نبضاتٌ خفيفة شرعّت بالتصدعُ وسط الظلام القاتم، ثوانّ قصيرة مع إزدياد النبضات كموجات تلتف حولي مُسببـة لعقلي بالإنكماش دافعاً حنجرتي لإطلاق صرخة قوية مؤلمة، ولكنّ الصمتَ هو كُـل ما يُحاط حولي، شعرتُ بتلك الموجات تحتلُ جسـدي وتجـري بيـنَ عـروقي مـع الدمـاء، مُتشكـلة بقوة بمعصميّ وكأنـها تحـمي شخصـاً مـا! مرت بإنحـاء جسـدي مستقـرة بِـكاحليّ أيضـاً، كانتا تصرخان بألم، حاولتُ فتـح عينـاي ولكنني ما زلتُ مُحاصـرة وسط اللون الأسود الدامس، لا شيء غيـر الألم ينبض بقوة وصرخاتـي تتعالـى ولكن لا شيء يُسمـع!
كُنت عاجـزة! وهذا بحـد ذاتهِ يؤلم وبشـدة!
ماءٌ مُثلج إرتطم بقوة على وجهي تاركاً خلفها قشعـريرة من البرودة القاسية وإحساس مُكعبـات الثلـج فوق رأسـي وكأنها وخزات إبر متتاليـة، فتحـتُ عينايَ ببطء وأغلقتـهما بسرعـة، ردة الفعـل الناتجـة عن الضوء المسلـط القـوي الذي لـم تعتـاده عينـاي بعد!
بالرغـم من نبضـات الألـم التـي تتدفـق بـكـل بقعـة والتـي يُمكنني رؤيتهـا مُلونةٌ بالازرق والأخضـر والبنفسـج وأنا مُغمضـة.ولكن! شيء ما بعمـق قلبـي اطمئن! أنا لا زلتُ على قيـد الحيـاة!
رفرفـت جفنايّ عـدة مـرات مُحاولـة الإعتيـاد على الضـوء، فكمـا يبـدو إننـي بقيتُ بحالة إغمـاء لوقت طويـل.
أصبحـت الرؤيـة سهلـةٌ، بعـد مـرور قليـل مِـن الوقـت، مسحـت المكـان حولهـا بعينيـها مُستكشفةٌ، غرفة خاليـة، نافـذة تتوسط الحائـط الخشبـي المُقابـل لهـا، سامِحاً لبعـضٍ مِـن ضـوء القمـر بالمـرور إلى الغرفـة، الأرضية أسفلهـا خشبية أيضـاً مُتسخـة ومُبتلـة قليلاً، وشبكات هزيلـة تتوزع بزوايـا الغرفـة، مِصباح يتدلى مِـن السقيفـة أعلـها.
حسناً مـا أعلمـهُ حاليـاً إننـي بمنـزل قـد يكـون مهجـوراً! أو بقبـوٌ مـا!
ولكـن وجـود تلك النافـذة جعلهـا تُزيـل فكـرة وجودهـا بقبـوٌ مـا! هي حتماً بمنـزل مهجـور بمنطقـة نائيـة، التحليـلات التـي قامـت بِهـا لم تزدهـا إلا عبوسـاً!عطسـة صغيـرة أعادتهـا للواقـع، مُذكرة إياهـا بحقيقـة إصابتـها بالإنفلونـزا.
ولكنهُ الصيف! تسائلـت بيـن نفسهـا، حاولـت إسترجـاع ذاكرتـها للخلـف علهـا تجـد ضالتهـا" بِـملامـح مُنزعجة، وبخطـى ثقيلة تمشـي في الطريـق العـام، صباحـاً عادياً للكل عداهـا، مُتوجهٌ نحـو جامعتهـا لحضـور محاضـرة واحـدة أرغمتـها علـى النهـوض بدلاً مِـن الحصـول علـى نومـة هنيئـة، ولكـن توعّد الدكتور لهـم هـو مـا أرغـم لتحـول نهاراً جيد إلـى يوماً سيء "
مُقتطفـات سريعـة مـرت بِـذهنهـا، تأخـرها عـن موعـد المُحاضـرة، طردهـا مِـن قِبـل البروفيسـور، عودتهـا للطريـق العام ولا شيء بعده!
" مُستيقظة! "
صوت رجولي أجش صَدرَ من خلفهـا، أدارت رأسها نحـو مصـدر الصوت، بُنيـة جسديـة قوية، أكتـافٌ واسعـة، طـولٌ شاهق، الظلام طمـس هيئتـه، بهدوء خطـى مُتجههاً نحـوها وإحدى يداه تحمـل دلواً أزرق اللـون، تجـولت عيناهـا من أخمـص قدميـه حتـى أعلى رأسـه، ساعـدت الإضاءة علـى رؤيـة مـا لـم تستطـع، ملامـح الوجهه تبـدو متقـدمة فـي العمـر! كـ العقد الرابع؟ خمنّت
أمتـزج اللـون الأبيـض فـي بعـض خِصـل شعـره السـوداء، تجـاعيد خفيفة تشكلـت وسـط جبينـه دالاً علـى إنزعاجـه، لـذا جمعـت شُتات عقلِهـا وأردفـت بِـ حيـادية " أيـن أنـا؟ "" معـي " أجاب ببسـاطة.
حسناً هـذا ليـس مـا أود سمـاعه!
" ذهبتُ لِـجلـب ماءٍ لإنـكِ لـم تستيقـظي سابقـاً "
فسّر، رافعـاً الدلـو أمـام ناظـرهاحسنـاً هذا تفسيـر لـم تتوقعـه أيضـاً!، لمـا يُبـرر لـي؟ نظـرتُ لـه بغـرابة بينمـا ينظـر لـي أيضـاً بنظـرات لـم أستطـع ترجمتـها، ثوانّ وتـرك الدلـو أمامـي مُمتلئ بِـماء ومكعبـات ثلجاً تطوفُ، تحـركت عيناي تـزامناً مـع حركتـه للخلـف، جلـس بهدوء بينمـا ظهـره يـرتـاح علـى الحائـط، إحدى يداه ترتاح علـى ركبتـهِ المثنيـة والأخـرى بجانبـه، ينظـر نحـوي وكـأنه يفكـر بشـيء مـا، هـل سيتقلنـي؟
أرتجفـت مِـن فكـرة مـوتـي وسـط مكـان مجهـول، وبيـد شخـص مجهـول، ولسبباً مجهـول أيضـاً.
وبسبب ارتجـافـي، أحتـك جلـدي بالرباط الذي يعـانق كاحلـيّ، مولـداً شعـوراً حارقاً مِـن الألـم.
تجولـت عيناي بيـن الدلـوٍ و قدماي، فكـرة سريعـة مـرت ولـم أنتظـر ثانيـة أُخر
رفعت قدماي المُقيـدة، ووضعتُهـا بداخـل الدلـو الموضـوع أمـامي، وبدأت بـِسحبـه أقرب لِـناحيتـي، وبسرعـة أغرقـت قدماي داخـل المـاء الصاقـع، نبضـات الإلـم خفـت بشكـل ملحـوظ وسـط البرودة التـي أحاطـت بِه.
كـان يشاهدنـي بهدوء ولـم يظهـر إي ردة فعـل.
مـرت الساعـات وكأنهـا السنيـن، هو لـم يغيـر حتـى مِـن وضيعتـهُ، بينمـا أنـا أدفـع يداي نحـو الدلـو بيـن كُـل فتـرة وفتـرة بسبب ألم إنحنائـي للدلـو أسفلـي.
واخيـراً قـرر النهـوض، ولكنـه خـرج مِـن الغرفـة ببساطـة!.
شعـرت بإن الغُرفـة تتحـرك أسفلـي، وهواء جـاف قوي دخـل مِـن النافـذة أتبعتها رائحـة اليـود الكثيفـة! شهقـة هـربت من شفتـاي!
أنـا وسـط البحـر!!
أنت تقرأ
الـلاسكـوتهـولـم
Romanceإيـاك يـا هـذا و الإستهـوانَ بـي فإنا حبيسـةٌ ولا مخـرجْ لـي إلا منـي!