شخص صغير يركض حول شجرة ذات ظلال وافرة، ابتسامه مشرقة، عينان متلهفه للحياه و خدين احمر من شدة الحر." آنستي الصغيرة! لا تركضي وإلا ستقعين! " تنادي الخادمة على الصوصة الصغيرة." تعالي العبي معي يا مونا "تقترب مونا نحو الطفلة لتحملها بين ذراعيها بعدما ان تمادت الصغيرة في لعبها المتهور " هيا يا آنسه آيرس لندخل الى المنزل، سوف يعود السيد الى المنزل بعد قليل" لم تصدق الفتاه ما سمعت ومن شدة سعادتها حضنت مونا بشدة وهي تضحك.
استعدت الطفلة لاستقبال والدها الذي غاب لعدة شهور بأجمل فستانٍ لديها و بربط شعرها الذهبي بالشريطة الزرقاء التي اهداها اياها في يوم ميلادها الرابع. لم تكف عن الحراك تجلس تارة على الاريكه و تارة تقفز لتختلس النظر من النافذة في ما إذا وصلت العربة التي تحمل عزيزها بابا. " آيرس لقد أصابني الصداع بسبب تحركاتك!" صوت اشتد بالقول نحو الطفلة من قبل امرأة كانت تجلس على الاريكه المقابله، شعر كستنائي حريري و بشره بيضاء كالقطن. " آسفه ماما" " الا يمكنك ان تكوني مهذبة مثل شقيقك لوكس؟ على الرغم من انه اصغر منك!"لوكس الطفل ذو العامين يشبه والدته تماما، كان يبدوا كالدمية تماما.
كتمت آيرس كل تحركاتها و شوقها خوفا من ان تتعرض للتوبيخ مرة أخرى، كان صعبا جدا. مرت الدقائق كأنها ساعات ولكن اخيرا من خلف اذنها سمعت صوت جر العربة. "انه بابا لقد وصل بابا " هذا ما فكرت فيه وهي تحترق شوقا وحماسا.
تم اعلان وصول سيد المنزل بعد غياب دام ثلاثة أشهر، هذه ليست المرة الاولى التي يغيب فيها هذه المدة بسبب اعماله.
كانت ايريس خلف ظل والدتها التي بدأت بإستقبال زوجها و طفلها ممسك بيدها، المشاعر بدأت تفور في داخل ايريس وهي تنتظر و تسترق النظر نحو ذلك الرجل الطويل. " ايريس" عندما قال اسمها لم تستطع سوى ان تكسر كلمة والدتها و تنطلق نحو بابا." بابا" تقولها وهي تلف ذراعيها على ساقه وتنظر اليه بلهفه، لم يتركها تنتظر وحملها ليقبل خدها." هل كنت فتاة مطيعة؟" ترددت في الإجابة و نظرت نحو والدتها بخوف، ماذا علي ان اقول هل كنت جيدة ؟ ام ستقول ماما اني كنت فتاة سيئة؟ كانت هذه الأفكار تمر عليها بسرعه. ولكن لم يعطي لوكس ايريس الوقت للإجابة فقد قام بشد ملابس الاب معلنا حضوره فهو أيضا يريد من بابا أن يحمله.
في صباح اليوم التالي بعدما ان انتهى الجميع من تناول الإفطار تبعت ايريس والدها بخطواتها الصغيرة إلى كل مكان يذهب إليه كانت كالظل، في كل مرة يستدير خلفه يراها وهي تنظر إليه بعين الاعجاب. فستان زهري منفوش و حذاء أبيض يتلئلئ. كانت لطيفة المنظر.
" بابا "
" ماذا"
و تضحك لنفسها كما لو أنها لا تصدق أنه حقاً أمامها. النور الذي يمر من خلال زجاج النوافذ الكبيرة ليضفي إلى المكتبة لوناً يخلد في الذاكرة. يمكن و بوضوح رؤية ذرات الغبار في الارجاء تضيف سحرا في المكان. يقف السيد واكرمان والد آيرس في منتصف المكتبة يطلع على أحد الكتب. " اقتربي لهنا يا ايرس" انحنى لها و قام بمشاركة الكتاب.
" انظري لقد كنت هنا عندما كنت مسافرا"
كان يشير إلى صورة مرسومة على أحد الصفحات، مدينة مطلة على البحر. بدت الصورة كما لو أن طيور النورس التي عليها ستحلق حقاً.
" في المرة القادمة سوف آخذك أنتي و لوكس معي إلى هناك"
" حقا؟"
" نعم، لذا كوني فتاة جيدة ، مفهوم؟"
" نعم !"
البهجة ملئت روح الصغيرة، ظلت تنظر إلى الصورة مطولا تتخيل الذهاب إلى ذلك المكان الذي يدعوه بالبحر. لم تخرج آيرس خارج القصر من قبل، لذلك كانت فقط فكرة الخروج خارج الأسوار فكرة مشوقة. لم تبرح ايرس مكانها حتى نادتها أحد الخادمات لتأخذها في جولة حول حديقة القصر برفقة لوكس لينعموا بالقليل من دفء الشمس.
تشابكت يدا لوكس و ايريس وهما يأخذان في جولة في الحديقة و برفقتهم خادمة لوكس. كانوا يمشون على محاذاة البحيرة التي بدأت تتلألأ بشكل يبهر الأعين. كانت بحيرة صغيرة تابعة للقصر تمتلئ بالبجع و البط الملون.
قطفت ايريس أوراق الهندباء و اقتربت من البحيرة لتطعم الإوزة التي كانت بمقابلتها. " انتبهي يا آنستي !" اندفعت الخادمة نحو آيرس لتوقفها. " انها تأكل " ابتسمت للخادمة بينما الإوزة تأكل من يد ايريس. نظر لوكس لأخته باهتمام وخوف وهي تطعم الإوزه، تمسك برداء ايريس وظل يراقبها. اقتربت مجموعة أخرى من الأوز و اصبحت تتنافس على أخذ الطعام من يد ايرس. قامت أحد الاوز بمهاجمة يد ايرس مما جعلها مرتبكه و في لحظة خاطفة انزلقت نحو البحيرة لتجر لوكس معها بلا وعي خوفا من السقوط، صراخ الخادمة الممزوج بتصفيق أجنحة الطيور ادوى المكان . سمع السيد و السيدة الصراخ من الجانب الاخر للحديقة، اسرعا بالذهاب إلى مصدر الصوت ليجدوا المزارع قد سبقهم ليخرج جسد الطفلين من الماء البارد.
أنت تقرأ
ما هو لونك ؟
Historical Fictionبطلتنا هي طفلة تنحدر من عائلة نبيلة في زمن القصور و الحفلات الموسيقية و الطبقية الاجتماعية، ولكن تقفل الأبواب في وجهها عندما تتعرض لحادث يغير مسار حياتها بشكل كامل.