١

141 21 80
                                    

أنا أعيش لأجل صندوق موسيقى فقط..
صندوق الموسيقى الذي أهدته لي والدتي يوم ولدت ..
و كانت تجعلني أنام على موسيقاه ..و ليس و هي ترضعني ..أو في حضنها ..كما اعتادت الأمهات أن تفعلن ..
كنت أتساءل كثيرا عن سبب هذا ..فهو آلمني كثيرا..
لكن المؤلم أكثر ..أنها بالفعل كانت ترغب بذلك ..لكنها لم تستطع ..
اكتشفت انها عانت من ورم سرطاني ..فقطع ثدييها ..لذلك لم تستطع..
لم تستطع إرضاعي ..أو وضعي في حضنها ..لأرتشف من الحنان ما يكفيني لمواصلة العيش وحدي ..قبل موتها..
لربما كان هذا مؤلما أكثر لها ..و علمت أن ليس باستطاعتها الاعتناء بي لوقت طويل ..أو أن تعطيني من الحنان ما أحتاج إليه ..
علمت هذا.. فأعطتني صندوق الموسيقى ذاك..إنه يشبه امي كثيرا ..و احمل له من المشاعر ما احمله لأمي ..
إنه اول شيء اراه حين استيقظ و اخر شيء اراه قبل ان أنام ..
تماما كما كان سيحدث مع امي لو انها حية الان ..

إنني و بعد الاسيقاظ في كل يوم ..و تفقد صندوق الموسيقى ..أي "امي"..
اتفقد جراحي الغائرة بنفسي ..
أ شفيت ..؟ ام انها لازالت كما هي ..؟
لكن قلبي كالزجاج ..ان تكسر..لا يعود ابدا كما كان ..
بل اكثر يزداد عمقها ..و انا اتابع كتمانها..و تجاهلها..و ادفنها في نفسي عميقا..
حتى اواصل العيش ..حتي اواصل كفاحي ..
و استيقاظي في كل يوم ..و مقابلة نفس الاشخاص في المكان نفسه للسبب نفسه ..و الاشياء التي تعيد نفسها في كل يوم ..و لا تتجدد..
بروتين قاتل ..و رتابة مميتة ..
فلا تسألني كيف تسير حياتي ؟ ..هي تسير و تسير فقط ..
هي تسير لكنها اشبه بالموت المحقق الذي لا اكاد انجو منه ..
إلا على صوت الموسيقى الذي تصنعه " امي"..
فالحياة ليست ممتعة ابدا ..
اراها في كثير من الاحيان عبثية ..لا معنى لها ..
لا معنى لها ..غير امي ..و لا شيء ممتع بها..غير اللحن الهادئ الذي اجلس إليه لاستمع اليه ..في المساء بعد يوم مليئ بالجروح بالجروح الجديدة..و الندوب ..
لأحيا مجددا بعد ان كنت ميتا ..لحن هادئ حنون ..مليئ بالحياة ..
يجعلني مفعما بالأمل ..و أن وجودي ليس عبثيا ابدا ..

لكن ..ما إن اصدق هذا حتى تضربني أشعة الشمس على وجهي ..كما لو أنها تصفعني لتبين لي الحقيقة من الكذب ..
و انني لم انم ليلة البارحة إلا على اوهام صدقتها ..و على اكاذيب آمنت بها ..
و ان لا امل لي في هذه الحياة ..و ان اليوم كالبارحة ..و كالغد ايضا..و انني ميت كالأحياء ..و حي كالأموات ..و لا شيء سيتغير ..و ان لا نجم لي في الافق سيشرق ..و أن سمائي سوداء و ستبقى سوداء..
فأنتفض من مكاني انتفاضة سريعة ..
و اذهب إلى "أمي" ..حتى تواسيني بصوتها و لحنها ..و تنسيني ما يكدر علي العيش ..حتى تحييني مجددا ..و تعطيني أملا و قوة على متابعة هذا اليوم ..
لكن في كل يوم ..يزداد يقيني أن الامل كاذب ..و تتضح لي حقيقة اوهامي اكثر فاكثر..
و أزداد يأسا..
هذه الحقيقة المرّة ..كلما حاولت ..تجاهلها و تكذيبها ..تجعلني اصبح ..غير قادر على الحياة ..
غير قادر على المتابعة ..في طريقي المظلم ..الذي لا ادري إلى اين سيؤدي بي ..غير قادر على المواصلة في ظلمة هذا النفق..

صندوق موسيقىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن