يقول هاروكي موراكامي "يحتاج الحديث مع الآخرين جهدا لم اعد املكه " كنت امر بهذه العبارة كثيرا،حتى وانا في خضم مشاكلي ،ولم اشعر بوقعها الا اليوم ، حين نظر الي عميد الشرطة السيد "اتسوشي ميزوكي " وبنبرة حادة ملؤها الغضب قال:
" استمعي الي جيدا يا آنسه ميا ..قد يبدو لك الامر لهوا او مغامرة جميلة ان تنجي في كل مرة من هذه الاصداف "قال ذلك والقى اصدافه على الطاولة بغضب شديد ثم اردف قائل :
"لكن كوني على يقين ان خروجك اليوم من هذا الباب سيكون آخر مرة ففي المرة القادمة ستزين هذه الاصداف يديك وان لزم الأمر سأضعك تحت الرقابة حتى اتأكد من تورطك "
خرجت من مركز الشرطه، وكم المصورين يلحقني هنا وهناك، والشتائم تنهال علي من كل ناح ..فكلما هربت من صحافي او مصور قابلتني شتى شرائح المجتمع باللعن والسخط ..
هرعت الى المطعم اين تعمل صديقتي ساتو ،كان الجو ماطرا ،وكان لابد من سقف احتمي تحته، وبيتي التي يعج بالصحافة لم يعد آمنا .
كنت اركض بشده، والمطر المتساقط على كتفاي يغسل كل شيء فيا الى قلبي المعتصر ألما .
وصلت اخيرا ،كانت ساتو تنتظرني عند مدخل المطعم وبيدها ظرف صغير ،اقتربت منها لأعانقها فصدتني بيد ،ومدت لي الظرف باليد الأخرى ،كان صوتها يتضخم في ررأسي :
" انا آسفه يا ميا ،فمدير المطعم لا يريد اي علاقة بيننا ، وانت تعلمين حالي....""
لم اتركها تكمل عبارتها دفعتها والقيت بظرفها ارضا ثم رحلت ...
رحت اجر قدماي خوفا من القادم والما مما يصيبني ..انكسارا وخنوعا لحال الظلم التي اصابتني مند ان كبرت ..
ساتو كانت صديقتي الوحيدة التي تركها القدر على قيد الحياة وبجانبي ،فنصف اصدقائي اخدتهم المنية ..ونصفهم الآخر هرب بعيد عن هذا الوطن ..ربما بحثا عن مستقبلهم او ربما خوفا مني..وما فعلته ساتو ليس غربا ربما قد صدقت الإشاعة كما فعل الكثيرون وهي تظن ان الموت صديقي الوفي فكلما اقتربت من احدهم سرقه .
تحسست جيب سترتي المبلل ورحت ابحث عن ما تبقى من نقود..لحسن الحظ كان المبلغ كافيا ركوب حافلة من " طوكيو الى شيبا " المدينة التي هجرتها وانا في سن العاشرة بعد الحادثه المروعة التي كادت تأدي بحياتي .
شيبا .. من كان يظن اني سأعود لأحتضن ارضك بعد اكثر من 15 سنه .لكن وحدها الطبيعة ستنقذني من ألسنة البشر ، وحدها الطبيعة ستحتضن حزني .
كنت امشي وانا اتحسس جيوبي دون توقف، حين اشفق علي صاحب احدى المحلات ظنا منه اني مشرده لا تلملك ثمن ثياب جديده ولا مأوى ،سحبني من يدي الى داخل محله واخد يعرض عليا بعض الثياب التي تبدو رخيسه الثمن لكنها تفي بالغرض ..من بينها سترة رياضيه بقبعة بدت لي جيدة للإختباء في داخلها خاصة وان ارتديت نظاراتي الشمسيه معها ..سأبدو في غاية الغرابة ولن يتعرف احد على شكلي ، ارتديتها تظاهرت بالبرد اكثر حتى يتعاطف معي ويزودني بوشاح ..وكان ذالك ما فعله الرجل الطيب فعلا.
*********
ركبت الحافله كاللص الهارب ،جلست في مقعدي ورحت انظر من النافدة محاولة تذكر تفاصيل موت آيكو ..الضحية الأخيرة التي اتهمت بقتلها ،والفتاة التي قلبت بعدها موازيني، واصبحت على شفى حفرة من الضياع ،لم تكن تختلف عن غيرها من القصص، ورغم ذلك طالني التهديد بعد موتها، وذلك انها كانت قريبة احد الشخصيات المهمة...لم اكن انا وآيكو مقربات الا في الفترة الأخيرة قبل موتها ،لا اعلم كيف اجتمعنا مجددا بعد ثلاث سنوات من تخرج كلينا ..كان هذا في حفلة شيرا صديقنا السابق، والواقع انها كانت من بين القلائل اللواتي لم يخفن مني بعد كم الاشاعات الذي طال شخصي ..كان شيرا صديقي المقرب وكانت هي حبيبته ..وبعد موتها اختفى اثره ولم اعد اراه ..لا اذكر حتى الآن كيف ماتت، كل ما اذكره انها كانت قد تشاجرت مع شيرا، فجاءت لتخبرني عساني اخفف عنها كنا نجتمع في الساحة الخلفية لمنزل ساتو ..اذكر انها كانت منزعجة من علاقات شيرا الكثيرة واذكر اني كنت احاول تهدأتها ..حين حيين ........
حين علا صوت الموسيقى في رأسي:
"له .له .له..له...له.......لاه لاه لاه لاه له له "
وبدى وجه ايلينا الباسم. كانت عيناها سوداء بلون السماء حينها ،تتخللها لمعه دامعة، وشعرها الاسود الطويل يكاد يخفي كل ملامح جسدها الصغير البالي، وضحكتها الطفولية كانت تتقوسس ررويدا رويدا وبؤبؤ عيناها يضيق وتتسع لمعته فيكاد يبدو للناظر انها تدمع دما ...كانت تتمتم في اذن آيكو :
" ايلينا غاضبه ..ايلينا تبكي ..دمع ايلينا سيغرقك "الا ان آيكو لم تلحظها وراحت تكمل حوارها معي لكن صوت ايلينا كان يعلو رويدا رويدا ..حتى خيل الي اني بتت اصرخ بدلا منها :
"ايلينا غاضبه..ايلينا تبكي..دمع ايلينا سيغرقك "
ثم اسود ناظري وفقدت نفسي وحين استيقظت كانت آيكو قد اطلقت النار على نفسها وكتبت رسالة بخط يدها. تودع فيها شيرا وتودعني انا ايضا
************
حركت رأسي يمنة ويسرة لأطرد عنه تلك الذكريات القاسية ..لم اكن اريد تذكر ايلينا ..رغم انها رافقنتي لسنوات طوال ،ولم يعلم احد بوجودها سوى جدتي، التي كانت تخبرني اني سأكبر يوما، وانساها وانها ليست سوى خيالات الطفولة ..وها انا كبرت وما كبرت ايلينا ،لكن روحها كبرت لتصبح رمزا لكل جريمه .اشحت رأسي بإتجاه النافده ،وادرت اغنيه breath للمغنية الكورية"lee hi " كنت بالكاد استطيع فهم ما تقول :" خد نفسا عميقا
. حتى تشعر ان قلبك اصبح يؤلمك قليلا,
اخرج انفاسك اكثر.
حتى تشعر ان لاشيء متبق في داخلك"
رحت اغمض عيناي ،ورحت آخد نفسا عميقا حتى كادت رأتاي تتمزق من شدة الألم ،فأدركت اني قد وصلت الى معنى الكلمات، فرحت اخرج انفاسي ،واخرج معاها شهيقا مختلطا بالدمع ،حينها عاد صوت lee hi ليعلو مجددا :
" لا بأس ان كان التنفس شاق عليك ،
لا احد يلومك، الجميع يفعل هذا ،
لابأس هي الكلمة الوحيدة التي استطيع قولها لك "
طأطأت رأسي وانا اقول" لا بأس"، فجاءني صوت خافت لرجل يجلس بجانبي ،وهو يربث على كثفي مرددا :"لا بأس "..
رفعت رأسي لأنظر بإتجاهه ، فشعرت بتشوش في نظري ..كان يبدو طويل القامه دو شعر شديد السواد ..وعينان تشبهان عينا ذئب..لم استطع التدقيق في ملامحه بشكل واضح، فأشحت بوجهي عنه لكن "ايلينا" عادت ..كانت قدماي تصطكان خوفا ,لم ارد ان تعود في هذه اللحظات ..كنت اسمع صوتها الشبيه بالهمس :
"انا خائفه ..ايلينا خائفة"
لم تكن بنفس الجرأة التي اعتدتها. كانت تختبئ خلف الكرسي الخاص بي، وبالكاد تبدو عيناها وشعرها الاسود، كانت تنظر للناحية الاخرى وكأن شيء ما سيحدث ..كنت انظر اليها وانا اكتم دمعي وابتلع غصاتي التي اجتمعت خوفا .توقفت الحافلة فجأة فإهتز رأسي ،وسقطت نظاراتي ارضا ..نزل جميع من في الحافله لتفقد الوضع ،والسبب كان اشتباك بين رجلين احدهما ثمل ..لم يبقى في الحافله سوى شخص واحد كان يضع نظرات سوداء اقترب مني بهدوء بعد ان نزل ذاك الذي كان بجواري ..نزع نظراته فكانت الصدمه ....
انه شيرا !!
..كان يبدو شاحب الوجه ..عيناه غائرتان يحرك رأسه بطريقة غريبه ،جلس بجواري وبحركة سريعه اخرج من جيب سترته مسدس ،وصوبه نحو رأسي ..وأخد يهمس بصوت هادئ :
"لما قتلتها"
كانت دموعه تسقط على ركبتي ,نظرت اليه وانفجرت باكيه:
"انا لم افعل يا شيرا ..لم افعل .."
ارتعشت يده وصرخ بصوت عال :" لما قتلتها"اختطلت دموعي بصوت شهيق الخوف ,وصوت الركاب الذين صعدو بعد ان سمعو صوت صراخه
ارتبك شيرا واخد يصرخ" لم اؤذها ..لا تقتربو "
هنا ..على صوت الموسيقى في رأسي:" له .له .له..له...له.......لاه لاه لاه لاه له له"
وعادت ايلينا لتظهر ..كان تشبك اصابعها بهدوء, ثم ترفع عيناها اليه وتهمسه في اذنه :
" لا تغضب ايلينا .."
ثم تبتسم قليلا وتعود لتنفجر باكيه :
" ايلينا تبكي ..دمع ايلينا سيغرقك "
كنت انظر اليها وانا ابكي حاولت ان اوقفها ان قول اخرسي, لكن صوتي اختفى هذه المرة وتبتت قدماي في مكانهما ..علا صوتها واختلط بصوت شيرا :
"لا تغضب ايلينا "
وضع شيرا يده على الزناد ..
اغمضت عيناي لكني لم اسمع صوت طلق ناري , سمعت صوت ايلينا يعلو في اذني "انا خائفة " وشعرت بيدها لأول مرة تربت على كثفي .
أنت تقرأ
لاتغضب ايلينا
Mystery / Thrillerتلك الطفلة الهادئه التي اعتاد البعض ان يلحق اسمها بعبارة "المنحوسه" ،وشدد الكثيرون على انها لا تزال صغيرة ،كبرت اليوم.. وماعاد يحق لتلك الافواه المدافعة ان تستمر في دفاعها .،كبرت هي وانحت الظهور التي كانت تستند عليها ،وماعاد براءة الطفولة مشجب تعلق...