1\1

209 29 40
                                    

في شهرِ ديسَمبر، حيث الطّقس كان قارساً، و الهواء كان رطباً، منزلٌ يَقبع في أدنَى المناطق في المدينة، منزلٌ بَسيط و غيرُ مُكتَمل، عائلة صغيرةٌ تحتويه، والدان و ولدان، والدان معقَّدان، و ولدٌ ذو أحلام، بينما الأخر مُجرَّد مِنها

في غرفةٍ إحتلَّها الصّقيع بِسبب النّافذة المُنكسرة، في زاويتها سريرٌ، قابعٌ أعلاه جسد مُتكوِّر على نفسه، ليس برداً، ففكره المشغول قد أنساه ما حوله، و إنَّما عادةٌ قد إقتبسها من والده، هو كان الولد ذو الأحلام الكبيرة و ذو القناعة الكبيرة بتحقيق حُلمه و بأن يُصبِح شيئا كبيراً في المُستقبل، شيء يتحدَّث عنه الناس، شيءٌ يَفتخر به والديه، و الأهم أن يكون شيئاً يُحبُّه.

قعُد على سريره ونظر إلى النّافدة بحقدٍ شديد، فصوت الصَّرير الذِّي تُصدره قد قَطع حبل أفكارهِ، نهض و قام بدفِعها بقوة حتّى إلتصقت ليتوقف ذلك الصوت، بالتَّالي تشقِّقت بعضُ أجزائها إلَّا أنها لم تَتحطَّم

تنهَّد مرتاحاً مِن إختفاء هذا الصوت المزعج، ثم جلس على الأرض حيث طاولته الممتلئة بالأوراق، مملؤة بأحلامه، و بما يريد أن يُصبح، مِن أحلامه أنه يرغب بأن يصبح طبيباً ينقذ الأرواح البريئة مِن الموت، أن يُصبح رجل إطفاء، يطفئ النيران قبل أن تأكل شيء مِن منازل تحتويها ذكريات ثمينة إلى مباني ناتجها تعب السنين، أن يُصبح كاتباً فهو محب للكتابة، ومحب للكتب، هو لم يكن بالثرثار أو الإجتماعي، بل كان شخصا هادئا و منطوياً، فلا أحد يُدرك ما لديه مِن طموح، مِن رغبات و أحلام لامتناهية، هو لم يكن بالفتى المثالي، لكنه كان يسير وِفق مبادئِه الخاصة، يتَّبع حدسه دوماً، ويُحب التفكير والتفكير والمزيد مِن التفكير فيما يفعل و سيفعل، متأني وحريص دوماً.

بسمةٌ رقيقة تحمل الكثير قد تسلَّلت إلى ثغره، فبمجرد أن تشتغل مخيِّلته هي ستبدأ برسم مستقبلٍ يأمل أن ينجح في صُنعه، إلَّا أن بسمته تلاشت عند سماع صوت طرقات الباب القوية، والتي كانت صادرة مِن أخيه الأكبر على الأغلب

رأى مِقبض الباب وهو يلتفُّ لِيقابله جسد أخيه ثمَّ يرفع بصره إلى وجهه الذِّي يحملُ تعبيرا عابساً، فاتحا فاهه ناطقاً :

- هوسوك لقد كنتُ أناديكَ منذ ربع ساعة، لما لم تأتي؟

لم يُجب الآخر جاهلا لما سيقوله، فالحقيقة لن تروق مزاج أخيه، و الكذب لن يكون كفيلا بإسكاته فهو لا يجيده، لذا هو وككل مرة سيتخد الصمت إجابته، ليتنهد الماثل أمامه بيأس ثم يخرج مِن غرفته، وعندما وصل إلى عتبة الغرفة نبس بنبرة جافية :

- والدكَ يريدكَ بالأسفل.

خرج بعدما أنهى حديثه، تاركاً أخيه الأصغر في دوامةٍ مِن الخوف، فوالده لا يطلُبه خصيصاً إلا لو إقترف شيئاً خاطئا، والده كان صارما للغاية و لم يكن مِن النوع المُتساهل مع أبنائه، هو لا يكره كون والده هكذا لكنه لا ينكر أيضاً أنه يبثُّ الرعب في قلبه بِمجرد رؤية تلك النَّظرة الغاضبة في عينيه.

حلم | 𝐃𝐑𝐄𝐀𝐌حيث تعيش القصص. اكتشف الآن