اليوم الخامس من صيف 2001 رصدت إحدى كاميراتنا أول حالة انتحار بالنسبة لها ، كتلة تسقط مباشرة من أعالي الجبال، نحو أحضان الرمال، ولا احد يحرك ساكنا، فالمنتحر نسر، من قال أن الإنتحار حكر على البشر فمن الحيوانات من لا يموت، جراء الجراح التي تكتسيه والآلام التي تعتريه تتمرد روحه على ذلك الجسم السقيم، ووسط حالة العصيان تلك يلقي النسر آخر سلام على الحياة .
ربما تلك الكلمات سالفة الذكر هي مقدمة غير إعتيادية، لضيف غير إعتيادي، في حلقة فريدة من نوعها، فإن اردتم التفاصيل تابعوا معنا.
أعزائي المشاهدين، ضيف حلقتنا لهذا اليوم شخص ادعى أنه كان خليفة النسر من بني البشر ، ضيفنا رجل بلا عمر، ضيفنا بشري فاض كأسه من خوض المعارك الهامشية للحياة التي لاطالما هشمت روادها .
فليتفضل ليروي فضولنا ويسقي تساؤلاتنا المتصحرة ."بإمكانك الجلوس على هذا المقعد "
هزة رأس كانت اجابة الضيف ، ليجعل بعد ذلك جسمه في حالة راحة على ذلك الكرسي، ويطلق العنان للكلمات التي أخذت تنساب الواحدة تلو الأخرى بغية تعريف الناس بقصة خليفة النسر من بني البشر." أهلا، ربما غالبيتكم لا تظنون أنني حللت أهلا أبدا ، طبيعي إنه لكره سنين، و ليكن أول ما أعترف به أنني وفي هاته اللحظة بإمكاني سماع شتائمكم المخترقة لشاشة التلفاز، بإمكاني رؤية تعبيرات وجوهكم المشمئزة إنني أرى بوضوح إنحناءات حواجبكم المقطبة،أياديكم التي تتحرك بعشوائية لإلتقاط جهاز التحكم وتغيير القناة
بإمكاني حتى الشعور بكرهكم وغضبكم يتأجج داخلكم. لكني اليوم قدمت لأحكي، لأسرد ما بين سطور حكايتي لأخبركم عن الجمل التي كتبت ثم مسحت من قصتي، حكايتي حكاية جهل وأقصوصة مصارعة داخلية ترويها روح طفل وشفتي راشد .
قصتي الشهيرة بالنسبة لكم بدأت حين شهد القمرعلى تلك الجريمة، لكن ما كان لكم بدايةلم يكن بالنسبة لي غير النهاية .أذكر اني كنت ذلك الصغير الذي يجول حاملا نظراته المستفهمة هنا وهناك غير مدرك لصدى الأحداث من حوله، كنت أرى ذلك السوط المنفذ لأوامر أبي يضرب ثم يرتد على جسد أخي المجرد من الثياب، لقد إقترف شقيقي ذنبا لا يغتفر، ألح على مشاهدة الرسوم المتحركة بينما كان جلالة الوالد منغمسا مع أحدث الأخبار التي تعرض على تلك القناة الوثائقية.
أما أمي لم تحرم من حصتها من ارتدادات السوط أبدا
فقد كانت تقترف الكثير من الأخطاء تكلمت مع الجارات بدل غسل السجاد، وتأخرت خمس دقائق عن تجهيز مائدة العشاء، أما الإثم الأكبر فكان له العقاب الأكبر لقد تزينت ذات ليلة آملة انقاذ زواجها، يا للعار .
لقد كنت صغيرا وبالتالي لم أكن أقترف اخطائا كبيرة لكني ومع كل رقم جديد أضيف إلى كومة أرقام حياتي أخذت علاقتي تتوطد رويدا رويدا مع ذلك السوط."رباه لو ظللت ذلك الرضيع الذي لا يفقه " تذمرت ذات يوم . لكني سرعان ما عدت لأصدم نفسي أن كل ما هو صغير حي سيكبر، بالتأكيد، ليكون الفطيم ، ثم الغلام ، ثم اليافع..... ثم و ثم ، حتى يشيخ.
كانت طفولتي تنساب تحت عنوان تخطئ تعاقب ، لكني كنت أقل من يرتكب الأخطاء في ذلك البيت وبالتالي فقد قللت من الندوب التي ستترسخ على جسدي مستقبلا
أنت تقرأ
النسر
Non-Fictionالقصة الفائزة بالمركز الثاني في مسابقة ضوء القمر 'القسم الأول'💙. يوجد ندم يسري في شراييني، أطول مني وأنا مفرود القامة، أطول من شجرة الصفصاف في حينا أطول من فترات العنف التي مرت علي في حياتي . الغلاف من تصميم المتألقة esorea 💞 .