الفصل الثاني

19 0 0
                                    

صوت الرعد المدوي إخترق عميقاً في كابوس آيرس، نبضات قلبها السريعة آلمت صدرها، انسدل شعرها على وجهها الذي إمتلئ عرقا وهي تنحني على نفسها، في الغرفة الباردة والمظلمة  كانت آيرس تتلوى ألماً لوحدها.

لقد مرت خمس سنوات بالفعل على تلك الحادثة، لكنها لازالت ترى الكوابيس بين الحين و الاخرى. في قاع البحيرة الباردة النور أصبح ضئيلا و من الصعب التنفس، ما الذي يحدث لي. لينقذني أحدهم أنا أشعر بالاختناق.

في ذلك اليوم غرق الاثنان ولكن لم ينجوا سوى ايريس. كان لوكس صغيراً ولم يستطع الكفاح لأجل حياته، كان يوما مشؤوما لعائلة واكرمان فقد فقدت وريثها الوحيد. كان القصر في حالة فوضى لإنقاذه ولكنهم فشلوا. 

امتدت يد صغيرة نحو السماء بصعوبة. " ماذا يا عزيزتي؟"  أمسكت مونا بتلك اليد الصغيرة.

"  ماما، بابا ؟ "

" انهم مع لوكس " لم تستطع مونا اكمال جملتها لدخول السيدة للغرفة بعنف.

" أيتها الحقيرة ! لقد قتلتي طفلي ! أعيدي طفلي الآن !" صرخت السيدة بأعلى ما تستطيع وهي تشد شعر آيرس. الغضب و الحقد و اليأس تجسدوا في عينيها، حاولت مونا ابعاد السيدة عن الطفلة التي كانت لا زالت تحاول التعافي. ايرس لم تكن تملك القوة للمقاومة ولا للبكاء فقد كانت الصدمة أكبر من تحتملها. 

" أرجوك سيدتي توقفي! " تصرخ مونا بيأس 

" ابتعدي علي قتل هذه الحقيرة ! ما كان علي أن أنجبك ! " تشنجت أنامل الصغيرة بينما والدتها تقوم بخنقها. لولا مونا و دفعها بالسيدة بعيدا لكانت آيرس لحقت بأخيها.  

الغرفة تدور من حولها و الأصوات أصبحت بعيدة، ما الذي يحدث هنا؟ هل قتلت اخي؟ كيف لطفلة في الرابعة أن تعي هذا الكلام، ما هو الموت أساسا؟ لم أمي تصرخ بي؟ 

لا تستطيع ايريس نسيان ذلك اليوم، على الرغم من أنها كانت صغيرة ولكنها تستطيع أن تتذكر كل جزء منه، الرعب واليأس في ذلك اليوم انقطع خيط رفيع. عزلت آيرس في القسم الغربي من القصر ولم يسمح لها بمقابلة و الدتها بتاتاً. و لأن والدها كان كثير السفر و مليء بالحزن لفقدان ابنه فلم يكن هناك أحد من عائلة آيرس يتواصل معها، كانت تعيش بين الخدم لا يسأل أحد عن حالها كما لو أنها ماتت في ذلك اليوم مع لوكس. مونا الخادمة كانت الوحيدة التي ترفق بحال آيرس وترعاها كما لو أنها من صلبها.


بعد الليلة الرعدية الطويلة خرجت آيرس من غرفتها تبحث عن مونا لتسألها أن تأتي لها بكتاب جديد فلقد إنتهت من كل الكتب التي لديها حتى حفظتهم. أطلت برأسها من الزاوية لترى ما إذا كان هناك شخص في الارجاء، ولكن كالعادة لا وجود لأحد الممرات خاليه و مظلمة في القسم الغربي. اتجهت آيرس إلى غرفة الخدم لتجد أحد الخادمات و تسألها عن مكان مونا لتخبرها بأنها في الحديقة الخلفية.

ترددت آيرس كثيرا قبل الخروج ، وقفت طويلا أمام عتبة الباب، بين القصر المظلم و الحديقة المليئة بأشعة الشمس ورائحة الازهار. لم تخرج آيرس من قبل خشية من أن تراها والدتها. قبضت على قلبها عندما هبت رياح لطيفة تربت بلطف على بشرتها و ترفرف لها تنورة فستانها. نظرت آيرس نحو قدميها بقلق ثم عادت ادراجها لتركض نحو غرفتها بخوف. ركضت بأسرع ما لديها حتى تعثرت قدميها قبل أن تصل إلى سريرها لتصدر صوتا عاليا بوقوعها. دفنت وجهها بين ذراعيها، قلبها لازال ينبض بقوه. 

" آيرس ! " عندما فتحت مونا الباب وجدت آيرس مستلقيه على الارض مما دفعها للقلق و الاسراع إليها. حملتها نحو صدرها واضعه يدها الدافئه على خدها المزهر. " أنا بخير، فقط سقطت لأنني ركضت" أخذت بيد مونا و نظرت لعينيها بخجل.

" هل آذيتي نفسك ؟ " 

هزت برأسها و وقفت تساعد مونا على النهوض، ثم حضنتها بلطف.

" مونا"

" ماذا؟"

" أريد كتاب يتحدث عن الرياح" قالتها و هي تنظر عاليا نحو وجه مونا. " أهذا فقط؟"  ربتت مونا على رأس آيرس.

 " نعم"

أصبحت ايرس متعلقة بالعالم الخارجي أكثر فأكثر بفضل الكتب التي تحضرها مونا لها. رياح، مطر، شمس، و أشجار تتغير ألوانها مع تغير الفصول، بدى العالم ساحرا من بعد عتبة الباب الضيقة. أصبحت آيرس تتوق للخروج من قصرها الخانق، ولكن غلال الخوف أبقتها خلف الخط الفاصل بين الظلام والنور.

 منذ ذلك الوقت وهي تقضي الكثير و هي تستند على الجدار الذي يقابل الباب المؤدي للحديقة الخلفية. 





ما هو لونك ؟حيث تعيش القصص. اكتشف الآن