كنت أنا الطفلة الأولى بعائلتَي أمي وأبي، ولهذا يمكن أن يقال أنني كنت مميزة، خاصة بالنسبة لجدي، وهو كذلك كان مميزًا بالنسبة لي، لقد أحببته كثيرًا جدًا.أعاني من الحساسية منذ صغري، ولهذا كانت لدي مشكلة مع النوم، كنت أشعر بحكة في جلدي؛ وهذا كان يمنعني من النوم، ولكن جدي كان يسهر برفقتي ليساعدني ولو قليلًا حتى أنام، هو لم يكن مضطرًا لفعل هذا، كان بإمكانه أن يطلب من أمي فعل هذا الشئ بدلًا عنه، ولكن مع ذلك، هو كان يسهر لأجلي.
كان هو من يصطحبني إلى الحضانة كل يوم، لم يمل يومًا من فعل هذا! أتذكر عندما قال لي بينما يبتسم: «كم أنا متشوق لموعد التحاقك بالمدرسة الابتدائية، عندما يحين ذلك الموعد سأصطحبك لشراء الزي المدرسي وكل ما تريدين بإذن الله، يجب أن يكون أنا من يشتري لك أول زي بالمدرسة.»
كم أسعدني حديثه، وكم أسعدني كونه جدّي.لقد كان يشتري لي الكثير من الهدايا، والحلويات والشوكولاتة. كان ودودًا جدًا لدرجة أنني أفكر الآن في: «هل حقًا كان إنسانًا عاديًا مثلنا؟»
في يوم من الأيام، تسببت في اشتعال غرفة بالمنزل، لقد أسرعوا وتداركوا الوضع، ولكن خوفي جعلني أخرج من المنزل بسرعة لأختبئ بأحد الأماكن.
كنت أختبئ وراء أحد الجدران، وعندما ألقيت نظرة إلى الشارع وجدت جدي يبحث عني، لم يكن غاضبًا، كان قلقًا!
قلقه هذا جعلني أتغلب على خوفي من العقاب، نعم، فبعدما لمحته وهو يعود نحو المنزل وعلى وجهه ملامح الحزن، لحقت به.
وجدته يجلس على كرسي غامق اللون أمام المنزل، تقدمت نحوه وأنا أنظر نحو الأرض، فتفاجآت به يعانقني! عانقني وقال: «ميار! خفت عليك كثيرًا! إلى أين ذهبتي يا ابنتي؟»
نظرت نحوه وأنا أبكي وقلت بين شهقاتي: «لقـ، لقد كنت خائفة.»
عاد ليعانقني ثانية ثم قال: «لا بأس، لم تكوني على علم بأن هذا خطأ ولهذا أنا أسامحك، لا تلعبي بأي شئ قابل للاشتعال ثانية.»
لقد عاملني بحنان مبالغ، توقعت أن يعاقبي ولكنه عانقني وربّت على ظهري، أليس هذا سببًا لأحبه كثيرًا جدًا؟
كنت أحزن كثيرا عندما أراه وهو يتناول ذلك الكم الهائل من العلاج، لقد كان مريضًا منذ فترة ليست بقصيرة، وبحلول سنة ٢٠٠٩، تحديدًا اليوم الرابع والعشرون من شهر أغسطس دخل عمي ومعه رجلين آخرين بجدي، لقد ظننت أنه كان نائمًا، مغشيًا عليه، ظننت كل شئ، ولكنني لم أظن أبدًا أنه فارق الحياة!
امتلأ المنزل بالكثير من النساء والرجال، كانت جميع النساء يرتدين اللون الأسود، بعضهم يبكي، والآخر يصرخ، تجاهلتهم جميعًا، فقد كنت أصب كل اهتمامي على تلك الغرفة، تلك الغرفة التي وضعوا بها جثة جدي.
وضعوه بالنعش ولم أكن أعلم لماذا، ولكن كردة فعل مني، صعدت بسرعة للطابق الثاني ووقفت على كرسي لأستطيع النظر من النافذة، نعم، سأراه عندما يخرجون به من المنزل الآن.
خرجوا به، ولك أن تتخيل مقدار الانكسار الذي شعرت به عندما لم أستطع رؤيته بسبب تغطيتهم له.
هل بإمكانك تخيّل مقدار الحزن الذي ستشعر به طفلة أردات رؤية أحدهم ولكنه ذهب من دون عودة؟
إلى أين ذهب؟ أود أن أراه، أنا أريد جدي!
كنت أراه في أحلامي، كان يأتي للمنزل، وكنت أفرح لذلك كثيرًا جدًا.
التحقت بالمدرسة الابتدائية ولم يكن هو من اشترى لي الزي المدرسي، لقد قال لي أنه من سيجلبه لي، ولكنه لم يفعل، هو تركني ورحل!
مرّت السنين وظننت أنني سأتوقف عن الاشتياق له بمرور الزمن، ولكن خاب ظني، خاب ظني كثيرًا، صورته ظلّت معلقة في عقلي، كنت أتذكره من فترة لفترة وأبكي!
يرحل الأموات ويتركوننا مع ندبة حُزن تتوسط قلبنا، ولكننا مع الوقت نظن أن اشتياقنا لهم سيرحل كما رحلوا هم، ولكن في الحقيقة هم يرحلون وحبنا واشتياقنا لهم لا يرحل أبدًا.
كنا بمنزله منذ عدة أيام، وبينما كنت أنتظر والدي أمام المنزل، نظرت نحو ذلك الكرسي الذي يجلس عليه والدي، كان جدي يجلس بنفس المكان ولكن بالجهة المقابلة، كان يجلس هنا عندما عانقني وأخبرني أنه يسامحني على حرقي لتلك الغرفة.
بكيت، حاولت كتم شهقاتي حتى لا ينتبه لي أحد، واستدرت للجهة الأخرى حتى لا ينتبه أو يلاحظ أي شخص بكائي.
مر ما يقارب العشر سنوات منذ توفى، ومع ذلك مازلت أتذكره وأشتاق له، لقد كنت طفلة لا تفهم أي شئ، وظننت أنني سأنساه، ولكن هذا كان خاطئًا، والدليل هو كتابتي لهذه القصة الآن، وحفظي لأحداثها بكل ما فيها من دموع وابتسامات، رحلت يا جدي ولكنك لم ترحل، نعم رحلت روحك، ولكنك هنا بقلبي، يا جدي أنا لم أنساك يومًا ولا أظن أنني سأفعل، أشتاق لك.
_______
«تمَّت»
حسنًا ها هي قصتي الثانية، لجدّي العزيز الله يرحمه🖤💔...
أود فقط التنويه عن أمر مهم، هذه القصص عبارة عن شعور أو فكرة راودتني وأردت توثيقها، لذا فأسلوبي بالقصص يختلف عن الروايات، وأنا أرى أنني أفضل كثيرا في كتابة الروايات، ولكن لا بأس من كتابة القصص من فترة لأخرى.
أنت تقرأ
ولكنك لم ترحل
Short Storyيرحل الأموات ويتركوننا مع ندبة حُزن تتوسط قلبنا، ولكننا مع الوقت نظن أن اشتياقنا لهم سيرحل كما رحلوا هم، ولكن في الحقيقة هم يرحلون وحبنا واشتياقنا لهم لا يرحل أبدًا. - قصّة