الفتاة اللعينة التي تقسم أنها توشك على قتلها من شدة سؤمها من سماعها هذه الفترة: "هاتف مخاطبكم مغلق أو خارج نطاق التغطية الرجاء إعادة طلبكم لاحقًا"
فصرخت بغضب :"أووووف زيد ! أكاد أجن و الله ...يسافر دون أن يخبرني و يغلق هاتفه أيضا ! ...ما قلة المسؤولية التي يتمتع بها ؟ ...ألا يقول لديا حبيبة تقلق لغيابي المفاجئ و تريد الإطمئنان عليا و سماع صوتي هاااه !!"
زيد:" هدئي من روعك فيفي، أقسم أنه لا يستحق كل هذا الغضب و القلق منك و الله ! ألم تخبرك عائشة أنه أخذ حقيبته فجأة و أعلمهم أنه مسافر لفرنسا بشكل عاجل لأمر يخص العمل، إذن لا بدى أنه مشغول و لم يستطع الإتصال !"
فردوس:" مشغول، مشغول، مشغول ...سئمت سماع هذه الكلمة من الكل هذه الفترة ! لما لا أنشغل أنا هااه ؟ لما دائما ما أجد وقتا للإتصال به رغم ضغط الدراسة ! لما أهتم به أنا لهذه الدرجة بينما يقابلني هو بالجفاء هكذا لماااا !!"
زيد:" لأنه لا يستحق حبك صدقني فردوس ! فلو كان يبادلك نفس القدر من الحب لما كان جعلك تقلقين بهذه الطريقة و لم يتوانى لحظة عن الإتصال بك !"
فردوس:" و لكن لماذا ! ما الذي فعلته حتى تناقص حبه تجاهي ؟ أليس هو من أحبني أولاً ! أليس هو من إهتم بأدق تفاصيلي و علمني معنى الإهتمام ! لماذا يتعمد تجاهلي كل فترة و يعذبني بهذه الطريقة ! ألا يكفيه بعد المسافة بيننا حتى يزيد هو ببعده !! تعبت و تعب قلبي زيد ...و الله لم أعد أستطيع التحمل أكثر !"
زيد:" يمكنك إنهاء كل شيء الآن فيفي لما تتعبين قلبك بتحمله بينما لا يكلف نفسه بالحديث معك حتى !! أنهي هذه العلاقة فردوس و أريحي نفسك !"
فردوس:" لا يمكنني فعلها زيد ! لا يمكنني، ...أنا أحبه و لن أستطيع التخلي عنه مهما حدث "
..........
بتلك اللحظة بالجهة الأخرى من العالم، و بفرنسا تحديدا كانا يحتسيان القهوة بإحدى مقاهي
'برج إيفل' المشهورة يستمتعان بمنظر مدينة باريس الفاتنة من أعلاه ....هتفت سارة بدلعها المعتاد:
" فارس ...عزيزي ! أتعرف أن باريس مدينة الرومانسية !؟"
أخرج فارس حينها علبة حمراء صغيرة من جيب سترته لينزل على ركبته و ينظر بعينيها قائلا:" نعم أعرف ذلك عزيزتي لذلك أردت أن أقوم بهذه المفاجأة لك هنا !...هل تقبلين الزواج بي سارة ؟"
أطلقت صرخة كصرخة الماعز معلنة تفاجأها:" واااااو خاتم من ألماس !...بالطبع أقبل عزيزي !!"
ألبسها الخاتم و قبّلها وسط هتاف الجميع و تصفيقهم ثم جلسوا فبادر هو قائلا:" سارة عزيزتي يجب أن نتفق على شيء أولا !"
كانت تستمع بمشاهدة خاتمها و تدقق النظر بحجر الألماس غير آبهة لكلامه فغمغمت له ليسترسل:" لن نعلن خطبتنا الآن إلى أن تتعافي بالكامل عزيزتي !"
تركت حينها الخاتم لتناظره بنظرات سامة هادرة به :" ما الذي تقصده بهذا الكلام الآن ! هل تظن أنني مجنونة لتنظر شفائي !! ...أنت لا تحبني !...أنت تحب تلك الصغيرة المدعوة فردوس أليس كذلك !! تريد فقط اللهو معي بخطبتي و من ثم ستتركني لتتزوج بها أليس كذلك !!" أصابتها حالتها الهستيرية لترمي بفنجان القهوة مهشمة إياه على الأرض يليه الآخر و قد عم صراخها المكان فأسرع فارس بوضع قرص مهدئ بكأس الماء الوحيد الذي أنقذه من جنونها ليقنعها بشربه محاولا تهدئتها بلطف، فقد أصابه الخجل بعدما أصبحوا مشهدا لجميع من بالمقهى، ...تماثلت للهدوء رويدا رويدا إلى أن خارت قواها ليغمى عليها أخيرا بمفعول القرص فحملها للسيارة بعدما إعتذر من الجميع تاركً مبلغ من الأورو على الطاولة كتعويض عن الفوضى و التخريب الذي قامت به، ....إنطلق بها للفندق غاضبًا من الموقف المحرج الذي وضعته به ليرميها بسريرها صارخًا:
" أاااه ....! ما هذه البلوة التي جلبتها لنفسك فارس ماذا !!" فرك شعره بغضب و أخذ  يجوب الغرفة ذهابا و إيابا منتظرا صحوتها فتح هاتفه ليتفقده فوجد ما يقارب خمسين إتصالا من فردوس و بعض الإتصالات من والدته و عائشة فقد كان مغلقًا طوال الأسبوع أي منذ سفره هربًا من المواجهة، حتى أحوال المصنع كان يتابعها عبر الحاسوب، رن هاتفه بتلك اللحظة ليجد رقم فردوس ظل يتأمل الهاتف مترددًا في الرد عليها بينما كانت تنتظر رده على أحر من الجمر،
فردوس:" أووف لم تكتمل فرحتي بفتحه لهاتفه أخيرا لكي لا يرد ...هيا فارس أرجوك رد عليا حبيبي هيااا !"
كان يهم بالرد ليقاطعه صوت سارة التي كانت تتململ في فراشها ممسكةً رأسها مدعية الألم:" آااه ما الذي حدث لي عزيزي ! ...أين نحن الآن ؟"
أغلق الهاتف ليجيبها بغضب:" نحن بالفندق يا آنسة ! لقد قمت بفضيحة قبل قليل جعلتني أرغمك على شرب مهدئ لذلك أنت هنا الآن بهذه الحالة !"
سارة:" أووه أنا حقا آسفة حبيبي ...لم أقصد إحراجك لكنك تعرف أنني أعشقك بجنون و لا أستطيع تحمل فكرة البعد عنك و لو للحظة ! ...
فما دمت معك سأكون بخير ...أعدك أنني سأكف عن جنوني لأتفه الأسباب !...لكن أرجوك عدني أنك لن تتركني عزيزي أرجوك عدني أنك ستعلن خطبتنا بمجرد عودتنا من فرنسا !" إختتمت كلامها بدمعتين من دموع التماسيح جعلته يشفق عليها فقبل يدها قائلا:" حسنا عزيزتي لك ما تريدين، ...إذن دعيني أححز تذكرتين للعودة هذا المساء "
قفزت كالجرادة و كأنها لم تكن بحالة إغماء لتأخذ حقيبتها اليدوية هاتفة:" ليس قبل أن أقوم بالتسوق ! أتريدني أن أعود من باريس مدينة الموضة و العطور هكذا عزيزي !!"
زفر نفسه بسئم ليرافقها للمرة العاشرة بالتسوق منذ قدومهم ليعودا آخر المساء بعشرات الأكياس من ملابس و أحذية و مواد تجميل و عطور ...
قاما بتناول العشاء و أمضيا الليلة مستمتعين بحفلة بالفندق، ليستقلا الطائرة في الصباح عائدين إلى الديار بينما لم يطئ النوم جفون فردوس التي ظلت تترقب إتصاله طوال الليل و تفكر بكل الأشياء السيئة التي يمكن أن تكون قد أصابته في سفره، لم تأتي الخيانة ببالها و لو للحظة أو بالأحرى لم تشأ تشتيت قلبها بهكذا إحتمال جارح بالرغم من كلام زيد و تحذيره لها إلا أنها لم ترد تصديق أن شيئًا كهذا قد يصدر من فارس أحلامها أو من ظنته فارس أحلامها ...
___________

ثأر الزمن (بقلم أميمة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن