الفصل الاول

509 12 8
                                    


في الثالث من تموز و في الساعة الرابعة فجراً بينما كنتُ اختبئ في أزقة بغداد الصغيرة من دوريات الشرطة التي انطلقت في الشوارع تبحثُ عنّي...

ظللتُ في محلة ( تحت التُكيّة ) و التي كانت خالية لا أسمعُ فيها سوى خُطىٰ نعلي و صياح ذاك الديك الذي بدا صوتهُ أجمل بكثير من صوت صفارات سيارات الشرطة...

وبينما أسير ببطىءٍ شديد كـلِصٍ ماكر، فجأة وجدتُ نفسي تحت دوش من الماء البارد ينكبُّ عليّ كـشلالٍ يجري!
كنتُ مبللاً بالكامل، رفعتُ رأسي لأرىٰ مصدر الماء، كانت هناك فتاةٌ تضع يديها على فمها مُندهشة، كان شعرها المموج يُغطي وجهها وهي تنظر للاسفل حاملة دلو من البلاستيك

صرختُ عليها:
- ألا يخطر في بالكِ إن هذا شارع عام وممكن أنّ يمرُّ مِنهُ الناس!
أجابت بِأرتباك:
- أنا اعتذر لم أكن اعرف بوجودك سيدي
- حقاً! و ماذا افعل باعتذاركِ الان بعد أن تَبللتْ ملابسي؟
- إذهب لمنزلك واستبدلهم ولا تصرخ هكذا!
- انظروا الى الوقاحة!! الان لقد سكبتي الماء عليّ ولا تستطيعي أن تكوني مهذبة معي!
- حسناً ابقى عندك...
بعد دقيقتين جاءت تحمل الدلو مجدداً وهو مملوء بالماء و همّت ان تسكبهُ عليّ!
ركضتُ بعيداً وأنا اصرخ:
- لم ارى فتاة بهذهِ الوقاحة من قبل!
هي صرخت خلفي:
- و انا لم أرىٰ حماراً يستيقظ باكراً من قبل

كانت مُستفزة جداً و لكنّي لستُ بحالٍ يسمح للجدال معها، لذا أكملتُ طريقي...

بعد أن تبللتْ سترتي وقبعتي اللذان سرقتهما من حسن باشا -هذا ما كان ينادوه بهِ- وهو سجينٌ مخضرم حيث قام بجرائم قتل كبيرة لذا جعل نفسهُ كبير السجناء وحوط نفسهُ بحاشية من المجرمين، كان يأخذ الملابس والأحذية من حاشيتهُ ومن يعترض يجدوهُ مقتولاً صباحاً!

أنتظرتُ حتىٰ طلوع الشمس حيث جاءت الأمانة -وهي المصلحة لنقل الركاب، كانت تُسمىٰ (الأمانة) في الخمسينيات من القرن الماضي- في شارع الربيع والتي كما هو معتاد مزدحمة جداً، كانت مُقسّمة لنصفين، النصف الاول من الباص يحمل كراسي جلد، من يجلس به يدفع أربعة عشر فلساً اما النصف الثاني من الباص يحمل كراسي خشب و من يجلس بهِ يدفع عشرة فلوس...
مددتُ يدي في جيب سترتي، كان معي أثني عشر فلساً فقط لذا جلستُ في النصف الثاني من الباص وجلس بجانبي رجلٌ متوسط العمر يرتدي زي الأفندي-البدلة وربطة العنق مع الفيصلية- كان كثير الشبه لأبي بحاجبيهِ الكثيفين، سمارهُ الداكن و شاربهُ الذي يُغطّي فمه، ولكن اكثر ما شدّني أليهِ هو تلك العصا الخشبية اللامعة التي أوقفها أمامهُ وهو يُمسِك بها من رأسها.

مددتُ يدي في جيب سترتي، كان معي أثني عشر فلساً فقط لذا جلستُ في النصف الثاني من الباص وجلس بجانبي رجلٌ متوسط العمر يرتدي زي الأفندي-البدلة وربطة العنق مع الفيصلية- كان كثير الشبه لأبي بحاجبيهِ الكثيفين، سمارهُ الداكن و شاربهُ الذي يُغطّي فمه، ولكن...

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
برائتي و الحبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن