#ايلين :
مرت فترة لا زالت شبه مضطربة بيننا ، لا زالت نيفين تزورنا بين بينة واُخرى تحاول غمس نفسها بين عائلتنا وكأنها اخيراً باتت تحصل على ما كانت تتمناه يوماً ، كل ما بيننا هو السلام فقط وارى الذنب يعتصر نظراتها تارة والحيرة تارة اخرى تتردد في الحديث الي وغالباً ما يسود الصمت بيننا ان تجاورنا في الجلوس حتى قررت قطع كل هذه المسافة الْيَوْمَ الذي يصادف فيه عيد ميلادها ! كانت تخطط للدخول للكلية واكمال دراستها لذا اكملت ما يلزمها من الأوراق الجديدة التي تخفي سوابقها وجهزت نفسها لما يلزم من ثياب ومستلزمات ، اما موضوع سكنها فلقد استأجر لها سليم شقة في الشارع الخلفي حيث صاحب العمارة شخص موثوق به كما قال ، وهكذا حتى استقرت حياتها كثيراً ، انتهيت من لَبْس ثياب بسيطة ومكياج خفيف أضعه بنفسي للمرة الاولى لأحمل هديتي واخرج حيث كنّا قد صنعنا لها كيكة الميلاد مع هدايا بسيطة ، لأتفاجأ بشكلها المزري حيث سالت دموعها مفسدة زينتها وما ان ظهرت على مرمى بصرها حتى هبت نحوي تعتصرني بحضن عميق وهي تردد من بين شهقاتها كلمات التأسف والاعتذار ، بادلتها العناق ولَم اعلق حتى مرت طقوس الحفلة الصغيرة على خير وحتى بالرغم من كونها تعاني حساسية من القطط فلقد حملت قطتي هايدي التي استرجعتها بعد بحث دام لثلاثة حيث كانت ضيفة لدى احدهم من حسن حظي تضمها الى صدرها وكأنها فرد من أفراد العائلة ! لربما وجودها عنده إشارة من القدر لحدوث لقائنا بأي حال.
بعد فتح الهدايا وتناول العشاء اضافة الى مشاهدة فلم كانت كلها ذكريات عائلية تستحق التخزين خاصة لأمي التي حصلت على بنت إضافية وحتى انها كانت تفرح أشد الفرح كلما رأتنا نفعل شيء معاً ولو كان صدفة ، الخالة فهيمة تشعر بمشاعر الأمومة ذاتها ويبقى اللغز هو سليم ! لا اعلم حتى متى بدأت اهتم له أو بمشاعره لربما لأنني حينما كنت في المشفى غمرني بحنان ومنحني قرب لم اعهده من احد قبلاً ، ولكنه مع ذلك كان ولا زال يُصنف من المجهولين ولَم اختر أين أضعه ، اخ أم صديق أم حبيب ! فيردد عقلي " لا زلتِ طفلة على الحب " وبالطبع لا داعي لفتح هكذا مواضيع حساسة عند امي التي قد تهول الامر ونيفين التي وقعت بحبه فعلياً !
وكلما وصلتُ الى هذه الحقيقة ينغزني قلبي لسبب لا اعلمه وانا اتخيل اعلانهما لعلاقة حبهما ! ولكن لما مالدافع من غيرتي ولما اهتم ؟ عقلي سينفجر !
تمعنت به النظر ونحن في جلسة عائلية تسودها الأجواء ذاتها التي اعتدتها واسترجعتها بعدما اعتقدت بأنني سأُدفن في السجن لمدى الحياة ، كان ينظر لي بين فينة واُخرى ثم يحادث نيفين على وجه الخصوص راسماً على وجهها ضحكة عريضة مع احمرار وجنتيها ثم يتجاهلني لفترة ليعاود الحديث معي متفحصاً إياي بأمعان ! شعرتُ بالنفور من هذا الوضع بأكمله فتوقفت عن التحديق اليه ثم التقطت هاتفي لأجد رسالة فتحتها على الفور :
-" كيف حالكِ هل عاودتي الهرب من جديد ؟"
سرعان ما ابتسمت لا ارادياً لم أتوقع انه سيتذكرني بعد شهر على ذلك اللقاء الدرامي والذي لولاه لما التقيت هذا الأدهم !
استأذنت من الجميع ودلفت لغرفتي ملفتة الانتباه فنادراً ما ابتسم على رسالة تأتيني !
ابتدأت الكتابة بعد ان جلستُ على سريري تبعتني قطتي جالسة في حجري وقد كبرت وشبت ! فعلاً القطط تنمو بسرعة فكأنني البارحة فقط كنت انيمها في حجري ارضعها حليبها لكي تبقى على قيد الحياة وها هي الان تكاد تصبح بالغة !
كتبت له بعد مدة من التردد وانا أراه متصل على الانترنت كأنه ينتظر جواباً :
-" ليس بعد ولكن ان قررتُ الهرب فسيكون منزلكم هو وجهتي "
مع احدى الوجوه الخجولة لأرسلها لم يصلني رد بل اتصل ليقرع قلبي طبول الحرب !
التقطت سماعات هاتفي بحركة سريعة وما ان ركبتها حتى عدلت شكلي امام المرآة وكأننا سنلتقي وجهاً لوجه لأرد اخيراً على اتصاله فأستقبلني صوته الخشن ذو البحة المميزة :
-كيف حال المتمردة ؟
ابتسمت حتى لامست زوايا فمي أذناي لأجيبه بخجل مفرط وكأنني سأنفجر :
-مالذي ذكركَ بي يا حضرة المحقق ؟
-كنتُ اطارد متمرد كالعادة فتذكرتكِ ، كان ينوح ويتصرف بدرامية مثلكِ تماماً !
أطلقت ضحكة خجولة وانتقلت للحديث في مواضيع متعددة حتى أغلقنا الاتصال بعد مدة وجيزة لألحظ اخيراً ذلك الوجه ! بل الوجوه التي تقف عند الباب تطالعني كمن أمسك به متلبساً !
شعرت بالتوتر حقاً ليدلف الثلاثي غرفتي ومن غيرهم الخالة وامي ونيفين التي بات الجميع ينادونها نوفيلا ! لا اعلم كيف اخترعوه لكنه أفضل من اسم ايلين الذي بُت أكرهه فعلياً .
جلست قربي وامي وقفت مكتفة اليدين قرب سريري من الناحية اليمنى والخالة فهيمة امامي تعطيني نظرات محقق شاطر وسليم واقف كقاضي العدل عند الباب متكئاً عليه !
-ماذا ؟
لم يصلني جواب وانا اطالع وجوههم واحداً واحداً حتى تحدثت خالتي تصغر احدى عينيها :
-مع من كنتِ تتحدثين ايتها المشاكسة !
ابتلعتُ ريقي بتوتر مجيبة بصوت متقطع وانا اداعب هايدي التي بدورها تحدق الي بتمعن كأنها تنتظر جواباً هي الاخرى !
-الضابط ادهم .
وصلني صوت سليم الغاضب بلا مبرر يرمقني بعيون تكاد تنافس البركان ثوراناً :
-وما علاقتكِ به كي تتحدثان هكذا خلسة كما لو كنتما عاشقين ؟
ثم ازدادت نظراته حدة اتجاهي لتردف نيفين كأنها وجدت فرصة ذهبية للسخرية مني كما كنّا معاً في السجن :
-يبدو ان احدهم في علاقة حب بلا علم منا !
أجبت مدافعة عن نفسي :
-لا حب ولا بطيخ اتصل الرجل ليطمئن علي لا اكثر كما انه يبلغ الثلاثون من العمر !
ثم أعطيت نظرات غاضبة لأُعيد دورة التحديق نحوهم :
-ثم ما كل هذا التجسس عيب عليكم وكأنني قمتُ بجرم اعظم من محاولة قتل بشير ذلك الْيَوْمَ !
جلست امي بجانبي مربتة على كتفي بحنانها المعتادة :
-لا شيء مما قلتهِ يا صغيرتي بل فقط نحن مسرورون لكونكِ حصلتِ على معارف في الشرطة فهذا سيقوي منا وسنجد من نلجأ له عند الحاجة لذا اقترح ان تتصلي به وتقومي بدعوته على الغداء هو وعائلته .
اومأت لها إيجاباً لتردف :
-ومن الغد سوف ترافقينني للمطبخ لتتعلمي الطهو بجانب اختكِ المدللة !
قبلت رأسي لتنهض مشيرة بسبابتها نحوي :
-ومن الان وصاعداً اعتمد عليكما في الاعتناء بالمنزل لأننا كبرنا ولَم نعد صغاراً وحان دوركما لتعلم كيف تصبحان ربتي بيت مثاليتين .
اومأنا كلانا لتخرج الرفيقتان ولَم يبقى سوى سليم الذي رمى علي نظرات متوعدة وخرج مغلقاً الباب ببعض من القوة ولَم يبقى سوانا لتنام على كتفي قائلة :
-احسدكِ .
ثم تنهدت لأقلب عيناي بأنزعاج :
-على ماذا يا ايلين ؟
ضربت كتفي ضاحكة :
-هل عدنا لهذا الان ؟
نظرت لها ساحبة نفس عميق قائلة :
-صدقيني انا بائسة ولستُ الشخص المثالي لتقتدي به ، ثم لستُ مبخوتة لتحسديني اعطيتكِ ما لدي ماذا بعد ؟
رمقتها بغضب طفيف لتمسك وجنتي بأبتسامتها الساخرة تلك :
-لا تغضبي هكذا يا فتاة لم اقصد انا اعتذر فلقد مررتُ بفترة عصيبة !
نامت على كتفي قائلة وقد شعرتُ بضميرها يؤنبها :
-انا حقاً لو بذلتُ جهداً لألف سنة لن أستطيع الاعتذار منكِ على ما فعلتُ لستُ ناكرة للجميل صدقيني بل اشعر بنفسي أعاني مرضاً نفسياً بفعل المستحيل ليبقى الناس حولي وان عنى ذلك ايذاء من أحب بغير عمد .
بكت بكاءً مريراً لأحتضنها وأربت عليها وتلك النغزة لا تفارق قلبي وكأنني المسؤولة عما حصل لها منذ طفولتها لحد الان ! واسيتها بمسح دموعها قائلة :
-كفاكِ ما ان تبكي حتى يُفتح انفكِ كسيل عارم .
شعرتُ بها تهتز لتبعد يدي ضاربة إياي على وجهي بخفة قائلة وقد جفت دموعها :
-احكي لي عن حبيب القلب هذا .
أطلقت وابلاً من التنهيدات لأتحدث ببعض من العصبية :
-ليس حبيبي ساعدني مرة وعاد ليطمئن فيبدو انه طيب القلب أو هكذا شيء.
فحصتني بعيونها الواسعة تلك وكأنها تنظر الى روحي لأشيح بوجهي بذعر قائلة :
-هلا نمنا فلقد تأخر الوقت حقاً .
اومأت لي إيجاباً لنطفأ الاضواء وننام بجانب بَعضُنَا وبعد ساعتين انتصف فيها الليل من احاديث الفتيات عن الحب والمشاعر والى ما غيرها من الترهات حتى خلدت اخيراً الى النوم ، فبقيتُ أحدق بها بأبتسامة بلهاء على وجهي تبين كل ما يختلج بداخلي من فرحة !
هل حقاً حصلتُ على شقيقة رسمياً ، قد نكون نمتلك الاسم ذاته امام الناس وشكلينا متقاربين ولكن هذا الامر بات لا يشكل لي ازعاجاً فبالنهاية الشقيقات يجب ان يُشبهن بعضهن .
استغرقتُ بالتفكير مجدداً وقد بدأت السلبية تطرح سمومها داخل عقلي ماذا اذا عاد بيننا ذلك الجفاء والبرود من جديد فلحد الان تأقلمنا مع وضعنا واعتدنا عليه وبدأت بوادر الصلح بعدما تشاجرنا ذلك الْيَوْمَ حتى ان ضيقي قد زال حينما أصبحت هي الخياطة والمصممة الاساسية في المحل ولَم اكترث وعدتُ لصفحتي وترويجاتي عنا من جديد حتى ان الأغلبية صرح بأننا اجمل أختين وان كانت نيفين اجمل مني !
لطالما غرتُ قليلاً من جمال ملامحها وتمنيتُ الحصول على عيون واسعة مثلها وجسد متناسق كعارضات الأزياء فبالرغم انها بنحافتي الا ان قوامها مكتنز ومشدود بجمال جعلها تعرض تصاميمها بنفسها حيث فتحتُ صفحة لها على الانترنت وأصبحت هي العارضة الجميلة التي يسعى الناس للتواصل معها وتتبع أخبارها ! وتقول انها تحسدني ! على ماذا بالضبط ؟
نمتُ على ظهري وانا اتذكر ليلة هروبي الطائشة ، حيث اختبأتُ وقتها وظننتُ انني سأبقى بأمان حتى يحل الصباح واعود بمفردي كما اتيت اول مرة لاتفاجأ بذلك الصوت والضوء الذي حط على رأسي الذي عاد بي الى الوراء حيث غرفة التحقيق التي مكثت بها سابقاً ليملئ الذعر قلبي وبعدها بدقائق شدتني يد غليظة لأبدأ بمحاولة التخلص منها بذراعي البائسة وكأنني احاول ازاحة جبل عن طريقي !
شدني وراءه دخولاً لتلك الفيلا الفاخرة رامياً إياي في احضان فتاة جميلة عسلية العينين بشعر بندقي ذكرتني نوعاً ما بصباح بقربها اخرى بدت في سني تقريباً ذات عيون صفراء وشعر أشقر قصير بدت أشبه لهيلين بغمازتيها .
جلست برفقتهما وهما تطالعانني بتفحص فشعرتُ وكأن روحي ستفارق جسدي بأية لحظة ، وهذا ما كاد يحدث حين رأيته لأول مرة دالفاً الى حجرة الجلوس ، كان طوله متراً وتسعون بجسد ضخم ذو عضلات كما يظهر عليه الأجانب في الأفلام القتالية ، عيونه حادة واسعة نظراتها جامدة متسمة بالغرور حدقتيه عسليتان بلون فاتح قريب للأصفر ومحيط الحدقة اخضر داكن ، انفه مرفوع بكبرياء ككبرياء الملوك ، شفتيه مائلتين للحمرة تحيطهما شواربه ولحيته الكثة قليلاً بلون عسلي داكن كخاصة سليم وشعره محلوق قليلاً ، ارتدى ملابس منزلية لم تكشف منه شيئاً بقميص ابيض طويل وبنطلون ابيض واسع ، كانت رائحته عطره تجمع بين ورود الياسمين والجوري والريحان وغيرها من الورود التي لربما لا اعلم حتى ما هي أسمائها !
تلك الهيبة المحيطة به جعلت قلبي يتوقف عن العمل ويخطر ببالي انني وقعتُ بيد تاجر في السوق السوداء أو حتى رئيس عصابة مافيا ولكنه قاطع تلك الأفكار السوداء واقفاً امامي لتتوقف أنفاسي عن التدفق لداخلي وكأنني في حضرة ملك ، يعطي شبهاً لسليم بعد التمعن به عدى انه اكثر رجولة بمئات المرات ! خاصة مع هذا الشعر الاشقر الذي يحوط ذراعيه اللتان قام برفع اكمامهما قليلاً ليربت على رأسي قائلاً وقد انكسر كل ذلك الغرور بعينيه وحل محله حنية كبيرة لتشع منه هالة أبوية جعلت قلبي يستقر وبدموعي تحاول الخروج لرؤية كل ذلك الحنان المشع حوله كهالة ذهبية !
انحنى امامي على ركبتيه وقد اقترب مني قليلاً ليتجمد كل ما بي متوقفة أنفاسي عن الحركة ليسأل بصوت حنون على الرغم من حدته قليلاً :
-لا تقلقي يا صغيرة انا ضابط شرطة ولن اؤذيكي ، وكل ما أودّ معرفته هو مالذي جاء بكِ لمنزلي وانا بالطبع اعلم انكِ لا تقربين لأياً من اختي أو أبناء اختي الاخرى ورأيتكِ تتسللين عبر كاميرات المراقبة ولأنكِ فتاة طيوبة ستقولين الان كل شيء بصراحة وبلا كذب فهاتان العينان تكشفانه بكل بساطة .
أشار نحو عينيه ولَم اخرج انا من جمودي لتقترب صاحبة الشعر البندقي الطويل واضعة يدها الناعمة على كتفه :
-لا تفزعها هكذا يا ادهم وكأنكَ أمسكت بمجرم فار من العدالة افسح لي مجالاً لأتحدث اليها .
نهض بصمت ووقف على مسافة سامحاً لها بالجلوس يراقب بأيدي معقودة فأطمئننتُ لها مجيبة على أسئلتها ليتدفق حنان العائلة الصغيرة علي كغيث بلا انقطاع !
حيث اهتمت عسلية العينين بي لكونها أم لثلاثة أطفال أميرتان جميلتان وامير شهم كعمه الأدهم والذي كان حنانه لا يقل عن اخته التي تصغره بسنة ، بدأً من تناول العشاء برفقتهم الى إيصالي للمنزل بأمان بعدما هرعت المنطقة بحثاً عني ! ما ان دلفت للمنزل حتى استقبلتني احضان الجميع بلا استثناء ! حتى نيفين ولكونها كانت سبب هروبي فلقد تشاجرت معها مجدداً وخرجت من المنزل جالسة امام الباب بعناد طفولي يسبب لي حرجاً كلما تذكرت هذا الموقف الان ! حيث جلست امي تتوسلني للدخول ، الخالة فهيمة تبكي كالعادة لكونها امرأة حساسة ، سليم يعاتبني بلا توقف مع والده وانطلقت كلمات التذمر واللوم من افواه الجميع حتى كدتُ اهرب مجدداً !
الكل اعتقدها مشاجرة من اجل قطة ! خاصة مع صراخي ورفضي لنيفين التي تعاملت معي ببرود ونضج وقتها والوحيد الذي اسكت الأفواه معاملاً إياي بلطف هو ادهم !
حيث جلس قربي على الرصيف مهدياً إياي نصائح جمة عن العلاقة الأخوية والأسرية بشكل عام ، اعترف انها أفادتني لاحقاً حتى هدأت قليلاً وقبل ان يرحل أعطاني رقم هاتفه اذا ما هربت مجدداً على حد قوله !
وتوالت الأيام وانا في حالة ركود وهدوء تام أقضي وقتي بالنوم حتى بدأت أعاود الاختلاط ببطء مع محيطي ومن وقتها وهو يتردد بين فينة واُخرى على عقلي مرغماً إياي على الابتسام !
**************
#سليم :
منذ ان خرجت ايلين من السجن برفقة صديقتها التي أصبحت فجأة ضمن العائلة حتى تغير الكثير ! اشعر بهالة من النفور بين الاثنتين ومع علمي بماضي الفتاة فأنني لحد الان أواجه صعوبة في تقبلها وأحاول عدم تفرقتها عن ايلين خاصتي في المعاملة ، تلك العلاقة بينهما شكلت لي بحراً داخل عقلي من التساؤلات حتى عادت بينهما لمجراها الطبيعي لتظهر لنا محبوبتي فرد اخر جلبته من تحت سابع ارض ! ذلك المحقق الذي أنقذها كالبطل المغوار الذي توليه اهتماماً اكثر مني انا الذي تربيت الى جانبها ! كلما حاولت التقرب منها زادت من بعدها مني وعندما لا افعل شيئاً اجدها تعاملني بود سرعان ما ينقلب الى نفور وكآنها تقاومني أو لا تعلم كيف تحدد علاقتنا ! ربما يعود السبب الى هرمونات المراهقة الطائشة وتجلى ذلك في هربها المفاجئ !
ولكن حالتها غير طبيعية لم تكن هكذا يوماً بل حتى لم يصدر منها اَي فعل طائش مهما ما بدى تافهاً وبلا قيمة وكأنها ولدت بعقل بالغ !
التقطت هاتفي اعتزم على مراسلتها واشعر بناقوس الخطر يدق في رأسي منبهاً إياي إنها لربما قد تكون اسيرة للحب ومنذ وقت طويل وكأن ظهور ذلك المغوار ليس صدفة بل طريقة لأظهاره بغرض دمجه مع العائلة !
وجدتها متصلة لأتصل عليها بلا مقدمات فوصلني صوتها المتفاجئ من الجانب الاخر :
-سليم مالخطب هل حصل طارئ ؟
اتكئت للخلف وشعرت بوخزات الضمير وهي تلسع بداخلي لأثبت انظاري على الساعة التي تشير للثالثة فجراً ! فلعنتُ نفسي على تهوري المرافق لي منذ صغري لأتحدث بهدوء :
-كلا اتصلتُ لاسئل كيف حالكِ .
ثم رسمتُ ابتسامة بلهاء على وجهي ليصلني صوتها الغاضب :
-تسئل عن حالي في الثالثة فجراً !
صمت ولَم اتحدث وهي فعلت المثل حتى تحدثت بعد برهة بكل جديتي داخلاً بصلب الموضوع :
-ما علاقتكِ حقاً بهذا الرجل ؟
انتظرتها لتجيبني ولكنها لم تفعل الا بعد عدة دقائق مما زاد من شكي اكثر :
-اَي رجل ؟
-لا تتغابي يا ايلين من هو هذا الرجل وما علاقتكِ به ؟
قلتها بغضب لم استطع كبحه لتجيب ساخرة مستفزة إياي :
-ربما تقصد ايلين الاخرى .
-من هو ادهم اجيبي واللعنة !
صرخت بغير قصدي عليها ولَم تجبني فزادني ذلك استفزازاً ليغلق الخط بوجهي بلا مقدمات !
أرسلت لي فوراً بعدها رسالة على الانترنت تقول :" - نفذ رصيدي سنتحدث غداً ".
ما هذه الحجة ! هل تعتقد انني سأصدق هذا الهراء !
اتصلت على صديق لي اعرفه منذ سنوات فوصلني صوته المتعب :
-مالذي حصل لعقلكَ يا سليم لتتصل في هذا الوقت هل أنتَ ثمل ؟
-لستُ كذلك اتصلتُ لطلب خدمة ومن المهم ان تنفذها لي فلا احد قادر عليها سواكَ وغدائكَ على حسابي !
وصلني صوته المبتهج :
-تحت امرك يا اخي .
أردف بعدها وهو يتثاءب :
-طيب قل ما عندك .
أخذت نفساً عميقاً كأنني سألقي محاضرة ثم تكلمت بكل تركيز وكأنه امامي :
-أريدك ان تبحث لي عن ضابط يدعى ادهم وتعرف عنه كل كبيرة وصغيرة منذ مولده لحد الان .
-وما كل هذا الاهتمام هل ستتزوجان !
قالها ساخراً لأرد ضاغطاً على أسناني بغضب :
-انه على علاقة بشخص يخصني .
-حبيبتك ايلين وجه القمر !
قالها ضاحكاً لأنهره بغضب مكبوت :
-توقف عن سخريتك وأصغي الي هذا الضابط يعرفها بشكل من الأشكال ولا اظنه ينوي تركها بحالها أريدك ان تأتي به ولو كان في سابع سماء هل فهمت ؟ وغدا مساء سنلتقي لمناقشة التفاصيل .
-تمام سأتكفل لك بالأمر مادام يتعلق بزوجة اخي .
وأخيراً تحدث بجدية لابتسم منتشياً بأنتصار وكأنني قد ظفرت بمرادي ليكمل :
-إذن الى لقاء الغد سأتكفل في الصباح في إيجاد احد معارفي للبحث عنه .
-اعتمد عليك ، وداعاً .
اغلقت الهاتف معه ولَم أنم بل بقيتُ مستيقظاً طوال الصباح لأراها تتصل بين فينة واُخرى على الانترنت ! من سيبقى مستيقظاً في هذا الوقت ! بالأحرى لما فجأة باتت تسهر حتى هذه الساعة كانت قبلاً تنام عند العاشرة !
تغضن جبيني غضباً وقد أقسمت على محو ذلك الأدهم من الوجود .
حتى وصلتني رسالة من صاحبي " تازاي " يعمل معي في الشركة ، شاب اعزب منحرف درجة أولى من اهم رواد الحانات والملاهي ، رفقته ممتعة لكونه خفيف الظل وكيس مع النساء كأنه نبيل !
فتحت الرسالة لأَجْدَه قد أرسل مقطعاً من احدى تلك المقاطع المنحرفة ! لا يتوقف عن هذا أبداً وانا لا أمانا في فتحها على حد قوله " اُخترع الانترنت لنتعلم من خلاله في جميع نواحي الحياة " فتحته بعد وضع سماعاتي في أذني لأشعر بالهواء يخترق عيناي لفرط اتساعهما وبالذباب قد ملئ فمي على اخره ! هل ارى فكي يلامس الارض !
سرعان ما اغلقت المقطع ورميت بالسماعات أرضاً لأتصل به على السريع حيث استقبلني صوته الساخر كالعادة :
-هل أعجبك اقسم لك لدي الكثير لأريك إياه يا صاحبي فأنت لا زلت جاهلاً وعلى أبواب زواج ....
قاطعت ثرثرته التي لا تنتهي ولو بعد دهر من الزمان بصوت أشبه بالصراخ يكاد الحي بأكمله يستيقظ بسببه :
-من أين لك بهذا المقطع ومن شاهده ؟
صمت لعدة دقائق ثم اجاب بجدية :
-حاله كحال اَي مقطع اباحي منتشر على الشبكة العنكبوتية !
نهضت من صدمتي ورحت أتخبط جيئة وذهاباً أكلمه بصوت عالي لا أقوى على كبحه :
-كيف ومتى ظهر لك ؟ من شاهده أيضاً هل هو حقاً منتشر هكذا ؟
-اجل قلت لك موجود حاله كحال اَي مقطع اخر ! ثم ما خطبك لما كل هذا الانفعال !
اغلقت الخط بوجهه ليعاود الاتصال فأنرت الإضاءة وغيرت ملابسي على عجل متجهاً للخارج مسبباً ضوضاء كبيرة لم أشأ أحداثها بل توتري وخوفي هما من يتحكم بي .
طرقت باب المنزل المقابل لنا بقوة حتى فُتح بعد خمسة دقائق لتظهر فتاتي وهي تحمل سلاح والدها من خلف الباب ببطء لتخفضه حالما رأتني ليظهر الاستنكار جلياً على وجهها وعلى وجه عمتي ليلى وبدون اَي مقدمات صرخت على نيفين الواقفة قربها :
-احتاج للتحدث معكِ ضروري والآن .
لتعلو الجميع نظرات الحيرة فدفعت الباب داخلاً اجترها خلفي كالماعز منطلقين الى ابعد مكان بعد ان اركبتها سيارتي وسط استعجابها هي الاخرى .
**********
كان يوماً مليئاً بالنشاط في أوجه وبالعاطفة أوسطه وبالدراما اخره ! بقيت الوجوه واجمة للحظات وبالطبع استيقظ الجيران على هذه الجلبة وظهر القيل والقال بسرعة من احاديث بكون سليم واقع لتلك الايلين !
ودليلهم هو انه اختطفها امام اعينهم ليهربا ويتزوجان ! دخلت والدة المعني تقابل ليلى تستفسر عن ما خطب الاثنين بينما أخذت ايلين الاخرى تتصل عليه وفِي كل مرة يغلق الخط في وجهها حتى استسلمت تماماً وعند حلول الصبح عاد لهم منهكاً تستقبله نظرات الفضول حتى دلف للمنزل ليجلس بصمت طالباً كوباً من الماء ناولته له محبوبته وقبل ان يرتشف القليل انهارت الأسئلة على رأسه من قبل الثلاثي أمامه لمعرفة ما حصل ليكذب قائلاً :
-لقد جاءني رجل غريب يطالب بها قائلاً انه أباها وقال انه على وشك السفر ويريد اخذها لتعيش برفقته .
وأصبح يلفق معلومات كاذبة انطلت على الاثنتان تماماً بينما أخذت ايلين ترمقه بحدة وسط معاتبات أمه على تصرفه الارعن ، بعد ربع ساعة شدته ايلين من ذراعه بحجة أخذ أغراض نيفين فأغلقت الباب محاصرة إياه والشر يتطاير من عيونها قائلة بحدة :
-مالذي فعلته بالفتاة يا سليم .
وبدون مقدمات اخرج هاتفه وسلمه لها بعد ان وضعه على محادثة صاحبه ولَم يكترث بأحاديث الرجال أو المقاطع التي من الممكن ان تقع عيناها عليه فطالعته بعدم فهم ليتحدث قائلاً :
-مقاطعها تلك انتشرت كالنار في الحطب يا ايلين قريباً الحي كله سيراها ولن تصمت الألسنة عن سمعتكم أبداً وانتِ الا يكفي بأنكِ حديث القيل والقال بكونك خريجة سجون ماذا لو بقيت عندنا وشاهد الناس هذا حينها لستِ أنتِ فقط بل حتى عمتي ليلى وربما امي أيضاً سيحسبونكن مثلها .
-ولكن هي ..
قاطعها واضعاً كلا كفيه على كتفيها قائلاً وهو يحدق الى عينيها الحائرتين والذنب ينهشها عميقاً في قلبها :
-لا يمكنكِ فعل اكثر من ذلك يا ايليني هي ستدبر امرها بنفسها يكفي انكِ عملتِ على اخراجها من السجن ومنحتها مالاً كافياً لتعيش وهذا كافي لها بالنهاية هي بالغة وستقدر على إعالة نفسها ، يمكنها البقاء بأي مكان ما عدى هذا الحي وانتِ ستتخلصين من كل ما يخصها مرة واحدة افهمتِ حتى فراشكِ هذا سأشتري لكِ غيره .
ثم ضمها عميقاً بين ذراعيه يحني برأسه عليها دافناً وجهه في عنقها يستنشقها كما لو كانت اوكسجينه بينما هي لم تبادله بل أخذت تحدق الى الأفق والذنب يتفاقم بداخلها ! على الأقل تريد اللقاء بها حتى تحدثها وتفهمها الامر بهدوء بعيداً عن جرح مشاعرها فكم عائلة سترفضها يا ترى !
اما خارج الغرفة كلا من فهيمة وليلى تتنصتان من خلف الباب بعدما راودهما الشك من حالة سليم وهذا الموقف المريب بأكمله لتخاطب أمه رفيقتها بتساؤل عاقدة حاجبيها بخوف :
-مالذي يتحدث عنه هذان الاثنان ؟
نفت برأسها بقلة حيلة واكملتا التنصت علهما تفهمان شيئاً .
وفِي مكان بعيد تحديداً في حديقة عامة أخذت نيفين تبكي بحرقة ملفتة انتباه كل من مر من أمامها وهي جالسة تضم ركبتيها الى صدرها كطفلة في العاشرة شهقاتها العالية تقاطع خلو الجو ودموعها تنسكب بغزارة ولَم تنفع مواساة من هب ودب نحوها لتردد من بين شهقاتها تلك وهي تتذكر كلام سليم المهين لها والذي فقع مرارتها لسمه :
-سأنتقم منكِ يا ايلين على ما وضعتني فيه لن ادعكِ تنعمين براحة بال ما دمتُ على قيد الحياة !يتبع ،...
"القاعدة الثانية عشر "
"احتفظ بطيبة قلبك لنفسك لتتجنب الكثير من المآسي "
أنت تقرأ
براءة مُدانة
Mystery / Thrillerخُلقتُ بشراً فجعلتوني شيطان وها أنتم تدفعون الثمن غالياً آيلين & أدهم الغلاف من تصميمي