(18)
بعد وفاة سيدنا داوود , أصبح سيدنا سليمان هو الحاكم على بني إسرائيل (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ) .. [آية 16 : سورة النمل]
وَرث عنه المُلك والعِلم والنبوة , مش المال , بدليل إن سيدنا داوود كان عنده أولاد كتير غير سيدنا سُليمان , فلو كان المقصود المال ماكَنش هيبقى فيه خصوصية لسيدنا سُليمان بعينه , لإن الوِرث كان هيتوزّع على جميع أولاده على حدٍ سواء..
ده في الظروف العادية .. أما بشكل خاص فالأنبياء لا تُوّرث المال أصلاً , أموالهم بعدهم بتروح لبيت مال المسلمين [.. زي ماسيدنا النبي قال "إنّا معشر الأنبياء لا نُورث, ماتركناه فهو صدقة" ..
ومن باب التأمل في الحِكمة هنلاقي إن لو كان النبي يترك ورث كان مُحتمل حَد مِن الوَرثة يتمنى موته عشان يَحصُل على الوِرث , وبالتالي جت القاعدة دي تنفي التوريث لأموال الأنبياء عشان تنفي إحتمالية إن أي حد يتمنى وفاتهم]
إنما المُلك فهو مش مال ده المقصود بيه إنه يكون حاكم على قومه بعد أبوه.. وهو ما كان.
_
حياة سيدنا سُليمان في مُلكه مليانة مواقف عجيبة وجميلة وفيها حِكَم كتيرة .. من أبرز المواقف دي إنه في يوم من الأيام كان بيتفرج على عرض للخيول.. نوع مُعين من الخيول .. اسمه "الصافن" وجمعه (الصافنات) , ده من أجود أنواع الخيول , ويُقال إن كلمة صافن دي مش نوع إنما هي صِفة, فالصافن هو الخيل القائم إللي واقف على تلات أرجل ورافع رجل واحدة بحيث يُلامس طرفها الأرض, فـ شكله بيبقى جميل جداً ويخطف القلب فعلاً..
الصافنات دول كانوا أحب الخيول لقلب سيدنا سُليمان , وفي اليوم ده كان بيتم عَرضهم عليه عشان يجهزّهم للحرب ويتأكد من إنهم كلهم مناسبين للقتال , لكنه إنشغل بيهم عن ذِكر الله فـ عدّى الوقت من غير ما يعمل الوِرد اليومي بتاعه ..(إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ) .. [آية 31 ,32 : سورة ص]
الْجِيَادُ الخيل السريع جداً .. [اجتمع في الخيل دي أحسن صفتين في الخيول , إذا وقفت كانت صافنة جميلة ساكنة مُطمئنة , وإذا ركضت كانت سريعة خفيفة في مُنتهى الحُسن والجَودة.]
الْخَيْرِ يُعبِّر به عن المال عموماً , وعن الخيل خصوصاً [ في لُغة العرب شاعت تسمية الخيل بالخير لكذا سبب , منهم إن العرب أصلاً بيبدّلوا بين اللام والراء في ألفاظ كتير زي كلمة "انهمرت" ممكن تتقال "انهملت".
وبشكل خاص الخيل بتتسمى الخير نِسبة إلى كَثرة منافعها
بالإضافة لحديث سيدنا النبي لما قال " الخيل معقود في نَوَاصيها الخير إلى يوم القيامة" . رواه البُخاري.
فـ ممكن نعبّر عن الخيل بـ الخير إستشهاداً بالحديث ده]
تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ يعني الشمس غابت.
فهو -عليه السلام- إنشغل برؤية الخيل لحد ما الشمس غابت فـ فاته وِرد الذِكر اليومي.
ويُقال إن إللي فاته ماكَنش الذِكر إنما كان صلاة بيصليها وقت العصر [هي صلاة , اسمها صلاة , بس مش بنفس صِفة الصلاة في الاسلام , ماهو كل الديانات فيها صلاة لإن المقصود بالصلاة الصِلة بين العبد و ربه , والصِلة دي ماينفعش تنقطع مهما إختلفت الشرائع, إنما الصِفة والكيفية هي إللي بتختلف من شريعة لأُخرى]
فهو -عليه السلام- ضاعت عليه الصلاة -أياً كانت صفتها في شرعهم- , وأغلب الظَن إنها صلاة هو إللي ألزم نفسه بيها [زي مابنعوّد نفسنا نصلي ركعتين قيام لله , من باب التطوّع لا الفريضة ] لإن شريعتهم ماكَانش فيها صلوات في وقت العصر , والله أعلى وأعلم.
سيدنا سُليمان لما إنتبه للوقت نِدم جداً فـ أمر فوراً بإن الخيل إللي اتعرضت عليه تيجي كلها قدامه تاني , فقال (رُدُّوهَا عَلَيَّ)
(فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ) .. [آية 33 : سورة ص]
ودي ليها تفسيرين الإتنين وجيهين :
- أول تفسير إنه قتلهم عشان يضحّي بالحاجة إللي بيحبها غضباً لله لإنها شغلته عن ذِكرِ الله , هو ما دبحهاش ظُلم أو عقوبة ليها إنما العقاب كان لنفسه فـ استغنى عن أحب الأشياء لقلبه كـ قُربان لله , وذبح الحيوانات تقرباً لله جائز طالما مأكولة .. خصوصاً إذا تم توزيع لحمها على الفقراء والمساكين.
ودي عادة الأنبياء والصحابة والصالحين , كانوا لما يحبوا حاجة جداً وتشغلهم عن ربنا يستغنوا عنها علشان يبعدوا عن قلبهم أي حب يزيد عن حب الله.
- تاني تفسير إنه مسح على راسهم إكراماً ليهم وحُباً فيهم وبعدها قال : أنت في سبيل الله , بمعنى إنه استغنى عنهم , بنفس فكرة إنه حَب يبعد عن قلبه الحاجة إللي شغلته عن ربنا.
[ ده التفسير الشائع للآيات إللي عليه أغلب المُفسرين .. لكن في قصة تانية في إتجاه مُعاكس تماماً ذُكرت عن ابن حزم والرازي وذكرها الطنطاوي في تفسيره , بتتلخص في إن سيدنا سُليمان أثناء ماكان بيتفرّج على الخيول حدّث نفسه بإن حُبه للخيل دي مش دنيوي , إنما حُباً في أمر الله , لإنها بتساعده جداً في الجهاد في سبيل الله وتحقيق مُراده ونشر دينه , وإستمر في تَفَقُدّها لحد ما إنتهى من استعرضها وغابت عن عينه ودخلت أماكنها المُخصصة .. وهو ده المقصود بـ(فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ)
لكنه طُلب يرجّعوهاله مرة تانية عشان يستزيد من تَفقّد أحوالها ومعرفة مدى إستعدادها للمعركة , وساعتها إبتدا يمسح على أعناقها من باب التشريف ليها والسرور بيها والإعجاب بقوّتها وشدّتها (رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ) ..
مانِقدرش ننكر إن التفسير ده رغم إنه مش شائع في كُتب التفسير إلا إنه مُريح وجميل ويتناسب مع مقام النبي الكريم , فالله أعلى وأعلم بمُراده من آيات كِتابه]
_
(وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ)
ولإن البلاء بيبقى على قدر المُبتلى فكان بلاء سيدنا سُليمان بلاء عظيم وإختبار صعب الإحتمال على أي حد..
(وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ) .. [آية 34 : سورة ص]
•تفسير الشيخ الشعراوي و الرازي و إللي معاهم : إن ربنا حَرَمه من نعمة الصحة فـ بقى مُلقى على كُرسي المُلك كأنه جسد من غير روح , إحتار أطباء الإنس والجن ومحدش قِدر يعالجه , الطيور جابتله أعشاب طِبّية كتير وبردو مفيش فايدة, إستمر مرضه فترة طويلة جداً , ومع ذلك كان طول الفترة دي مُتمسك بالدعاء و الذِكر والإستغفار , لحد ما ربنا رفع عنه البلاء ورَجّعله صِحته ومُلكه ..
كأن مُراد الله إنه يفكّره - وينبّهنا- إن مهما بَلغ مُلكك ومالك وإمكانياتك مفيش حاجة هتشفيك أو تطلّعك من بلاءك غير رضا ربنا وإذنه إللي مش هيتحقق غير بـ اللجوء ليه والإستعانة بيه من غير يأس مهما طالت فترة البلاء.
• كيفية البلاء هتلاقي فيها إسرائليات كتير عن شيطان اسمه صخر , ويُقال آصف , ويُقال آصروا , ويُقال حبقيق .. وقصص تانية في مُنتهى الغرابة
[ده تنويه بس للي سمع عن القصص دي او قرأ عنها , عشان يعرف إنها إسرائليات وملهاش مصدر إسلامي صحيح, مش هدخل في تفاصيل عشان مايحصلش تشتييت للي ماكنش يعرف.. مع العلم إن الإسرائليات دي مذكورة في بعض تفاسير القرآن.
أما عن صِحتها من عدمه فإحنا مانقدرش نحكم إن كانت صح ولا غلط لأن مش كل الإسرائليات غلط , بس احنا بنرتاح أكتر لتفسير الشيخ الشعراوي وإللي معاه , لأنه تفسير يليق بـ نبي عظيم زي سيدنا سليمان , والله أعلى واعلم]
• بعض التفاسير بتستشهد بحديث صحيح عن سيدنا النبي وبيربطوا بينه وبين الآية دي .. الحديث بيحكي قصة لسيدنا سُليمان مع زوجاته وإنه نِسي يقول إن شاء الله , و رغم إنه حديث صحيح لا شك , إلا إن إرتباطه بالآية هو المشكوك فيه , لإن سيدنا النبي لم يذكر إن القصة دي هي تفسير الآية دي ولا حتى لمّح للمعنى ده , فـ الربط بينهما كان إجتهاد من المُفسرين لا غير , وقد يكون إجتهاد صحيح لكن القلب بيميل أكتر لتفسير الشيخ الشعراوي في الآية دي , والله أعلى وأعلم بالأصح.
_
سيدنا سُليمان لما أعاد بناء بيت المقدس طلب من ربنا 3 دعوات [هو أعاد بناؤه أمّا إللي وضع القواعد من قبله فإختلف عليه العلماء , قالوا أبونا آدم , وقيل سيدنا إبراهيم , فالله أعلى وأعلم]
الدعوات دي كانت كالتالي:
- إنه يكون عنده حِكمة في الحُكم تُوافق حُكم الله وإرادته..
وهو ما كان .. ربنا إستجاب , ومن هنا كانت الحِكمة العظيمة إللي اشتهر بيها سيدنا سليمان.
-طلب مُلك محدش بعده يملكه .. {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}
وهو ما كان .. ربنا المرادي كمان استجاب , ومن هنا كانت كل المُعجزات والمزايا الي إتميّز بيها -عليه السلام-
[ومن المُناسب إننا ننوّه هنا لـ حقيقة إن طلب سيدنا سُليمان للمُلك ماكَانش من باب حُب الدنيا أو الرغبة فيها , بالعكس الأنبياء أزهد الناس في الدُنيا لإنهم عارفين حقيقتها وقدرها عند ربها , لكن الدعوة دي كانت في سبيل أداء حقوق الله ونُصرة دينه وتعظيم شعائره عن طريق الإستعانة بالمُلك ده , وطلب إن محدش من بعده يتمنّى المُلك ده عشان محدش يتعشم فيه ويتمناه فـ يُصيبه خيبة أمل لو ربنا ما إستاجابش للدعوة دي , بمعنى إن طلب سيدنا سُليمان إقتصر على منع السؤال والتمّنيفي قلب أي حد بعده , لا منع الإستجابة.]
-والأخيرة إن أي حد يخرج من بيته مش حاطط في نيته غير إنه عايز يصلي في بيت المقدس -إللي هو أعاد بناؤه للتّو- يكون ثوابه على خروجه بالنِية دي إن ربنا يخرّجه من خطاياه كأنه لسه مولود ..
ربنا إستجاب للدعوتين الأولى والتانية وأجّل التالتة , فـ رسولنا الكريم قال " فنحن نرجو أن يكون الله قد أعطانا إياها" , يعني نتمنى الدعوة دي تكون مُؤجلة لينا فيكون الأجر ده من نصيب أُمة مُحمد صلى الله عليه وسلم.
_
رجوعاً لموضوع الحِكمة .. هنلاقي شواهد من الكتاب والسُنة فيها قصص دالة على حِكمة سُليمان -عليه السلام- :
• فمن الأحاديث , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " بينما امرأتان معهما ابناهما إذ عدا الذئب فأخذ ابن إحداهما، فتنازعتا في الآخر. فقالت الكبرى: إنما ذهب بابنك. وقالت الصغرى: بل إنما ذهب بابنك. فتحاكمتا إلى داود فحكم به للكبرى، فخرجتا على سليمان فقال: ائتوني بالسكين أشقه نصفين لكل واحدة منكما نصفه. فقالت الصغرى وهي ام الصبي خوفا على ابنها: لا تفعل يرحمك الله فقال سليمان عليه السلام، هو ابنها فقضى به لها"
من حِكمته أدرك إن الأم الحقيقية هي إللي مُستعدة تتنازل عن ابنها في سبيل إنه يفضل سليم من غير أي أذى , فـ حكم لها.
• من القرآن , إن في عهد سيدنا داوود كان في راجل عنده غنم بيربيهم , وراجل تاني عنده حقل مليان زرع , الغنم دخلت على الزرع وأكلته فـ راح الاتنين لسيدنا داوود يحكم بينهم , (وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ) .. [ آية 78 : سورة الأنبياء]
حَكم سيدنا داوود إن الراجل إللي إتاكل زرعه ياخد الغنم من التاني كتعويض.
لكن سيدنا سُليمان لما سِمع الحُكم إقترح حُكم تاني وهو إن صاحب الغنم يزرع الارض من جديد لحد ما تنبت ويرجع الزرع زي ماكان , وصاحب الزرع ياخد الغنم في الفترة دي ينتفع بيها لحد ما زرعه يرجع زي الأول , يعني تبديل مؤقت لحد ما إكتمال التعويض وبعده يرجع لكل واحد حقه , فوافق حُكم سيدنا سُليمان الحِكمة إللي ربنا بيحكم بيها , مع الأخذ في الإعتبار إن سواء سيدنا داوود أو سيدنا سُليمان الإتنين عندهم وجهة نظر منطقية بنوا عليها حكمهم ..(فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) .. [آية 79 : سورة الأنبياء]
أنت تقرأ
معا للجنة 🌸🌸
Щоденники та біографіїمحتوى ديني خفيف 🌸 معلومات دينية وأذكار وآيات واشياء بسيطة تكسبنا حسنات 🌸