Pt. "D"

36 6 0
                                    

"انا بالمنزل" قالت 'مايا' وهي تطرُق باب غُرفتها ثُم تُدير المقبض لفتحه.

"أهلًا بعودتكِ" أجابت 'لارا' قبل أن تُعيد تركيزها نحو 'نامجون' وتُضيف: "لقد إنتهينا بالفعل. شُكرًا لحُسن تعاونك، سيّد كيم" نهضت وهي تنحني له برسميّة.

"أنتِ تجعلين من نفسك حمقاء كبيرة" سخرت 'مايا'.

"إتبعيني، علينا التحدُّث" قالت مُتجاهلةً سُخرية الأُخرى وهي تسحبها من يدها لتتبعها رُغم أنفها، مُتّجهتان للغُرفة الأُخرى.

"ما الأمر؟" سألت 'مايا' بقلق بعد دخولهما الغُرفة الأُخرى، وقد أصبحتا حُرّتين للتحدُّث بلُغتهما الأُمّ: الفرنسيّة.

"لا داعي للقلق. لحُسن حظّ نامجون أوبا أنّهُ يمتلك ذاكرة لاوعي قويّة".

"أوبا..؟" سألت 'مايا' بسُخرية.

"توقّفي عن التصرُّف بلؤم!" أجابت 'لارا' بإنزعاج.

"ماذا يعني هذا على أيّة حال؟" سألت 'مايا'.

"أيّ أنَّ ذاكرة الإنسان تتكوّن من شقّين: ذاكرة الوعي، وذاكرة اللاوعي. عند تضرُّر الجُزء الخلفي مِن الدماغ، كالإصطدام بجسم صلب، أو أنْ يُضرب الشخص بشئٍ ثقيل مثلًا كما حدث في حالة نامجون يكون الشخص مُعرّضًا لكسر في الجُمجُمة، ما ينتُج عنه تضرُّر المُخّ، وهذا قد يُسبّب فقد البصر، فقد السمع، التسبُّب في غيبوبة، أو فقد الذاكرة، ولكنّهُ يفقد فقط الشقّ الأوّل من ذاكرته: ذاكرة الوعي؛ وهي الذاكرة المؤقّتة التي تحتوي على المعلومات التي يحفظها الدماغ إثر التكرار، كحفظك لقواعد المشفى، أو لكلمات أُغنيّتك المُفضّلة. في هذه الحال تكون ذاكرة اللاوعي بعيدة عن أيّ تضرُّر؛ وهي تُمثّل قيام الجسد بأُمورٍ أصبح مُعتادًا عليها، كالطريقة التي تربُطين بها رباط حذائك، أو إلتفاتُك تلقائيًّا عند سماعك لذكر إسمك، ولهذا السبب أيضًا لم يشعُر نامجون بالغرابة نحو إسمه رُغم نسيانه له، ولكنه إعتاد أن يتمّ مُناداتِه به. بإختصار: ذاكرة الوعي قائمة في أساسها على ذاكرة اللاوعي، وذاكرة اللاوعي الخاصّة بـ نامجون قويّة للغاية، وهذا يعني أن إحتمال إستعادته لذاكرته كبير".

"واو.." علّقت 'مايا' بينما ابتسمت 'لارا' بغرور.

"لَمْ أفهم مُعظم ما قُلتِ لكنَّ إستعادة نامجون لذاكرته هو أمرٌ جيّد. متى من المُمكن أن يستعيدها؟" أضافت 'مايا'.

"أنتِ حقًّا غبيّة، مايا.. ما أُحاول قوله هو أنَّ نامجون قد يستعيد ذاكرته، أجل، ولكن الأمر لا يرتبط بالتوقيت. أي أنَّ على نامجون أنْ يرى ويعيش الأشياء والمواقف التي إعتاد أن يعيشها، مثل أنْ يرى تايهيونغ وجونغكوك يتشاجران بشأن الحلوى بينما يصرُخ بهم يونغي ليتوقّفوا، أو أن يجلس بجوار سوكجين وهو يمدح وجهه الوسيم، وما إلى ذلك. تفهمين ما أعني؟ أتمنّى.." أنهت 'لارا' كلامها بقهقهة ساخرة.

"أجل، أعتقد أنّني أفهم" أجابت وهي تنظُر إلى باب الغُرفة، تنهض وتتجّه نحو باب الغُرفة وتقوم بفتحه، لتجد 'نامجون' واقفًا خلفه، وهذا ما توقّعتهُ.. ومن الواضح أنّه كان يسترق السمع.

"غاب عن ذهني لوهلة أنّكُما قدّ تتحدّثان بلُغة غير الكوريّة أو الإنجليزيّة" قال 'نامجون' بالإنجليزيّة وهو يُنقِّل نظره بينهُما.

"كان بإمكانك سؤالي" قالت 'مايا' بإستياء.

"لما تتحدّثين كما لو كُنّا أصدقاء؟ انا لَمْ أُقابُلكِ سوا بالأمس!" أجاب بغضب.

"هل تُحاول القول بأنّك لا تثقُ بي؟"

"ها هي مُجدّدًا تتحدّث عن الثقة بينما انا بالكاد أعرفُها" قال ساخرًا.

"لقد تذكّرتُ أمرًا هامًّا عليّ القيام به، عليّ الذهاب. انا سأذهب الآن. سعدتُ بلقائك، سيّد كيم" قالت 'لارا' لتفرّ، وبات الإثنان يُشاهدانها حتّى عبرت الباب وأغلقته.

"لقد قُمتُ بشراء بعض الملابس الخاصّة بالرجال، وأرجو منك أن تُجرّبها الآن حتّى أتمكّن من إعادتها إنْ لَمْ تكُن مُناسبة" قالت وهي تنسحب من المُحادثة لتُغادر، ولكنَّه فاجأها بإمساكه يدها قبل أن تبتعد، وهو يُحرّك يده في عكس إتّجاه سيرها لتعود بِضع خطواتٍ قبل أن يصطدم ظهرها بالحائط ويقف هو مُقابلًا لها، مكتوف الذراعين.

كانت حركة غير مُتوقّعة من مريض خائر القوى، مُلئ جسده بالجروح والكدمات.

"لِمَ تفعلين هذا؟" سألها بشكّ، ولكنّه لَمْ يتلقَّ إجابة.

"لِمَ تقومين بإطعامي وكِسوتي والإعتناء بي؟ ماذا ستجنين من وراء ما تقومين به؟"

"عمَّ تتحدّث؟ انا طبيبة وهذا أقلّ ما قد أُقدِّمه لمريض!" أجابت دفاعًا عن نفسها.

"تُخبرينني أنّني شخصٌ ذا شُهرة عالميّة، وتقومين بمنعي من الظهور أمام الناس، ومن ثُمَّ تُحضرين صديقة أو رُبّما شريكةً لكِ، وتبدأ هي في طرح الأسئلة حول عاداتي وحياتي الخاصّة التي رُبّما تعرفها هي أفضل منّي، وتمتنع عن الإجابة عن أسئلتي. بماذا تُسمّين هذا؟" أضاف غاضبًا.

"هل تسعيان وراء المال؟ أم هل لكُما يدّ أو شراكة في أمر اختطافي؟"

"هل تذكُر إسم الشركة التي تعمل لديها؟" تحدّثت مُحاولةً كبح رغبتها في البُكاء.

"هل تذكُر أسماء باقي أعضاء فريقك؟ هل تذكُر أين تعيش؟ هل تعتقد أنّك حالما تظهر في الشارع ويتمّ رصدُك بكاميرات الصحافة والمُعجبين سيُحَلُّ الأمر؟" صَرَخَت بغضبٍ في المُقابل وهي تشرع بالبُكاء.

"سيّدي، انا لا أعلم ما مررت به بعد إختطافك وإختفائك، ولكنّني أُقدّر تمامًا ما تمُرّ به الآن بسبب ذلك، وأُقدّر عدم ثقتك بي لكوني غريبة كُلّيًّا عنك، ولكنّ إتّهام شخصٌ ساعدك وأقدم على مُخاطرات مُقابل سلامتك كمريض هي خطيئة ونُكران جميل".

أنهت كلامها، وتبعه لحظاتٍ كان الصمتُ سيّدها.

"سيّد كيم، انا أعدُك أنّني سأُعيدُك حيثُما تنتمي حالما أتأكّد من أن حالتك الصحيّة تسمح بذلك".

***

About Timingحيث تعيش القصص. اكتشف الآن