قصة جميلة جدا تستحق القراءة
يحكى أنه كان هناك رجل يدعى ( خُزيمة ابن بشر ) في بلاد الجزيرة التي كانت ولايه تمتد من العراق الي أرمينيا وتركيا في عهد سليمان بن عبدالملك
وكان هذا الرجل ميسور الحال ينفق علي كل فقير ومحتاج حتى الذين لديهم مال كان يعطيهم ..
حتى دارت عليه دائرة الدنيا والأيام فأصبح فقيراً معدماً .. فجاء بعض الذين كان يعطيهم من خيره ويمد لهم يد العون فأعطوه شهر شهرين ثم ملوا وتوقفوا عن مساعدته
فأغلق باب بيته عليه وهو لا يجد ما يسد به الرمق هو وزوجته ..
وكان الوالي المكلف في الجزيره يدعى ( عكرمة بن الفياض )
وكان يعرف خُزيمة بن بشر فسأل عنه .. فقيل له : لقد إفتقر خُزيمة وأصبح لا يملك قوت يومه وأغلق بابه ..
فأندهش عكرمه قائلاً: خُزيمة افتقر ؟؟ ولَم يجد ممن كان يعطيهم ليقف معه ؟؟ خُزيمه الذي كان يعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر ؟؟
وفِي الليل والنَّاس نيام خرج عكرمه الفياض الوالي وأخفى وجهه وهو يحمل علي ظهره حملاً ثقيلاً حتى بلغ دار خُزيمه ثم طرق الباب
قال خُزيمة : من ؟
قال عكرمة : ضيف
ففتح خُزيمه؛ ووضع عكرمه الحمل من ظهره وقال : هذا لك
قال خُزيمة : ومن أين ؟
قال عكرمه : من مال الله
قال خُزيمة : ومن أنت :
قال عكرمه : جابر عثرات الكرام
قال خُزيمه : بالله عليك عرفّني من أنت ؟؟
قال : جابر عثرات الكرام و انصرف مسرعاً
فقال خُزيمه لزوجته : أشعلي لنا فانوسا لنرى ماذا أحضر الرجل المُلثم
قالت : ليس لدينا فانوسا ولا حطب نوقده
فأخذ عكرمه يتلمس الكيس في الظلام حتي إنفلق الصباح
وعندما فتحه وجدها أربعة آلاف دينار وخمسمائة وكان الألف دينار تعادل أربعة كيلو ذهب ومئتي وخمسين جراماً
فشكر خُزيمه ربه وقضى دينه وأصلح حاله
وعندما رجع الوالي عكرمه الي بيته.. وجد زوجته تولول وتقول : لا يخرج الوالي في هذه الساعه إلا لزوجةٍ أخرى
قال : لا والله
قالت : إذن أخبرني أين كنت ؟
قال : لو أردت إخبارك أو إخبار أحد لما خرجت متخفياً ليلاً
فقالت : يجب ان أعرف .. وألحت ولَم تنام حتى قَص لها القصه وقال:
أكتمي السر ولا تحدثي به حتى نفسك
وبعد فترة من الزمن.. ذهب خُزيمه إلى أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك فسأله : أين كنت يا خُزيمه لم نسمع عنك من زمن فقص عليه القصه فقال الأمير : ومن هو جابر عثرات الكرام؟
قال : لم اعرفه ورفض إخباري
قال الأمير : ليتك عرفته.
ثم أمر بمنح دنانير أخرى لخُزيمه.. وأصدر أمر بإعفاء عكرمة الفياض من الولاية وتعيين خُزيمة والياً لمنطقة ألجزيرة .
فرجع خُزيمة ودخل قصر الوالي وهو يحمل مرسوم العزل، وكان في استقباله عكرمة بنفسه وسلمه أمر العزل .
فقال عكرمة : كله خير .
ثم قال خُزيمة : أريد أن أحاسبك على مال المسلمين .
فرحب عكرمة بذلك .
فوجد خُزيمة مبلغاً من المال غير موجود؛ فقال خُزيمه : أين المال يا عكرمة .
قال : ليس معي .
قال : إذن رُده من مالك .
قال : لا أملك مال خاص .
قال : إما المال أو السجن .
وسجن عكرمة ردحاً من الزمن ووضعت له الأغلال الثقيلة في كتفيه وظهره حتى ضعف جسمه وتغير لونه .
وعندما سمعت زوجة عكرمة بما حدث لزوجها الوالي المعزول، ذهبت إلى خُزيمة وكانت هي ابنة عّم خُزيمة وقالت له :
يا خُزيمة ما هكذا يُجازي جابر عثرات الكرام؟
فانتفض خُزيمة مفزوعاً قائلاً : هل هو عكرمة ؟ يا ويلتاه وهرول إلى السجن دون أن يسمع شئ آخر، وأخذ يفك الأغلال من عكرمة بيديه ويبكي .
وعكرمة يسأله : ماذا حدث ولماذا تبكي ؟
قال خُزيمة : من كرمك وصبرك وسوءُ صنيعي
كيف انظر في وجهك ووجه ابنة عمي؟
فأمر له بالكساء والغذاء وعندما استوى عوده قال له : هيا معي إلى خليفة المسلمين فلما رآهم الخليفة بن عبدالملك قال : ما الذى أتى بك يا خُزيمة وأنت حديث عهد بالولاية ؟؟
قال : أتيتك بجابر عثرات الكرام وأظنك كنت متشوقاً لمعرفته .
فاندهش بن عبد الملك وقال : هل هو عكرمة ؟ خبت يا بن عبد الملك وتعجلت لقد اخجلتنا بطيب صنيعك وصبرك يا جابر عثرات الكرام، فأمر ل عكرمة بعشرة ألف دينار وأعاد تعينه والياً وقال : إن شئتما حكمتما معاً
وظلا واليين مع بعضهما حتى توفاهما الله
من كتاب ( المستجاد من فعلات الأجواد)
للتنوخيلا تنسى دعمنا بالمشاركة والاعجاب والتعليق