~الفصل الأوّل:فأر التّجارب~

416 43 62
                                    


"لَقَدْ حصَلتَ على كَسرِكَ السّابعِ في هذا الشّهر بالفعل و مازِلْتَ لمْ تعدِلْ عن قراركَ بعد؟"
كان هذا ما قالَتهُ تلكَ القلِقَةُ بتأنيبٍ و عتابٍ و هي تحاوِلُ تفحّصَ مدى عُمقِ جرحٍ حديثٍ أحدثَهُ من أمامها في جبهتِهِ عن قصدٍ، غير أنّهُ حال دونَ ذلك عندما لفّ أصابعَهُ حول معصمِها بلطفٍ مُبعِدًا يدها عنْهُ و ريشةُ الانزِعاجِ قد تفنّنتْ في الرّسمِ على ملامحه التّي حملت في ظاهرها الكثير من الوسامةِ الفائِقَةِ بالرّغْمِ من أضرار جمّة جسيمةٍ نهشَتْ جسَدَهُ

هوَ تنهّدَ بعمقٍ مُخلّلًا أصابع يده التّي أصابها اِعوجاجٌ طفيفٌ في خصلَاتِ شعْرِهِ السّوداء يبعِدُها عن مسار الضّوء إلى عينيه البنيّتين،ثمّ أمسَكَ عكّازَيْهِ و سارَ الهوَيْنا بعيدًا عن غرْفةِ المعيشَةِ لواذًا في أحضانِ جُدْرانِ غرفَةِ تجاربِهِ التّي تتفهّمُ كلّ ما يفعَلُهُ دونَ أن يصدُرَ مِنْها تذمُّرٍ أو إزعاج

*

*

*

هِي تبِعَتْهُ إلى ذلك المختبر الذّي يقعُ في طابِقٍ سفلِيٍّ مخفيٍّ في ذلك المنزل البسيطِ، و ما إن فتحَتْ البابَ حتّى لاقاها ذلِكَ المَشهَدُ الذّي لم ينفكّ يفطِرُ قلبَها كلَّما رأته عسليّتاها فمحبوبها كان يُنازِعُ ليصْعَدَ ذلِكَ السُلّمَ بعد أن تخلّى تماما عن دعمِ عُكّازيْه

رجْلُهُ اليُمْنى العرْجاءُ كانت تُعتَبرُ سليمةً مقارنةً بالأخرى المغطّاة تمامًا بجبيرَةٍ بيضاءَ، و تلكَ العرجاءُ هي التّي تولَّتْ قيادَةَ و تحمُّلَ ثقَلِ بقيَّةِ أعضاءِ جسدِهِ مع مُساعَدَةٍ من يديْهِ اللّتانِ منعتا يُسْراهُ من الإحتكاك بدرجاتِ السلّمِ العديدة كي لا يكونَ تحرّكه أعسَرَ و أكثر إيلامًا ممَّا هو عليْه، و كلّ هذَا فقط ليصِلَ سِلْكيْنِ في قمّةِ تلك الآلةِ الضّخْمةِ ببعضِهمَا البعْضْ

طفحَ بها الكيْلُ فتأفّفتْ بانعدامِ صبرٍ و كرّرَتْ على مسمعِهِ قوْلًا كان من البداية مجرّدَ إقتراحٍ ثمَّ أضحى تذمّرا
"جينْ لِمَ لا تختارُ لكَ مُساعِدًا؟ مجرّد فعلك لذلك فقط سيوفّر الكثيرَ من الوقْتِ و الصحّةِ بدلا من استنزافهما و أنت في أمسِّ الحاجةِ لهما مع آلتك العظيمةِ تلك!"

"نعمْ هي آلة عظيمة لا تستدعي سخريتكِ اللّامباشرة، أمّا عن المساعِدِ فلا شُكرًا لا أريده! لا أريد إهدارَ أموالي في أمورٍ تافهة"
عارضَها بقوْلِهِ و فوْرًا شرعَ ينْزِلُ السلّم رُويدًّا رويدًا و كادَ أن يسقُطَ في الخِتامِ بيْدَ أنّ رفيقَةَ دربِهِ أمسكَتْهُ و تشبّثَتْ بِهِ، و قبلَ أنْ يبعِدَها عنْهُ أو يُبادِرَ بإحداثِ مسافَةٍ بينَهُما لمسَتْ وجْنَتَهُ برقّةٍ تُحرِّكُ رأسَهُ حسْبَ مشيئتِها لتُحْدِثَ بِذَلِكَ تواصُلًا بصرِيًّا بينهُما استسْلَمتْ لهُ عيناهُ و يَدُهُ اليُمْنى التّي رفعها لا إرادِيًّا ليجْعَلها تستقِرُّ أعْلى تلْكَ التّي مازالَتْ لمْ تتوقَّفْ عنْ مدِّ وجْهِهِ بالدّفئِ

جَلِيدٌ هَشْ: رِحْلَةٌ اللَّاعَوْدَةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن