الفصل السادس ¦¦ Chapter Six

30 10 4
                                    


سارع أدريان للوصول إلى كلمات مثلت له الحياة، كان لا يطيق هذا الانتظار على ماء لتغلي و يسترق الأنظار نحو الحاسوب المحمول النائي عنه ببضع أمتار، يتفقد رد لورينا.
استغرقت محادثتهما أربع ساعات متطاولة، لدرجة آلمت سراة أدريان من جلوسه المستمر دون حراك لكنه لم يأبَ، بدأت الماء بالغليان المصحوب بإمساكه دلة تحتويها ووضعه لبعض ملاعق القهوة دون انتظام.
فترهف لحديثها على الفور، و أضحى يريد إنهاء كل ما ابتدئه، جار على نفسه، غرق في مكابدة، و لم يستطع إفلات نفسه منها.

أرسلت النيران إذناً للمياه لكي ترتفع، و تشبث أدريان بهذه الدلة و ضياع عقله من جحره أدى لانصباب القهوة المغلية على يد أدريان المسهد في نطاق جاذبية الكلمات و حلاوة التسامر.

وجد في سياقها الكلامي سناء لروحه، امتطت جذور تعابيره المقفلة حتى أرضى غاية في ذاته، عن رفض ممانعة الحديث كل يوم معها. لمَ لا؟

قفز متألماً إثر هذا الحرق الذي يتكاثر ألمه على سطح يده اليسرى ، وضع ما أقدم على حفظه في دلة القهوة قبل استلالها انتباهه، في فنجان ضئيل الحجم.

استعان بقطعة ثلج، دلكها بلطف على مكان إصابته متعجلاً إلى المحادثة المداومة على المسايرة.

"إذاً أدريان، دعني اختبر ذاكرتك دون العودة بالرسائل، هل يمكنك إعطائي اسم من أسماء أعلام الموسيقا الكلاسيكية في العصر الرومانسي؟" ابتسم ناسياً اشتداد الحرارة في يده.

" أهو جيرو فالو؟" علم بمكوث خطأ يستهزئ به لكنه ليس بمستوى حنكتها بهذا المجال.
بقت المحادثة في صمت تام، استغرب أدريان ظهوره فجأة، لكن لورينا عادت تعبر عن إجابتها بوجوه ضاحكة.
" إنه روجيرو ليونكافالو، يالك من فاشل" أسهب في ضحكته المبالغة، مسلماً لقلبه فرصة الفرح، المروءة و الغنى بنكهة الامتهاج.
نسى وجع يقتات على أطرافه، نسى ما كلم لورينا من أجله، و تبع ما يمليه قلبه من حاجات و شرذات يحلي بها العمر.

-

دققت عينا جولييت النظر عبر الحاجز الزجاجي الفاصل بين العالمين، عالم الكوارث الافتراضي و عالم الوجود الحقيقي، و على الرغم من بيان هشاشة ذلك الحاجز، إلا أنه ما عرف الكسر يوماً.
و شهد العديد من المحاولات التي قد تتبوأ بالنجاح، لكن لم يكن الفِلاح نصيرها يوماً، لم يكن كذلك و لن يكون.

وقفت تستعين بأصابع قدمها للاستدلال عن محبوبها في ذلك العالم، رينيه.
فكلاهما على موعد في كل يوم، لملاقاة وجوه بعضهما المتحابة، ارتكزت يده على الزجاج حين تطابق الموضع و اختلفت أحجام الكفين، فأصابع رينيه الرجولية الممشوقة تحتوي أنوثة أصابع جولييت.
ابتسما لوجه بعضهما، ابتسما كما لو كانا يتعانقان بغير مبالاة من حاجز يبليهما حزناً لا افتراقاً، لأنهما في حرم الغرام واقعان، مكافحان و محاربان بسلامة هذا الحب من القيود، من التدخلات القدرية، و من الوقائع الحادة.

اندالاً على عواطفه المتحسرة هو ، فلاحظ كل لقاء من غير استثناء عن تربع الوشم الوحيد على يد محبوبته، الوشم الوحيد الضعيف، هزيل لكوارث في هذا العالم الذي عبره عبور الناجي منه مع تخلصه من جميع الكوارث التي أرجحته في وديان الردى.

اندالاً على عواطفه المتحسرة هو ، فلاحظ كل لقاء من غير استثناء عن تربع الوشم الوحيد على يد محبوبته، الوشم الوحيد الضعيف، هزيل لكوارث في هذا العالم الذي عبره عبور الناجي منه مع تخلصه من جميع الكوارث التي أرجحته في وديان الردى

Oops! This image does not follow our content guidelines. To continue publishing, please remove it or upload a different image.


إن الوشم على يدها لا يعني شيئاً، إنه رمز بلا معنى، و حتى هي لا تعلم معناه، ولا تدرك خوف والدها و حبيبها المبالغ فيه نحوها، فحرص رينيه بألا يخبرها و حرص والدها على إبقائها بقدر المستطاع في أحضانه بعيداً عن كل ما لا يميط الأذى عن حياتها.

"كيف حالك؟" نقر بخفة على مكان ارتكاز يدها لتضحك هي و تزفر قائلة.
"جيدة حالاً" لتخيفه، و تغزر العواطف غزر الغيث الشديد على قلبه متوقعاً حدوث خطب عرّض عمرها لمكروه ما.

"إن والدي أراد فعلاً بقائي لولا إصراري للذهاب لتنفيذ أمر هام لما سمح لي بالقدوم، رينيه، إنه يبالغ في أمري، يقول أن خروجي سيودي بحالي للاندثار كأمي لأن حصول أمي على وشم ضعيف يميتها على الفور، فلم تستطع تحمل ألم ولادتي، هو خائف على نفسه و عليّ ، خائف من الوشم الوحيد المتبقي على يده، و خائف على نفسي من المهالك."
لا يواجه أي شيء، فاكتفى بالكتمان و تجنب التلميح لها عن أي تفصيل فهو أيضاً يريد الحياة، يريد التناجي و السعادة، يشاء السرور ناسياً ما وضع الجميع به، يشاء امتلاكها في العالم الموجود بجانبه، و منطقية عقليته تستحيل استحمال جولييت لمآزق هذا العالم الافتراضي، هذه الفكرة توفيه، تنعيه باكياً.

" حبيبتي، لا بأس." حاول التهديئ من روعها قليلاً.
"أتعلم ما يشعرني بالإغاظة؟ أن محاولاتي تفشل في معرفة معنى هذا الوشم على يدي، لكن عزيزي، أعلم أنك على إطلاع، هو وشم مقاوم كخاصتك الذي قاومت فيه هنا، صحيح؟" في عينيها أمل و بريق، أودى المشاعر في رينيه للإشراق، الاختناق بدخان احترلق هذا الأمل لديه و تبدده.

"بالطبع، حبيبتي." ابتلع سم كذبه بكلماته الأخيرة، لكنه لم يمت تشاؤماّ، مات إحباطاً و افتراءً متداوماً.

The War Of Existence || حربُ الوجودWhere stories live. Discover now