-«الألم، الكتمان، الصمت، الهروب، الوهم، الإدمان، الخوف.. كلها أشياء تدفعك للتخلى عن الواقع ومشكلاته والتوجه نحو الخيال. وكلما مرت الأيام، أصبحت حياتك أكثر سوءً وتعقيدًا. الجميع يراك شخص سعيد. حياتك رائعة، أصدقائك حولك، عائلتك بجانبك.. رائع تمتلك حياةً مذهلة بمعنى الكلمة.. لكن»
بدأت كيت حديثها أو لنقل هايت فهذا هو لقبها فى برنامجها الإذاعى محادثات منتصف الليل.
بتلك الكلمات ثم توقفت لبرهة وهى تتنهد بخفه ثم قالت:
«كل ذلك مجرد هراء، فلا أحد يرى كم الصراعات التي خلف إبتسامتك. لا أحد يعلم بأنك تشعر بالوحدة حتىٰ وسط عائلتك وأصدقائك. لا أحد يرى كم تعانى بمفردك فى نهاية اليوم. لا أحد يعلم كم أنت متعبٌ من الداخل، حتىٰ أن ذهابك للطبيب لا يجدى نفعًا. الجميع يرى فقط الظواهر ولا أحد يعلم بما خلفها.. ربما لو توقف أحدهم للحظة.. لحظةٍ واحدة فقط ليرى حقيقتك، ليرى متاعبك ومشكلاتك. ربما لأصبحت أفضل حالاً.»
توقفت لبرهة وهى ترتب كلماتها بداخل رأسها قبل أن تشاركها مع أصدقاء الليل خاصتها..
«مرحبًا أصدقاء الليل خاصتى. كيف حالكم اليوم؟
ها قد دقت الساعة معلنة عن بدأ حديثنا معًا. حديثنا الذي قد يظنه البعض مُجرد هراء، لكن هذا الهراء ما هو إلا عمق قد فشل البعض فى تفسيره. هيا بنا لنبدأ محادثات منتصف الليل خاصتنا.»
تحدثت هايت بعفويتها کالعادة. تنهدت بخفه قبل أن تضيف:
«حسنًا سنبدأ بالرسالة الأولى وهى من بيكا. مرحبًا بيكا.. أمم بيكا تقول أنا أمتلك شخص قريب بالنسبة لى، أو لنقل لقد كان. ربما لأنه أصبح يتعامل معى بطريقة مختلفة فى الأوني الأخيرة، حيث أنه أصبح يتجاهل رسائلي ونادرًا ما يجيب على مكالماتي وأصبح يتعامل معي بجفاء عكس ما كان يحدث سابقًا وهذا يحزنني بشدة كوني لم بفعل أي شئ خاطئ تجاهه. أخبريني ماذا أفعل هايت؟»
زفرت هايت بغضب ثم قالت:
«عزيزتى بيكا. أولاً أنا أعتذر لكِ بالنيابة عن هذا الأحمق. ثانيًا الهدف الوحيد الذي يجب أن نسعى له أثناء الدخول بأي علاقة سواء كانت علاقة حُب أم صداقة هو أن نشعر بالراحة مع الطرف الأخر، وإن لم تشعري بذلك مع هذا الشخص عزيزتي بيكا أرحلي بكل بساطة. نحن نعيش حياتنا مرة واحدة فقط، فلما نعيشها مع أشخاص لا يُدركون قيمتنا حولهم، ولا يهتمون لأمرنا.. المرء لن يقضي حياته وهو يسعى لأرضاء من حوله.»
«صدقيني بيكا، أنتِ أفضل حالاً بعيدًا عن هذا الشخص وأمثاله. ولا تدعي ما حدث أن يكون نقطة النهاية بالنسبة لكِ، بل أجعليها بداية لصفحة جديدة خالية من أمثاله.»
حاولت هايت ألتقاط أنفاسها بسبب أنفعالها من هذا الأحمق. فرقت شفتيها ببطء ثم قالت:
«رفقًا بالروح البشرية، فالأساءة، التجاهل وعدم الإهتمام ليست بالأمور الهينة.»
تنهدت برفق قبل أن تكمل حديثها قائلة:
«حسنًا.. لنقرأ الرسالة التالية وهى من كودي. مرحبًا كودي.»-
توالت الرسائل واحدة تلو الأخرى حتىٰ أنتهت ساعة البرنامج لتودع هايت أصدقاء الليل خاصتها.
خرجت كيت من المكان بعدما ودعت أصدقائها فى العمل وكانت الساعة الواحدة وخمس عشرة دقيقة صباحًا. تنهدت ببطء قبل أن تتدلف لداخل سيارتها لتقودها نحو منزلها.
كان الطريق هادئًا للغايه. صوت الراديو هو الوحيد المسموع فى المكان حولها. الشوارع خالية من البشر ونسمات الهواء تضرب وجهها لتشعرها ببعض الراحة.
أحبت كيت هذا الجو، فهى تٌحب الليل والهدوء والتأمل وتكره بشدة الشمس والزحام والخروج نهارًا عمومًا. كانت تبدو هادئة للغايه من الخارج، لكن بداخلها فتفكيرها يكاد يقتلها ببطء.
لقد ذكرتها تلك المحادثة به مجددًا. رغم ما تفعله لكى تتخطى الماضي، إلا أن الماضى لايزال يلاحقها.
زفرت بغضب حين تذكرت لقاءهما الأول. كيف كان مميزًا بالنسبة لها. عيناه التى يحوطها الحزن ومظهره الهادئ. كانت تعلم بالصراعات التى بداخله، فعيناه كانت تطلب المساعدة. تذكرت تحديقه الغريب بها. تذكرت تلك الصدفة التى ندمت عليها فيما بعد.
أخرجها من دوامة لعنها له وصولها لمنزلها. ترجلت من السيارة ثم توجهت نحو منزلها. أخرجت مفاتيحها من داخل حقيبتها لتفتح الباب وتدلف لداخل المنزل بملل. قامت بخلع الجاكت الأسود ثم وضعته على كتفها الأيمن وصعدت نحو غرفتها ببطء، لترمى جسدها المتعب بإهمال على السرير وتنام دون حتىٰ تغيير ملابسها. فبعد ما حدث، أصبحت لا تهتم لشئ ولا تفكر حتىٰ بشأن حياتها.
أهم شئ هو برنامجها الأذاعى وأصدقاء الليل خاصتها، فهم الحل الوحيد للهروب من واقعها..
أنت تقرأ
𝐌𝐢𝐝𝐧𝐢𝐠𝐡𝐭 𝐂𝐨𝐧𝐯𝐞𝐫𝐬𝐚𝐭𝐢𝐨𝐧𝐬 || محادثات منتصف الليل
Short Story«بعض الذكريات لا تترك عظامك أبدًا، هى فقط تظل عالقة بجوف عقلك لتصبح جزءً منك. فبعضها قد يترك إبتسامة سخيفة على وجهك دون سبب، وبعضها قد يرسم الحُزن على معالم وجهك وقلبك.» ° جميـع الحقوق محفوظة للكـاتبة. • جـاسـتـن بـيـبـر.