الفَصل الرابِع والعِشرون.

2K 222 67
                                    

الجَلبة. كانت تُحيط بكُل شيءٍ من حولَه.
كالقَمرِ الأزرَق بهُتت قُزحتيّه بخَللٍ بَينما يدفَع بكُتبِه وملفاتِه أرضًا في مُحاولةٍ بائسةٍ للعُثورِ على مُرادِه أسفَل نظراتِ صديقيّه المُتعجِبَين لحالةِ الِاضطراب الَتي مستَه بعد سماعِ تَصريح هارِي الأخيرَ.

"ها هُو!"هتَف بسُرورٍ مَسكورٍ،ويدُه تخرُج بملفٍ صغيرٍ قبَض عليه بقوةٍ،وبأنفاسٍ تتصارَع بهياجٍ مدّه نحو هارِي وإبتَسم بعدَم إتزانٍ دار بجفنيّه المُتورِمتين.

"أنظُر إلى هَذا،هارِي. إنها ثلاثةَ فُحوصات مِن أطِباء مُختلِفين،جميعُها أثبَتت بأنّي عَقيم! أنا لا أستطيع الحُصول على أطفالٍ. إنَه مكتوبًا هُنا،أنظُر."

كان يَفقِد صوابَه،هذا مؤكَد.
لم ينبُث هارِي أو زَين ببنتِ شفَةٍ،وهُما يُطالِعا جسدَ صديقِهما المُرتجِف،وعيناه تتحمَل بدُموعٍ تنهَمِر باستسلامٍ رَغم إندفاعِ كلماتُه وهو ينثُر بأوراقِ الملَف أمان أعينهُما بعشوائيةٍ.

"لِماذا لا تنظُر لها؟ كُل شيءٍ مَكتوب هُنا.
آندِي تحمَل طِفلكَ أنتَ يا صَديقي،هل رأيتَ؟ إنَها تحمَل طِفلكُما،هارِي. لِماذا لستَ سعيدًا؟ هل إعتَقدت بأنّي قد أفعَل هذا بِِك؟ لم أكُن لِاجرؤ."

إهتزَت رأسُه مِرارًا حتى كادَت تتأوَه بآلمٍ. تحرَكت خطواتُه في سِرياليةٍ مَع شِباك نظراتِهما الخارِسَة بجزعٍ.
في حياتِهما لم يرَياه بذلِك الضَعف،ذلِك الِاضطراب،ذلِك الِانكسار.

"لِوي،لمَ لم تُخبِرني؟"لملَم هارِي حروفَه بدهشةٍ؛ليهرُب صوتُه خافِتًا حساسًا لمسامِع صديقِه الَذي ابتَسم بحُزنٍ.
"لا يهُم،لا يهُم. المُهِم بأنكَ ستُكون أبًا،هارِي. أنا مُتحمِس،ألَستَ كذلِك؟ لقد كنتُ أنتظِر سماعَ ذلك الخَبر لسنواتٍ!"

تلجلَج زَين بموضِعه،بينما يتقدَم بتردُدٍ نحو كيانِه الهَزيل المُنكمِش،رابتًا على ظهرِه شاعرًا به يتصلَب لبُرهةٍ،قبل أن يستَرخِ بوَهنٍ. "عليكَ أن ترتاحَ قليلًا،لِوي. أنتَ لستَ بخَير."

أومأ لِوي بذَعنٍ،ثُم تحَشرجت دموعُه مِن جَديدٍ بخَوفٍ وهو يندفِع نَحو هارِي متشبِثًا بقبضتِه بشدةٍ،وناظرًا لَه بتوسُلٍ. "أنتَ لن ترحَل مجددًا،صَحيح؟ رجاءً لا تفعَل. لم يعُد لِي أحَد،هارِي. أنا وَحيد..وخائِف،لا تترُكنِي كذلِك."

إبتلَع هارِي لُعابَه،حزينًا متآثِرًا بما آل وَضع صديقِه إلى سوءٍ بالفَترةِ الأخيرة. هزَ رأسَه بلُطفٍ باطمئنانٍ؛لتنفرُج إنقباضاتُ لِوي ببَهجةٍ،مفاجِئًا الأوَل بعناقٍ عميقٍ بَث الدِفئ بثنايا الِاثنين.

ابتَسم هارِي بِحُبُورٍ ريثما يُشير لِزَين بصَمتٍ ليقترِب واضِعًا أذرُعه حولهُما بقوةٍ منضمًا لعناقٍ دارَ بهم بعاصفةٍ ناعمةٍ دَفيئةٍ لملَمت شُتات سنواتٍ باردةٍ إلتَحمت بِها جِراح القُلوبِ المُشتاقة وأسكَنت العُقول المُهتاجَة.

لَيـالي آوبلَڤـلِت.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن