مهما كان فأنا لا أريد لتلك الذكريات أن تمحى من ذاكرتي

85 4 0
                                    

الفصل الاول                 

إستيقظت من نوم عميق و كانت ساعة المنبه تشير الى الثامنة و عشرين دقيقة تماما كان اليوم حارا و مشمسا كباقي أيام الصيف .  كنت بالأمس قررت الذهاب مع صديق لي  إلى المطعم الواقع في الضاحية الجنوبية من المدينة لم أكل فيه من قبل و على حسب ما قال لي كيم فإن المطعم يقدم طعاما لذيذا و طازجا يأتي بالخضروات من المزارع التي بالقرب و هو لا يستقبل الكثير من الزوار ، كيف لمطعم كهذا أن لا يستقبل الكثير من   الزوار ؟ مع أن المدينة التي أعيش فيها  يأتيها السياح كثيرا بسبب معالمها التاريخية و شاطئها الذي يجذب الرساميين و الشعراء، أيرجع هذا لسبب ما كنظافة المكان أو الواجهة التي يطل عليها . أصبح ناس اليوم ينفقون مالهم ببطئ و حذر ليس كثمانينات  القرن الماضي التي عرفت نوعا من التبذير و التحرر في إنفاق النقود .
أخذت حماما و غسلت اسناني و نظفتها بالخيط و حلقت ذقني و إرتديت ملابسي كنت ارتدي بنطال جينز و حذاءا رياضيا و قميصا أحمر خفيف بكميه مشطت شعري و هذبته، انتهيت من مظهري ثم  حملت هاتفي و نقودي.  نظرت إلى الساعة كانت الحادية عشر من المفترض أن يصل كيم  في أي لحظة كان شديد الإلتزام بالمواعيد كممثل أو عارض أزياء ملتزم بقواعد الإتيكت ،سمعت صوت سيارته يقترب رن هاتفي هاهو قد وصل في الموعد كعادته .

الفصل الثاني                

خرجت من شقتي وأغلقت الباب دسست المفتاح في محفظة نقودي  و نزلت للطريق لمكان صديقي كان  صوت ضجيج السيارات  يغلف المكان بالكاد تسمع صوت عصفور لقد تخيلت عصفورا صغيرا يكافح لسماع صوت آخر يتواصل معه . كان كيم ينتظرني خارج سيارته وسيما و أنيقا كعادته يرتدي قبعة صيفية و سروالا و نعال  أبيضين و قميصا كتب عليه  "نحن شباب " و جاكيت صيفية زرقاء لازوردية  بلون السماء .يحمل وجهه تعبيرا فاتنا و أنفا مستقيما في إنحداره و شعر كثيف ناعم ينسدل طويلا من الخلف،و بشرة بيضاء ناعمة كطفل حديث الولادة كان يعتني بمظهره كثيرا و هذا يظهر عليه من ترتيبه لملابسه بطريقة متكررة وهو يمشي لقد أخبرته مرة أن لا يمشي معي إن واصل تكرار هذا الفعل .
كانت الشمس تلقي بضوءها و حرارتها بكل ما أوتيت من قوة كان اليوم حارا كباقي أيام الصيف و السماء زرقاء بلا غيوم كنت أحب التأمل بالغيوم كثيرا لأنها تغير شكلها كل يوم كل مرة ترى شكلا جديدا لا يشبه غيره، ركبنا السيارة شغلت الراديو كانت الأخبار تذاع، كنت أمقت الأخبار كلها سيئة حوادث مرور  ، وفيات و جرحى حتى بعض الأخبار الجيدة حزينة تتحدث عن اعانات للمرضى و المحتاجين أطفئت الراديو وأسندت رأسي للخلف ،كان كيم مركزا في الطريق و يدندن أغنية لدايفد بوي حتى من جانب وجهه يبدو وسيما .
سألته: أتتوجه للمطعم مباشرة ؟               
أومىء .                                      
    كان شارد الذهن لأني أعلم انه يقصد مكانا آخر لم يتوجه جنوبا و مع ذلك أومئ إيجابا كانت لديه مشكلة بكل تأكيد فهو من نوع الأشخاص الذين يفكرون بمشاكلهم أثناء القيادة .
سألته مباشرة :هل هناك مشكلة ؟            
أجاب بصوت مبحوح : لاشيء.                  
بعد ذلك سعل و تنحنح لتعديل صوته أعلم ان هناك مشكلة ،سنين من معرفتي إياه أكسبتني خبرة به كجنرال يدرس جغرافيا المنطقة قبل شن هجوم على العدو بيد أنه لم يكن عدوا بل صديقا .
سألته للمرة الثانية : هل هناك مشكلة ؟    
أجاب بصوت متلعثم : شيء من هذا القبيل .
و الآن أجبت ما المشكلة ؟                      
رد ساخرا : ومادخلك أنت.                      
لو لم تكن تسوق يا إبن الزانية لدقيت عنقك.
اجابني :إذا لن أتوقف على القيادة و الوقود ممتلئ سأنسيك احساس المشي .
هكذا إذن سددت له لكمة جعلت شفته السفلى تتدلى و تنتفخ قليلا أعقبت اللكمة بتعليق ساخر :سأذهب جمالك الفاتن بلكمة مني .
إنطلق كلانا ضاحكا لمدة . بعدها أخبرني أنه غير الوجهة الى المطعم مباشرة .

الفصل الثالث                   

      وصلنا المطعم كان على هيئة كلاسيكية و ذا أثاث قديم ، كان المطعم يبدو كأنه في حقبة زمنية مختلفة كأن الزمن توقف في التدفق كآثار مستحاثية  قديمة تعطي الإحساس بالماضي ذاك هو نفس الشعور الذي تحسه في المطعم .جلسنا على طاولة بالقرب من النافذة نراقب المارة كعمل مراقب أثناء الحرب ليتعرف على جاسوس سألني كيم عن المعزوفة التي كانت تبث في المطعم كام يعلم أني متضلع في الموسيقى الكلاسيكية أجبته مباشرة بلاتفكير أنها معزوفة لديتريخ بوكستيهود تساءلت في نفسي :"أعتقد أنه من الغريب أني لم أسمع المعزوفة إلا بعد تنبيه كيم لي "
"أحيانا الناس لايركزون في الأشياء عندما يفكرون لكنهم مدركون لمحيطهم "
من تكلم لم أشك في كيم  لم يكن هذا الكلام ليخرج من لسانه أبدا ،رفعت رأسي وإذ بنادل جميل ينظر بالطبع لم يكن جميلا ككيم  لكن كان لديه جماله الخاص في الطبيعة كشيء يتميز به .نظرت إلى كيم كان في عالمه الخاص لا يمكنك توقع ما يتخيله لديه خيال خصب ،وأنا أشهد بذلك . سألني النادل  :ماذا تطلبان ؟ أجابه كيم بوضوح :شرابان .
كيف نسيت وجوده شربنا أنا و كيم لم أطلب شرابا آخر لكن كيم فعل ،لم يكن مهتما بي يفكر مرة أخرى بمشكلته .
توجهت للنادل مباشرة كان يجلس وحيدا متأملا المعزوفة كانت تبث الآن معزوفة لشومان .جلست بالقرب منه و إفتتحت الحديث : مقطوعة جميلة أليس كذلك ؟
أجاب  بحيوية : نعم
كان يبدو أنه ينتظر الحديث مع أي شخص كان الجلوس مطولا دون الحديث مع أحد سيجعلك خجولا .
نظر إلي بعينيه المتوردتان مطولا كنت أحاول عدم الضحك كي لا أفسد تأمله كعارض أمام رسام سألته ما إسمك ؟أجابني أنه نا جايمين .
كان كيم يمد بصره الى المارة ،لم يستدر حتى لينظر إلي .كان النسيم الذي يهب من خلال النافذة يداعب شعره المنسدل على جبينه .
قلت :إنه شخص لطيف و جدير بالإحترام ولكنه يعامل كسلة مهملات ،الناس دائما يعتبرونه كمكب لنفاياتهم .ربما ولد بهذا الميل ،أن تكون شخصا عاديا هو شيء مثل بقعة على قميص لا تمحى أبدا.
هذا ليس عدلا                                    
كقاعدة الحياة ليست عادلة.                
عندما فرغ كيم من شرابه ناداني اليه إستجبت لندائه كجندي يخاطبه ضابط ،نظر إلي ثم تبادل نظرات مبتسمة مع النادل وركبنا السيارة و عدنا لشقتي .
سألني كيم عن الحديث الذي دار بيني و بين النادل لكني لم أتذكر أي نادل تذكرت ذهابي إلى المطعم أنا و كيم لكن أي نادل .
فجأة تذكرت كل شيء عن النادل وجهه حديثه كل شيء .
قلت لكيم :"مهما كان فأنا لا أريد لتلك الذكريات أن تمحى من ذاكرتي " 

كشروق الشمس كل صباح و ظهور  القمر كل ليلة لا أستطيع نسيانك  .        

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jun 17, 2019 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

ظل نادل المطعم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن