اِخْتِلاج؛

862 39 22
                                    

الليلُ فضاءٌ حالِك ينَسابُ في تحد آثِـم، يغمُر الوجُود بردائِهِ الثقِيل الداكِن، فيحجُب كُل شيء سِوى غامزات تنتشِر على صفحة السَماء وقمر علِيل منزُو يكادُ يَكُون مُختبئًا خلف غيُوم تعبثُ بي وبه معًا فتكشفهُ تارةً وتحجُبهُ تارات، وما أنا سِوى مُذنب يُحاول ان يشقُ طريقهُ في الظلام باحثًا عن جُسيم مُضيء يَكُون دليلاً لَهُ وَسَطَ الحُلكة.
تجتاحُني غيمةٌ داكِنة كدوامة عابثَة تدُور حولِي بسرعةٍ رهِيبة فتدفعُ بي داخِلَ بئرٍ عمِيقة لَيسَ لها قـرار، أتوهُ في شلال ضَوئي فاقِع صفارهُ، يتحول تدريجيًا إلى اللون الأخضر فالأحمر ثُم الأزرق، تتسلمُني إغفاءة طاغِية تأخذنِي رُغمًا عني بعيدًا، تتداعى الأشياءُ من حولِي، تمِيد الأرض بي كأنني أسيرُ على طريق إسفنجِي، ما زالت الشلالات اللونِية تجرفُني بقُوة وأنا مُنقاد معها بلا إرادة أُحاوِل أن اتعلَق بشيء فلا أجد سِوى السراب!، أصرخُ مُستنجدًا بلا صَوْت، تختلط جمِيعُ الألوان معًا حتى تختفِي وتبقَى الظُلمة والسكُون. أختنق، أتضاءل، أنكمِش، أتلاشى أصِيرُ كيانًا آخر، لَم أعُد جسدًا.. بل موجةً ضوئية تخترِق الحجب وتتجاوَز الأستار، أُحاوِل الإمساك بخيُوط الوعِي والإدراك فأحِسُ كأن ذِراعًا خفيةً تجذبُني داخِل نفق مُظلم ينقلنُي سرِيعًا إلى مكانٍ آخر أكثر رحابة وسعة.

فجأة تتلَون السَماء بلون أرجوانِي بينما تسطعُ شمسٌ برتقالِية هادئة وبضعةُ نَجُوم مُتألقة تُزين الشفق، أنتبه على قمر صغِير يمضِي في السماء يتلُوه آخر يُحاول اللحاقَ بهِ ثُم ثالث!، أتلَفت حَولي دهشًا وعجبًا وأنا أتساءل فِيما بينِي وبين نفسِي.. أينَ أنا؟ المكانُ حَولي أكثرُ روعة!، طرقٌ مُعبدة تمرقُ فِيهَا أجسام اسطوانِية ضخمة كأنها قاطرات غَيْر مُتصلة، اكتشفتُ بعد ذَلِك أنها ثابتة وأن الذي يتحرك هو الطرِيقُ نفسه، هل أنا في حُلم سأستيقظ مِنْهُ لأجد نفسِي في الفراش داخِل بيتي؟، أم أصابنِي مرض النُوم سائرًا وهذهِ نوبة من نوباتِه؟
ظللتُ سائرًا أبحثُ عن إنسان يُبدد حيرتِي ويدُلني عن المكان الذي أنا فِيه، هل أنا في شارع مُجاور لشارع الذي كُنتُ أسيرُ فيه في مدينتِي؟ لكننِي أعرف كُل الشوارع المُجاورة وليسَ فيها شارعٌ بهذا الشكل ولا أعتقد ان شبكة المُواصلات العجِيبة هذه قد أنشئت بعد!، أيُعقل هذا؟ شخصٌ يسيرُ في شارع ينتقل فجأه لشارع آخر في مدينة أُخرى لا يعلم عنها شيئًا؟
ها هُو شخصٌ قادِم رُبما يستطيع أن يُخبرنِي عن المكان الَّذِي أنا فِيه.. لَكِن يبدُو من هيئته وملابسهُ أنهُ أجنبِي، طوِيل القامة بشكل ملحُوظ يتعدى المترِين طُولاً، بشرة برتقالية اللُون، عينان واسعتان، أنف طوِيل شفتان مُنطبقتان بدت كخط رفِيع، شَعر مهوش يمِيلُ إلى الاحمرار.. ليكُون سأسألهُ بكل اللُغات التِي أعرفُها

"من فَضلك سيدِي!، ما اسم المكان الذي نَحْنُ فيه؟"

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jun 30, 2019 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

جُرمُ المَجرة | VK حيث تعيش القصص. اكتشف الآن