التعدد : للعُموم

280 8 0
                                    

🔹التعدد : للعموم.

مقالي لن يشمل أبحاثا علمية تُبرر التعدد بشرح طبيعة الرجل، ولن يشمل شهادات الغرب على أن التشريع الإسلامي في هذا الباب جيد ومُصادق عليه من قبلهم، ولن يشمل ما يحدث من كوارث في المجتمعات المتفتحة ولا في مجتمعاتنا التي منعت هذا المباح؛ لأنني أحسب أنني أخاطب المسلمين، والمسلمات خاصةً؛ وما هو مُرسخ في فطرتي أن المسلم مُسَلِّم لأمر ربه كيف ما كان. إن كان يُؤمن بالإسلام حقا، ومتيقن من صحة هذا الدين، يكفيه النص ليُسلم، لا يحتاج أن يعزَّزَ ويُبرر النص بالواقع أو بما يحدث، أو بشهادات مخلوقات لا تساوي شيئا أمام عظمة الله وعظيم علمه سبحانه. فالنَّص عندنا هو الذي يُثبت ويعزز صحة الواقع، لا الواقع هو الذي يُثبت صحة النص.
ولست أهون من قدر الأبحاث الأخرى التي تفسر هذا التشريع وتبينه حتى تزيل الحرج الذي قد يُوجد في قلوب بعض النساء من هذا التشريع، فالأجر بها عظيم وهي تورث يقينا واطمئنانا، ثُم إن النظر غير محرم، ولست أحرمه ولا أزهد فيه، ولكن أنا غايتي ليست كذلك، وهدفي من المقال مخالف لهدفهم، بل إني أجزم أنه ربما مقالي بسيط جدا مقارنة بمقالاتهم.. نسأل الله التوفيق والسداد في القول.
المقال سيشمل فقط بعض ما يُشكل على النساء، وبعض ما تطرحه النساء اعتراضا على هذا التشريع.

﴿وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُوا۟ فِی ٱلۡیَتَـٰمَىٰ فَٱنكِحُوا۟ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَاۤءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُوا۟ فَوَ ٰ⁠حِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡۚ ذَ ٰ⁠لِكَ أَدۡنَىٰۤ أَلَّا تَعُولُوا۟﴾ [النساء ٣]
هذه الآية بيان وحُجة من الله على جواز التعدد للرجال، مثنى وثلاث ورُباع، أي له أن يتزوج زوجة أو زوجتين، أو ثلاث أو أربع زوجات. تكفينا هذه الآية التي هي من كلام الله، لنكون موقنات على أن هذا هو الحق، وأنه هو العدل، فمهما كان الأمر صعبا على المرأة إلى أنه ليس ظلما لها أبدا، فحاشاه سبحانه أن يظلم وهو الذي حرم الظلم على نفسه.
لن أتكلم في تفاصيل التعدد والحالات التي يكون فيها مرة مفروض ومرة مستحب ومرة مكروه ومرة محرم، لأن هذا يتعلق بالحالة المخصوصة، ويستلزم ذلك دراسة كل حالة على حدة، إنما ما أقوله فقط هو أنه على العموم ودون تخصيص أو تعيين" حلال" أحله الله وأباحه لأبناء آدم فلا حق لأي مخلوقة أو مخلوق كيف ما كان أن يضع نفسه مكان الحاكم فيحرمه أو يجعله في صبغة الجريمة. ما دام قد أحله الله له، فأنت تسكت ولا تتطاول على شرع الله.  ﴿قُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِینَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِیۤ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّیِّبَـٰتِ مِنَ ٱلرِّزۡقِۚ قُلۡ هِیَ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا خَالِصَةࣰ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِۗ كَذَ ٰ⁠لِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ﴾ [الأعراف ٣٢] .
التعدد صحيح مُقيد بالعدل بين الزوجات، لكن هذا يخص الرجل نفسه، هو من يجب عليه البحث في "هل سيعدل أم لا" لا أنتم. لا يمكن معرفة حُكم التعدد بالنسبة لشخص معين حتى تطلع على حاله، وحتى تكون أهلا لهذا الاطلاع والتدقيق، لا أن كل من هب ودب يصح له ذلك. فللذين يهولون من أخذ بعض الرجال لهذه الخطوة، ما يُدريكم أنه لن يعدل؟ ما الذي يجعلكم تحاربونه لمجرد أنه أراد أن يأتي ما أحله الله له متحججين بأنه لن يعدل وأنه سيكون ظالما؟ متى اطلعتم على التفاصيل لتخرجوا بهذه الخلاصة النَّيِرة؟
إن كنتَ مسؤولا عن الأمة، أو حاكما، أو عالما، فنعم يحق لك التدخل فيما ينفع أمتك، أما أن تكون مجرد عامي وتلقي الأحكام وتنثرها هنا وهناك دون دراية ولا تحرٍ ولا اطلاع، فمن أنت أصلا لتفعل هذا ؟ ومن أنت لتحرم ما أحل الله؟
واجبه "هو" أن يعدل، وواجبنا نحن أن ندع الحلال حلالا والحرام حراما، وأن نقف عند ما شرع الله؛ وإن خفنا على أحدهم عدم العدل فنذكره بما عليه من واجبات، ولا نزيد على ذلك، لأننا لسنا أهلا للتحريم والتحليل. وكُلٌ مسؤول على أفعاله بعد التبليغ.
وبالتالي فما أصبحنا نعيشه اليوم من إلساق صفة "المجرم" بكل رجل عدد أو فكر في التعدد، فهذا هو عين الإجرام لأنك أولا تجعل ما أحله الله خطأً وهو سبحانه المنزه عن الخطأ أو تشريع الخطأ، ثم تحرم ما أحل الله، ثم تُنكر على من أتى حلالا وهذا تشدد!
وهناك من يستدل بهذه الآية ﴿وَلَن تَسۡتَطِیعُوۤا۟ أَن تَعۡدِلُوا۟ بَیۡنَ ٱلنِّسَاۤءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡۖ فَلَا تَمِیلُوا۟ كُلَّ ٱلۡمَیۡلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلۡمُعَلَّقَةِۚ وَإِن تُصۡلِحُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا﴾ [النساء ١٢٩] ويجعلها دريعة لتحريمه مطلقاً. هذه الآية متعلقة بالقلب وميل القلب لإحادهن، ولا يُحاسبون عليها لأنها ليست بيدهم، وهذا تفسيرها :
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ أَيْ: لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْ تُسَاوُوا بَيْنَ النِّسَاءِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ حَصَلَ القسْم الصُّورِيُّ: لَيْلَةً وَلَيْلَةً، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّفَاوُتِ فِي الْمَحَبَّةِ وَالشَّهْوَةِ وَالْجِمَاعِ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وعُبَيْدة السَّلْمَاني، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعة، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الجُعَفِي، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيع، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيكة قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ فِي عَائِشَةَ. يَعْنِي: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُحِبُّهَا أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ، مِنْ حَدِيثِ حمَّاد بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ فَيَعْدِلُ، ثُمَّ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ" يَعْنِي: الْقَلْبَ.
لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ، وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، لَكِنْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ مُرْسَلًا قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ(٣٥) .
* *
وحتى وإن كان الاقتصار على واحدة مستحب في الشرع، لأن ذلك أبعد عن الظلم والجور، لكن هذا لا يعني أن من يترك المستحب آثم وظالم أو أنه أتى حراما. الدرجة التي تأتي دون المستحب هي الجواز لا الحُرمة أو الكراهة. فلم كل هذه الجرأة على أحكام الله؟
هذا من ناحية النهي عنه مطلقا.

وهناك صنف ثانٍ، وغالب من يأتيه هن النساء، فتقول لك" طيب نقبل التعدد، ولكن ليتزوجوا كبيرة السن والمطلقة والارملة"، ولا حق له في النظر لغير هذا النوع، وإلا فهو مريض شهواني، وأصلا شُرع التعدد ليتزوجوا هؤلاء فمفروض عليهم تزوجهن.
هل يا أُختي، في الآية، أو في السنة، أو فيما جاء من تشريع، ذُكر أن هذا الرجل مُلزم بأن يتزوج المطلقة أو الأرملة او كبيرة السن؟ انا لا أقلل من قدرهن، حاشى، بل بالعكس هناك الكثيرات ممن هن أرملات ومطلقات وكبيرات السن هن خير من بعض الأبكار، ونعم الزواج بهن فيه أجر واحتساب؛ لكن الغاية الأولى من تشريع التعدد هي إعفاف ذلك الرجل نفسه أولاً، ففيما ينفع أن يتزوج كبيرة ثم لا يتحقق بها الإعفاف، أو حتى صغيرة ولكن لا تعجبه فلا يتحقق له بها الإعفاف؟ فيما ينفع؟
متى ذُكر أنه عليه الزواج من صنف معين دون آخر؟ ألم يقل سبحانه في الآية "ما طاب لكم من النساء"، أي ما طاب لهم وما أعجبهم، لا ما طاب للمجتمع.
فلم التضييق؟ لماذا تضيقون حلالا جعله الله واسعا ؟
هذا الكلام المذكور فوق، لو أننا نسمعه من الزوجة الأولى لتقبلناه وتجاوزنا عنه، لأنها معذورة فهي تتكلم من دافع غيرتها وحرقتها، ولا نلومها في ذلك؛ ولكن أن تأتي أنت إنسانة بعيدة كل البعد عن الرجل، وتكرهينه وتبغضينه لمجرد أنه أتى ما أحله الله له، فما دخلك أصلا به، وما علاقتك به، ولم التدخل والتفكير أصلا فيما لا يعنينا؟

عندما أدافع عن التعدد، فأنا لا أقول لكن قمن وزوجن أزواجكن، أو تقبلن فكرة زواج أزواجكن بغيركن بقلب رحب وفرح، أو امتنعن عن كره ذلك في قلوبكن؛ ولا حتى أقول أني أنا نفسي أضمن سهولة الأمر على نفسي إن صار وحدث لي هذا يوما، أو أني قد أقبل الزواج بمعدد؛ ولكنه تشريع، يجب التسليم إليه تماما كما نسلم للصلاة والزكاة وباقي التشريعات الإسلامية. وقد رأيت من أخواتي تجرأً كبيرا جدا عليه، مما قد يجعلهن يقعن في الكفر الأكبر لما في ذلك من اعتراض على أمر الله والانتقاص منه، فأحببت التنبيه.

في المقال القادم إن شاء الله، نتكلم عما يخص الزوجة التي يتزوج عليها زوجها، وبعض الأفكار التي قد تُخفف عنها حزنها.
#التعدد_بين_النفس_والتسليم

لأننا غاليات2 🌸حيث تعيش القصص. اكتشف الآن