الفَصل الثالِث والعِشرون.

2.1K 216 84
                                    

كبُحيرة راكِدة تتموَج أسفَل إعصارٍ،إهتاجَت ذكرياتٌ قُمِعت بصندوقٍ موصدٍ. ككافرٍ بالحُب رأى معشوقَاته مِن جَديد؛فعادت إليه آلام لَوعة الحُب ووقَدت نيران قلبِه التوّاقة. كالجمودِ ما بعدَ الِأنهيار،ساهمٌ دون وجهةٍ،شاردٌ بِلا وِئام.

إنهَمر المَشروب اللامِع جَوف الكوبِ الزُجاجِي طائفًا بالثَلجِ إلى السَطحِ بينما تترامَى على مسامِعه الأُغنِية بطَربٍ شغَل الصَمت المُربِك بينهُما.

"هاكِ."إنتبَهت إلى صوتِه الخافِت وسَط زِحام شرودِها،فرَفعت رأسِها إليه مُلتقِطة الكأسَ من يدهِ مَتمتِمة بشُكرٍ خافتٍ،مُتفادِية نظراتَه التي لم تترُكها لحظةً.

كانَ هناك سكوتًا مؤرِقًا شُحِذ بالعَديد مِن المشاعِر المُتداخِلَة والأسئِلَة العَديدة،ولكِن كلاهُما كان يتجَنب التطرُق إلى تِلك الآمورِ بتردُدٍ خوفًا مِن العَبثِ بطَقسِ الموقِف المُحتد.

"إذَن.."بادَرت،مُنزِلة الكأسَ عن شِفتيها ببُطيءٍ مراقِبة ملامِحَه التي كانَت تجاهَد للثباتِ. "كَيف حالُك؟"

ترَك الماءَ ينزلِق إلى حلقِه بقوةٍ وقبَض على كوبِه باحكامٍ محاوِلًا أن يسترِد تركيزَه الذي سرَقته مِنه لهنيهةٍ.

"مِثالِي. كُل شيءٍ عاد لطَبيعتِه،بمُفردِي بدون إزعاجٍ أو فَوضى. أصبحتُ مِن النِقابة العامةِ للقَصر. الأحوال لا يُمكِنها أن تتحسَن أكثَر مِن هَذا."ابتَسم ببُهوتٍ،مقاوِمًا أعاصيرَه الصارِخة بداخِله.

كَم كان كاذِبًا. شعَر بمرارةِ قلبُه المُنطفِئ وهو يراها تَبتسِم بتكلُفٍ وتهزِ رأسَها بلُطفٍ. "سَعيدة بأن كُل شيءٍ قد عادَ كما كان."

كان يرغَب بالصُراخِ،أن يوبِخَها على ما فعلَته وتستمِر بفعلِه به وتتظاهَر بأن كُل شيءٍ طَبيعي،والحَقيقة بأن لا شَيء كذلِك،لا شَيء طبيعي بينهُما.

"..إذَن،أين تمكُثين الآن؟"أزاحَ عينيه بعيدًا عنها خافِيًا نظرَة الِاستياء بهما،حاوَل جعل سؤالَه خاليًا مِن اللَهفةِ والِاكتراث،وبالكادِ نجَح.

"هل تهتَم بمعرِفة ذلِك؟"

أجـَل!
"لا،لَيس تمامًا."صرَح،رافعًا زرقاوتيّه المُتماسِكتين ليضحِدا بخضراوتيّها المُتلألِئتين ضِد إضاءةِ الحُجرةِ. يكادَ يُجزِم باهتزازِهما الضَعيف بعد جُملتِه الغِير مُبالية،لتنزلِق أكتافُه بنَدمٍ.

تتنهدَت بقوةٍ،ريثما تنهَض مِن موضِعها؛ليُخلع قلبُه باضطرابٍ. "علَى كُلٍ،لقد آتيتُ لِاعادة ذلِك وحَسب. لم أرغَب بإبقاءِ أي شيءٍ يخُصك معِي."

تجاهَل رنةَ التوجُعِ بداخِله بعد تَصريحِها القاطِع،ونظَر إلى الخاتِم الفيروزِي الَذي وُضع على الطاولةِ الفاصِلة بينهُما. لُجم لسانَه بجَزعٍ تاركًا مشاعِرَه تفيضَ كشلالٍ قضَى علَى صلابتِه الناعِمة.

لَيـالي آوبلَڤـلِت.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن