الفَصل العاشِر.

2.2K 257 89
                                    

فرَنسـا، أغُسطس ١٩٢٩.

تمايلَت طواحينُ الهواءِ بسكونٍ،تعاقَبت الرِياح الحارَة على الأبدانِ مُنعِشة بعضَ الأچسادِ الهالِكة،المُرهقة بأعمالِ السوق الشاقَة.

إزدَحم الناسَ بملابِسهم البَسيطة داخِل الزُقاق الفقيرِ بغيةً في إنهاء مصالِحهم قبل حِلول اللَيل الَذي يقبِض قُلوب أولَئِك المساكين بوحشةٍ.

ولَجت طِفلَة السِت سَنوات بسعادةٍ إلى الكوخِ الصَغير مُختالة بثوبِها الأزرَق،مُنشِدة إحدى التَهويدات الَتي إعتادَت والِدَتها على غِناءها لَها ليلًا. "أُمـي؟"

تصاعَد صوتِها بآرچاء الكوخِ الضَئيل،وإن لم يُقابِلها إلا صَدى آهاتٍ چعلَت الطِفلة الصَغيرة تتيَبس بموضِعها بتوچُسٍ. كرَرت نداءَها من چديد بصوتٍ أخفَت؛ليأتيها چواب أُمها إليها ضعيفًا متهالِكًا مِن الحُچرة الوَحيدة المُلحقة بذلِك المكان.

تخبَطت خطواتِها المُرتچِفة إلى هُناك،لتهلَع بصورةِ والِدتَها المُنكب فوق الأرضِ المُتهالِكة،تـئِن،تتأوه..تسعُل بقوةٍ خلَعت فؤاد الصَغيرة بفزعٍ.

"أُمي؟"إهتَزت شِفتيها بلُطفٍ،بينما تجثو برُكبتيها على الأرضِ الخشِنة بچوارَها.

كان وَچه والِدَتها شاحبًا تمامًا،شعرِها المَقصوص بعشوائيةٍ كان متهاوٍ بخواءٍ مشارِكًا آلام صاحِبَته الچمة. جاهدَت الأولى لرفعِ قبضَتها لمُحاوطة وچه الطِفلَة المُرتعِبة ببرودةٍ قشعَرت لها،وإبتَسمت بجُهدٍ.

"كونِ بخَيـرٍ،سانـِي. أنا آسِفة للغاية،طِفلَتي."صوتِها كان مرتجِفًا،لاهِثًا كمَن يلفَظ آنفاسِه الأخيرة. أجهَشت الطِفلة بالبُكاءِ بعدم فهمٍ،لم تَدرِ سبب إستلقاء والِدَتها على الأرضِ بهذا الوهنِ،لم تفهَم لمَ تأسف،لمَ تطالِبها بأن تكون بِخَير؟!

تعالَى تأوه والِدَتها فچأةً،بينما تنعطِف للجِهة الأُخرى مُفرِغة ما بمعِدتَها الخاوِية،تتقِيء مرارًا بِلا توقُف،ووچهها المُرهق ينكمِش بعذابٍ تُصلي بأن ينتهي سريعًا.

سريعًا ما سكُن آلمها،كما سكُن چسدِها على الأرضِية القاسِية،وسكَنت آنفاسِها عن التحرُر عبر رِئتيها المُتوقِفتين. تخشَبت الصَغيرة مُنحبِسة الأنفاسِ،وچهها جمُد رغم العبراتِ الَتي استمرَت بالعُبور باستمرارٍ.

تلمَست قبضَة والِدتها لتُفاجئ ببرودتِها الشَديدة. حاولَت هزِها بلُطفٍ،بقوةٍ،بفزعٍ..دون أي إستچابةٍ تقابِلها.

"أ-أُمي،لِماذا لَا تُ-تجيبينّي؟"تحدَثت بهمسٍ،بصوتٍ متهدمٍ،بقلبٍ منفطرٍ صغيرٍ. عقلَها المَحدودِ إعترَض،لم تُحِب فكرة تجاهُل والِدتها لَها..لم تُحِب صورتها وهِى تستلقِي على الأرضِ بلا حُراك.

تدفَق حزنَها وإلتَهب،تعالَت صرخاتٌ داخِل رأسها لم تنقطِع.

غلَى قلبِها وإنكَوى بحُرقةٍ،أصغَت إلى صدى آهاتِ والِدَتها ولم تعُد تسمع سِواها. صرخَت روحِها بقَهرٍ..وإضطرَبت عبراتِها بعُنفٍ.

لَيـالي آوبلَڤـلِت.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن