الثالث
جلست فخرية بهدوء بجانب ولدها الذي يقول لذلك الجامد الملامح الجالس على المقعد كملك يجلس على العرش و ينتظر شكوى الرعية . بشرة سمراء كالحة عيون خضر كورق الشجر الأخضر في فصل الربيع . خصلات ناعمة و كثيفة كلبدة الأسد . جسد رياضي بامتياز ربما كون مهنته خطرة بعض الأحيان و تحتاج للقوة البدنية . قال قطب بغضب " لم نجدها في الغرفة تاركة تلك الرسالة و أنها لا تستطيع الزواج . أخشي أن تكون خطفت و لم تهرب "
قالت فخرية بجدية " لا أنا لا أظن ذلك . مؤكد هربت حتى لا تتزوج نجم النجوم "
نظر إليها بيبرس بهدوء سائلا " و لم أنتِ متأكدة سيدتي ربما خطفت و الرسالة تمويه ممن خطفها "
ردت بحزم متحدية " أنا متأكدة . فاطمة لم تخطف "
نظر إليها مراقبا بغموض قبل أن يقول لقطب " أريد صورة لها .. هذا أولا "
سألت فخرية " و ثانياً "
قال بيبرس بجدية " أريد أن أعرف كل ما يتعلق بها الأماكن التي تحب الذهاب إليها . هل لكم منزل غير هذا . هل لها صديقة مقربة . هل تحب فندق معين تقيم فيه كل ما ذهبت لمدينة أخرى مثلاً . متى أخر مرة تواصلت معك سيدتي "
وجه سؤاله لفخرية التي أجابت بمكر " هل تظنها تواصلت معي و هى هاربة "
رد بيبرس ببرود " هل قلت ذلك . أنا أتسأل عن أخر مرة تواصلت معك . فكما قال السيد قطب . أنتِ أقرب من في المنزل إليها . غريب أراكِ هادئة على غير العادة من ابتعاد محبوبتك "
عقدت فخرية حاجبيها بضيق . هذا الماكر . بالطبع يظن هذا و هو يرى قطوف باكية قلقا عليها . قالت فخرية ببرود " أنا أثق في حفيدتي أنها تستطيع التصرف أي كان الظرف الذي وضعت فيه "
سأل بمكر " حتى لو كانت مخطوفة من أحدهم و يهدد حياتها "
قالت فخرية تجيبه بحزم مؤكدة " قلت لك لم تخطف "
رد بيبرس بسخرية " أريد أن أفهم لم أنتِ متأكدة "
أجابت الجدة ببرود " هكذا قلبي دليلي "
قال بلامبالاة " حسنا و لكن أريد معرفة كل ما سألت عنه الأن حولها و رجاء سيد قطب أعطيني صورة لها و تكون واضحة "
نهضت قطوف الباكية منذ جلسن و لم تتدخل في الحديث لتجلب له صورة لفاطمة . عادت بعد قليل و أعطتها له قائلة " هذه أخر صورة لها "
أمسك بيبرس بالصورة و تتطلع عليها بتفحص حدقتين سوداويتين كالليل يحيط بها بياض كبياض القمر في ليلة حالكة و بشرة بيضاء دون شائبة و شفتين رفيعتين تنفرجان لتظهرا أسنان ناصعة البياض بابتسامة مشرقة تضيء وجهها ليبدوا كالقمر . عربدت دقات قلبه داخل صدره فزم شفتيه بضيق و قال بخشونة و نفاذ صبر تعجب لها قطب
" لتخبرني سيد قطب بكل شيء حتى أبدا البحث عن ابنتك "
كانت استبرق تفرك يديها و هى تقطع الغرفة بقلق بالغ عندما دلفت جدتها للغرفة و جلست على السرير ترمقها بسخرية مستفزة .. سألتها فخرية ببرود " ما بك استبرق . ما الذي يضايقك "
قالت استبرق بحدة " هل تظنون أني سأتزوج خطيب أختي "
قالت فخرية بهدوء و هى تربت على الفراش بجانبها " أجلسي استبرق أريد الحديث معك "
جلست استبرق بجانب جدتها و هى تتنهد بحرارة قائلة " نعم جدتي تفضلي "
قالت فخرية بجدية " هل تحبين أحدا و لا تريدين الزواج من نجم من أجله "
قالت استبرق تنفي بسرعة " لا بالطبع لا أحب أحد أخر "
ابتسمت فخرية بمكر " لا تريدين نجم ذاته إذن "
ردت بحرارة " لا جدتي ليس الأمر هكذا "
سألتها بملل و نفاذ صبر " ماذا إذن يا فتاة تحدثي "
ردت استبرق بخجل و بؤس " هو كان سيكون زوج فاطمة . كيف أتزوجه أنا "
قالت فخرية بهدوء " اسمعي حبيبتي . لو كانت فاطمة تريد الزواج منه لظلت و لم تهرب منه أليس كذلك . لذلك لا تقلقي حبيبتي هى لا تريده أو تحبه هذا ما أنا واثقة منه و لكن إذا كنتِ لا تريدين أنتِ الزواج به فهذا أمر آخر يمكنك الرفض و أنا سأقنعه بالزواج من سندس لنحتوي فضيحة شقيقتك التي وضعت العائلة بها "
قالت استبرق مسرعة " لا . حسنا لا داعي لهذا إذا كنتِ واثقة جدتي لا بأس سأتزوجه "
ابتسمت فخرية بخبث و نهضت قائلة " حسنا لتستعدي بضمير مرتاح إذن يا استبرقه "
كانت براءة تجلس بجانبها على الفراش قائلة بمرح " أنا لا أصدق للأن ما فعلته . هل تركت الزفاف هاربة حقاً "
استدارت فاطمة تستند برأسها على راحتها " لا كنت أظل و أتزوج المتفجر الذي يظل يقول استبرقي في الحلم "
ضحكت براءة قائلة بمرح " لم لا تتزوجين أخي لنظل دوماً معا "
ردت فاطمة بسخرية " و تكون نهايتي على يد خطيبته صحيح "
قالت براءة بمرح " ليت أخي محمد كان أكبر بعدة سنوات لزوجته لك "
سخرت فاطمة " من قال أني أريد أن اناسبك لقد تخلصت منك عندما أنهيت دراستي و الأن تريدني أن تظلي على قلبي طوال العمر . لا شكراً لكِ عزيزتي . أنا لا أريد الزواج نهائي "
دفعت براءة يدها من تحت رأسها لتسقط مصطدمة بدعامة السرير قائلة " حمقاء "
ضربتها فاطمة بحنق و هى تدفن رأسها في الوسادة " سأقتلك لأريحهم من ثقل دمك "
ضحكت براءة و هتفت تنادي أمها لتنجدها عندما رن هاتف فاطمة .
دلف للمنزل بعد أن فتحه بالمفتاح الذي أخذه من السيد قطب . منزل والدته القديم . و الذي تركته بعد موت والده و انتقلت للعيش معه و مع أحفادها . كان منزل كبير بطابع كلاسيكي كل شيء كان بسيط . ردهة واسعة لا تحتوي إلا على سجادة كبيرة حمراء بورود صفراء فاتحة بأوراق خضراء و في المنتصف طاولة صغيرة بمزهرية قديمة مزخرفة برسوم روميو و جولييت . ورغم أن المنزل يبدوا مهجور و لا حياة فيه إلا أنه نظيف يبدوا أن السيدة العجوز تهتم بمنزلها . حتى و هى بعيدة . رغم أنه متأكد أنه المكان الأخير الذي ستلجأ إليه في اختفائها إلا أنه أحب البدا من هنا ربما وجد خيط يقوده إليها . ربما جاءت و رحلت أو قريبة من هنا . ولج بيبرس للمنزل يتفحص غرفه الكبيرة القديمة واحدة واحدة باحثا عن أي أثر لصاحبة العيون السوداء كالليل زفر بيبرس بحرارة و هو يجد واحدة أخرى لها على الحائط في غرفة الجلوس ضمن العائلة . و رغم أنها كانت أصغر سنا إلا أنها كما هى لم تتغير بل ازدادت جمالاً . كم الفرق يا ترى خمس سنوات . كم كان عمرها سبعة عشرة
وقف قريبًا من الصورة يتمعن فيها قبل أن يبتعد ليكمل تفقد باقي المنزل و هو يقول بجمود " لا أحب هذه المهمة . لا أحبها "
قال عبد الحافظ بحنق " لا أعرف ما الذي يعجبك في تلك الدمية التي تدعي استبرق "
كان نجم يستمع لوالده الغاضب و هو يستعد ليذهب و يجلب استبرق من عند مصفف الشعر . كما فعل أمس مع فاطمة . قال نجم بنزق " هل يكفي أن أخبرك أني أحبها . أنا أحب تلك الدمية أبي و لا يهمني غيرها . رغم أنها ليست دمية بل هى فتاة جميلة ناجحة و ستكون زوجة صالحة و ربة منزل ممتازة و والدة لأطفالي فاضلة ماذا تريد في كنتك غير هذا لا أفهم ماذا فعلت لك تلك الفاطمة "
قال والده بضيق " لم تفعل لي شيء و لكن جدتها تركت لها المنزل الخاص بها هذا يجعلها أفضلهم من وجهة نظري كونها لديها منزلها الخاص ربما أفادكم فيما بعد "
نظر نجم لوالده بصدمة فاغرا فاه . هل والده يطمع في منزل جدتها
قال والده بنزق عندما علم ما يدور في رأسه من ملامح وجهه " أيها الأحمق قلت سيكون أفيد لكم فيما بعد أنا لم أقل أنه السبب الرئيسي و لكنه من ضمن الأسباب . أنا لست طامع به أنا فقط أرى أنه مكسب لك . ثم أن فاطمة جميلة أيضاً كشقيقاتها "
رد نجم بنزق " و لكن استبرق أجمل و هى من سرقت قلبي "
زفر والده بحنق " فلتذهب إلى الجحيم معها إذن لا يهمني "
ظل نجم مسمرا أمام والده و قال بهدوء " سأخذها و أذهب إلى مكان أخر إذا كان "
قاطعه والده بضيق " لا داعي أنا لن أضايقها . و منزلك كما وعدتك هيا أذهب لتجلبها . أخشى أن تفعل مثل شقيقتها . لذلك إذا وجدتها لا تفلتها لحين تغلق عليكم بابكم مفهوم "
أومأ نجم باسما و ذهب ليتمتم والده بضيق " أنها كالدمية إذا اقترب ستنكسر "
سمع صوت زوجته الساخر تقول " و من أخبرك بذلك . هل أجزمت أنها كالفخار ستنكسر . لا تقلق استبرق هى الذراع اليمني لقطوف في المنزل و ليس تلك المدللة الهاربة . جيد أنها هربت "
نظر إليها زوجها بضيق " و لِمَ لم تقولي أنك لا تميلين لفاطمة "
قالت بحنق " أقول ماذا و هل تركتني و ولدي نتفوه بكلمة "
قال عبد الحافظ بضيق " حسنا ها هى أراحتكم و هربت لنرى خياركم ماذا سيكون "
ردت بثقة " خيارنا الأصلح و سترى "
كان يقود سيارته متوجها للمكان الأخير الذي ترك البحث به للنهاية رغم أنه كان الأولى بذهابه إليه و لكنه لا يعرف لم تركه للأخير . لقد أبلغه والدها أن استبرق تزوجت و ذهبت لمنزل زوجها . فإذا لم تعود و لم يجدها هذا معناه أنها مخطوفة بالفعل و لم تهرب و لكن لا يعرف هناك شعور داخله أخبره أنها هاربة و ليست مخطوفة جدتها أكدت على هذا الشعور . حسنا بيبرس ها قد اقتربت لترى هل هى هنا أم شعورك و الجدة خاطئ . أصطف بسيارته في مكان قريب و ترجل منها بهدوء تقوده خطواته الواثقة لباب منزلهم ليقف عليه بتصلب و راحته تطرق الباب بحزم .
**★**★**★**★**★**★**★**★**★**★**