#سليم :
كل شيء حدث سريعاً والى الان دماغي لم يستوعبه كيف عرف عنواننا ومن اخبره ! هل من المعقول ان عايدة فعلت ذلك فهي الوحيدة التي كشفت امرنا ولكن لماذا ؟ سرعان ما أعطاني سوء حظي الجواب قائلاً :
-"انتقاماً لأختها".
كنتُ شارداً حينما ناداني والدي ! رفعتُ رأسي لأراه يحدجني بنظراته تلك التي لن تتغير أبداً ! تلك الخيبة التي اعتدت على رؤيتها منذ صغري والتي لن تتغير مهما تقدم بِنَا الزمن ! هل وصله ما حدث ؟ كيف ؟ هل هي عايدة مجدداً ؟ لم أكن مستعداً لمواجهة اَي احد كل ما ابغيه هو البقاء في دوامة من الصمت والعزلة لأرتب افكاري وارتب نفسي لأعي جيداً تلك الصدمات التي تتهاوى على رأسي وليزداد الامر سوءاً فلقد ظهرت والدتي تقف خلفه ترميني بنظراتها الحزينة تلك لتهطل دموعها الصامتة والخيبة تظهر في عيناها ! وصلني صوت والدي الحانق مخاطباً اياي بغضبه المكتوم :
-لقد سودت وجهي يا سليم ! تفر كالجبان هكذا وتطلق زوجتكَ من دون علم احد لتهرب للزواج من ابنة عمر !
رددت عليه بغضب وبصوت عالي واشعر بكل هذا الغل الذي كنتُ اكتمه واسيطر عليه قد ظهر مجدداً جاعلاً من عروق رقبتي تبرز :
-وما بها ابنة عمر ؟ هل ينقصها شيء ؟ بالنهاية هي الفتاة التي احببت منذ سنوات وكلكم تعلمون نهاية هذا الحب .
ردت امي بصوتها البكاء والذي اكرهه اكثر من اي شيء آخر بحياتي :
-لقد تركت زوجتك من اجل مجرمة !
نهضت من مكاني متوجهاً نحوهما امسك بالقضبان اصرخ بهما اخرج ما كتمته من غيظ بداخلي منذ سنوات :
-هل ايلين غدت مجرمة الان ؟ ومن قال هذا الهراء ! الم تكن بمثابة ابنة لكِ أليست ابنة اعز صديقة عندكِ ولكنك كالعادة تنافقين يا امي فلا احد يعلم كذبك من صدقك .
صرخ المسمى والدي :
-اخرس قطع لسانك يا ولد !
بينما هي اخذت تجهش ببكاء عميق لأرد غاضباً :
-ابكي كما تشائين فهذا لن يقدم او يؤخر شيئاً وايلين زوجتي وستبقى زوجتي .
-بل ستطلقها ورغماً عن انفك ايضاً وستعود لأمرأتكَ الاولى وتكسب رضاها ولو اضطررت لتقبيل قدميها.
املت رأسي لجانب كتفي ارمقه ساخراً راداً عليه :
-انتَ الذي اعتدت ان تُقبل الاقدام اما انا فلا وزوجتي ايلين وما سواها سواء هل هذا مفهوم يا والدي ؟
رفعت حاجباي مؤكداً على كلامي وانا ارمقه بحدة ليقول :
-سأدفع كفالتكَ لتخرج من هنا للمحكمة لتوقع ورقة طلاقكَ .
-احتفظ بأموالكَ لنفسك انا سأتعفن هنا في السجن حتى تخرج أمرأتي .
-يا لك من ابن عاق لم اتشرف بكونك ابن لي .
-وانا لم اتشرف يوماً بكونكما والداي لذا انا هنا الان اعلن انني بريء منكما ولستما والداي .
ظهرت الصدمة على الجميع بمن فيهم انا ! لم اتوقع ان اقول هذا الكلام ولو حتى في احلامي لتتحدث والدتي بغير تصديق :
-أتتبرى مني انا والدتكَ من اجل مجرمة ؟
شددت من قبضتي على القضبان قائلاً ببطء مشدداً على كلماتي وكأني شخص اخر تماماً :
-اجل انا اعلن انني بريء منكما انتما الاثنان ولن اعتبركما والداي مهما حصل ابحثا عن ابن بار لكما كما تريدان .
ثم اعطيتهما ظهري غير مبالياً بشتائم والدي اعتصر قبضتي بقوة حتى شعرتُ بأبيضاض مفاصل يدي وانا اكابح دموعي اقاوم النار المستعرة في جانبي الايسر !
رحلا بعد لحظات وانا جلست اضم نفسي الي اضغط بأظافري على جلدي واشعر بوجهي كله ينكمش بألم ! لطالما كانا هكذا يمليان الاوامر وانا العبد المطيع ما علي سوى التنفيذ ! كل ما كنته منذ ولادتي ولحد هذه اللحظة هو مجرد واجهة لهما ليظهرا بمظهر الابوين الحنونين غير مباليان بسعادتي وراحتي النفسية ، لا زلت اتذكر لحد الان ضرب والدي ليداي بالعصا كلما حصلت على درجة اقل من الممتاز واستمر بفعلها معي حتى وانا في سنتي الاعدادية الاخيرة ، درستُ وكابدتُ لوحدي ، مرضتُ وتعافيتُ لوحدي وكانا علي وايلين هما السند الوحيد لي في هذه الدنيا هما من اكون معهما على سجيتي على حقيقتي اكون سليم الفعلي لا ذاك الانسان الممل والجاد دائماً ذلك البارد الذي لا يحمل اي مشاعر لذا يستمر الناس بجرح قلبه دائماً مدعين انه لا يملك قلباً اصلاً ، وصلني صوت علي الذي حمل نبرة عتاب :
-لم يكن عليك التصرف معهما هكذا .
حدقت نحوه لأشعر بنظراته تلك كأنها سكاكين حادة تقطعني ارباً ! حتى انتَ يا علي ! حتى انت وقفت بصفهم ضدي فنهضت غاضباً اصرخ في وجهه :
-لما يكره الجميع ايلين لهذه الدرجة لما يرى الكل حبنا وكأنه امر ممنوع وخاطئ وكأنه نوع من انواع الرذيلة !
انا على استعداد تام للتعفن داخل السجن ولا الخروج بفضل من يسمي نفسه والدي لذا توقف عن لومي هكذا لأنك لن تعرف يوماً مالذي مررت به يا علي .
صَمَتَ ولم يُجب لأمسح وجهي بكفاي حتى كدتُ اخلعه من مكانه لأذرع السجن ذهاباً واياباً قبل ان انتبه لذلك الادهم وهو واقف يراقبني بهدوء ! رأس الثعبان هذا الذي سبب لنا المشاكل منذ ظهوره البطولي لحد هذه اللحظة ! " هل تستمتع ايها السافل " ابتسمت له ساخراً بأوسع ابتسامة املكها اشار بيده بذلك الغرور الذي يملكه وهو يحرك شفتيه في حديث لم افهمه ونظره مثبت علي ما ان وقف الشرطي امامه حتى تحدث بعجرفة كادت تفقدني صوابي وهو يشير لي بطريقة استفزتني وددت لو كنت خارج السجن لحطمت له وجهه هذا الذي يتفاخر به :
-اجلب هذا الاشقر الى غرفة التحقيق .
ثم رحل يضرب الارض بخطواته المسرعة ليفتح الشرطي باب الزنزانة مقتاداً اياي خلفه كالشاة حتى ادخلني غرفة التحقيق لأجده يجلس بكل فخامة وبقربه كأس الشاي خاصته الذي يتصاعد بخاره ليرتشف منه القليل ناظراً لي بطرف عينه ما ان خرج الشرطي حتى سحبت الكرسي ببطء متعمداً ليصدر صوتاً مزعجاً جعل حاجبيه ينعقدان بضيق لأجلس جاراً الكرسي بالطريقة نفسها قائلاً بأبتسامة واسعة مستفزاً اياه اكثر :
-بالعافية يا حضرة الضابط ان شاء الله يكون زمهريراً على قلبك .
رفع حاجبه وهو يرتشف القليل ليتحدث لاعقاً شفتيه ليتحدث بأبتسامة هادئة :
-وعلى قلبك ايضاً يا سليم .
زممت شفتاي مغتاظاً ليستند على الكرسي فارداً يديه على ذراعيه كالملوك قائلاً بجدية والغرور يتخلل كل انش من شكله وتصرفاته وافعاله وكأنه مترفع عن الجميع ! سحقاً له :
-الان يا سليم ستخبرني بكل شيء بشكل مفصل لأننا معاً سنثبت براءة ايلين ان كانت كذلك وان لم تكن ..
-بل هي كذلك .
قاطعته بحدة مكتفاً يداي الى صدري ليكمل بلا اكتراث :
-ستتم معاقبتها حسب القانون .
عقدت حاجباي غيظاً ولم اجد رداً على حديثه وانا اشعر بثقل عظيم يجثم على صدري ! كيف هو متأكد هكذا ان ايلين هي القاتلة ؟ هل هذا بسبب حديثها الاحمق حينما تم الامساك بنا ؟ لم اعد اعلم شيئاً الا انني مع ذلك سأبقى ادعمها حتى نهاية عمري سواء كانت بريئة ام مذنبة لأنني متأكد من شيء واحد فقط وهو ان ايلين اكثر نقاءً من اي اي شيء اخر على وجه الارض تحدث بصوته الذي يثير النفور في النفس قائلاً وهو يركز عينيه علي :
-اخبرني بما تعرفه وما سبب كل حيل الهروب هذه ؟
بقيت ساكتاً ولم ارد الا بعد لحظات وانا اطلق العنان لأنفاسي المكتومة داخل صدري :
-قلت لك انها اختفت ولم اعلم عنها شيئاً ثم التقينا صدفة واتفقنا على الهرب لنتزوج طبعاً .
ارتشف شايه مجدداً ليسحب نفساً ويطلقه بهدوء كاتفاً يديه الى صدره قائلاً :
-طيب التقيتما في المخفر في ذلك اليوم وثم تحدثتما عن طريق صاحبك ومن ثم هربتما وتزوجتما اذن كيف اكتشفتما وجود اداة التنصت ؟
عقدت حاجباي لوهلة بعدم فهم ثم سرعان ما تذكرت مالذي يلمح اليه ! اذن فعلاً تم مراقبة هاتفي ولم تخطأ ايلين في اكتشافها نظرت له بهدوء ناكراً لما يقول :
-لا اعلم مالذي تتحدث عنه .
لوى شفته ساخراً ليكمل واستفزازه لي يثير غيضي وتوتري ولكنني مع ذلك سألتزم الصمت ولن ادلي بأي شيء مما يريده كي لا يستعمله ضدنا فمالذي سيفعله لي لأتحدث ؟ لا شيء لن يستطيع فعل شيء .
:-اذن ماذا عن تازاي صاحبك الذي سافر بدالك الى المانيا ليقوم بألهائنا لجعلكما تهربان !
ولم يحصل على رد واكتفيت بتدوير حدقتاي بالارجاء كي ابدو كمن يفكر في شيء الى ان ثبت انظاري عليه قائلاً :
-ومن قال لكِ انني كنتُ انوي الرحيل لألمانيا ؟
رفعتُ حاجبي بتساؤل الا ان ابتسامته الماكرة اثارت خوفي بعض الشيء لينادي على الشرطي الواقف في الخارج وما ان ظهر حتى تحدث ببرود ناظراً نحوي بأبتسامته المثيرة للقرف :
-اجلب مسجل الصوت من فضلك .
سرعان ما شعرت بأطرافي تتخدر للحظات ! ليدلف الشرطي مناولاً اياه ذلك المسجل ليخرج مجدداً بينما ضغط هو على الزر لينساب صوتي وانا اتحدث لينقبض قلبي خاصة حينما ظهر صوت ايلين هو الاخر ! الحقير ! لقد سجل تلك المكالمة من هاتفي حينما اتصلت بها لنتفق على الهروب اوقف المسجل ليتحدث وهو يعيد كتف يديه مميلاً رأسه نحو كتفه الايمن وابتسامته المقرفة تزداد اتساعاً كاشفة عن انيابه ليتحدث ببرود شديد :
-هل اُنعشت ذاكرتك الان ؟
زممت شفتاي بغيظ ولم اجب عليه لتسود لحظات من الصمت لأتحدث بعدها وانا اشعر بالاختناق الشديد اتمنى ان يظهر احدهم لكي ينجدني مما انا فيه ! عدى عن ان هذه الامنيات دائماً تظل مجرد امنيات :
-ما اعلمه ان ايلين لم تفعل اي شيء خاطئ وكل ما ارادته هو الهرب بعيداً من كل شيء واعتقد ان هذا حقها .
ثم اتكئت على الطاولة احدثه بحدة :
-هي لم تقتل احداً لذا انت تضيع وقتك فقط .
زفر بخفة ثم قال وهو يرتشف القليل من الشاي :
-ما ان تقرر الحديث حتى نتحدث مجدداً بلا لف او دوران .
ثم نادى الشرطي طالباً منه اعادتي للزنزانة وانا اشتمه واسبه بأقذر الالفاظ التي تخطر على بالي حتى تم رميي في الزنزانة بقرب علي الذي احتضنني على الفور مطبطباً على ظهري قائلاً :
-كل شيء سيسير على ما يرام لا تقلق يا اخي .
لم اجد تعليقاً مناسباً لهذا الموقف ، اشعر ان كل شيء يتحول للاسوء شيئاً فشيئاً . لم استطع فعل شيء سوى النوم على كتفي صاحبي انظر الى الارض بشرود آملاً ان يُحل كل شيء على ما يرام حتى نهضت بحركة سريعة وانا ارتمي على القضبان صارخاً بقوة لدرجة اجفلت بها الشرطة المتواجدين امامنا في ما يشبه صالة الجلوس :
-لي الحق بطلب محامي .
***************************
بعد خمسة ايام :
أنت تقرأ
براءة مُدانة
Mystery / Thrillerخُلقتُ بشراً فجعلتوني شيطان وها أنتم تدفعون الثمن غالياً آيلين & أدهم الغلاف من تصميمي