كانت عائشة تساعد بسملة بتحضير مائدة العشاء بالحديقة كالمعتاد ليدخل السيد فرحات ملقيا التحية عليهن:" عمتن مساءً أيتها السيدات ! يبدوا الطعام شهيا كالمعتاد فرائحته الزكية لفحتني من بوابة القصر سلمت الأيادي !"
عائشة:" مساء النور عمي شكرا لك "
بسملة:" أهلا و سهلا سيد فرحات تفضل بالجلوس ! عائشة إذهبي و نادي منية و فارس للعشاء ! هيا لا تدعي عمكي ينتظر !"
فرحات:"شكرا لكِ لكن أين فردوس أنا لا أراها تساعدكم !؟"
بسملة:" لم تعد بعد من السينما مع نزار"
فرحات:" ظننت أنكم ذهبتم جميعا رفقة نزار و ليس فردوس فقط !"
بسملة:" كنا سنذهب لكن ظرفًا صحيًا طارئًا منعنا من ذلك"
فرحات:" خير إن شاء الله ما الذي حدث ! هل أصاب أحدكم مكروها !"
كانت ستجيبه فقاطعها فارس بنظراته ليسكتها بعدما وضع عكازه جانبًا و جذب الكرسي لوالدته لتجلس بمساعدة عائشة ثم جلس و ألقى عليه التحية مغيرًا الموضوع:" عمي فرحات أهلا بك ! كيف حالك "
أجابه فرحات متفاجئًا من منظره:" أنا بخير بني، أنت من تبدوا لست بخير ! ما الذي أصابك ما كل هذه الكدمات هل تعرضت لحادث ؟ و ما بال السيدة منية تبدوا مريضة هي الأخرى هل أصابكم مكروه ما !"
فارس:" إنه مجرد حادث صغير عمي لا تقلق أنا بخير، و أمي المسكينة عندما رأت حالتي نزل ضغطها قليلا تعرف قلق الأمهات و كيف يبالغن ههه "
فرحات:"الحمد لله على سلامتكم ! قدر الله و ستر سيدة منية لا داعي للقلق ها هو إبنك يجلس قربك بخير و الحمد لله !"
منية:" و نعم بالله..."
بسملة:" هيا دعونا من هذا الكلام الآن و إبدؤوا الأكل قبل أن يبرد لقد حضرت لكم أطعمةً شهية و المفضلة لفارس هيا تفضلوا !"
فرحات:" إبدؤوا أنتم بالصحة و العافية دعوني أتصل للإطمئنان على فردوس أولا !"
كان هاتف فردوس يرن بينما كانت تنزع الخوذة لتجد نفسها بنفس تلك الربوة المطلة على البحر و نور القمر فقط من يضيئ المكان فهتفت بتوتر بعدما وجدت أباه المتصل:" لما أتينا إلى هنا نزار ألم أقل لك أعدني للقصر ! أنظر أبي يتصل لا بدى انه عاد و لم يجدني ماذا سأقول له الآن !! "
نزار:" إهدئي فردوس سنتحدث قليلا ثم نعود هناك أمور يجب أن تعرفيها قبل عودتك لبيتك غدا، ردي على والدك الآن و أخبريه أننا لازلنا بالسينما ننتظر نتيجة المسابقة و لن نتأخر كثيرًا أعدك !"
غضبت من رده لتصرخ به:" ما الذي سنتحدث به أكثر نزار ماذا !! ألم أعطيك جوابي قبل قليل ما الذي تريد قوله الآن أيضا ! تأتي بي إلى هذا المكان الخاوي ليلا و تريدني أن أكذب على والدي و تقول إهدئي كيف سأهدأ هااااه !!"
إقترب منها ليمسح على كتفيها بلطف محاولا تهدئتها قائلا:" فردوس إهدئي قليلا أرجوك ألا تثقين بي ! هذا أنا نزار و لست فارس ! نزار إبن عمك المجنون بك الذي لا يمكن أن يضرك و لو كلّف الأمر موته و لست فارس الخائن إنظري جيدًا و أمعني النظر فردوس هل تخافين مني !"
حركت رأسها نافية ليسترسل :" إذن ردي على والدك لأنه بدأ يقلق و أخبريه بما قلته لك و دعينا نتحدث قليلا لو سمحتي !"
سمعت كلامه و ردت على والدها و طمأنته ثم جلست قربه على حافة الربوة قائلةً:" قل ما عندك هايا أنا أستمع إليك تفضل !"
نزار:" أتذكرين عندما أتيت بك إلى هنا قبل أيام و سألتني كيف إكتشفت هذا المكان و أجبتك أنني إكتشفته بفضلك ! لم أكن امزح عندها ....فقد إكتشفته بفضلك فعلاً ...قبل أربع سنوات لم أكن أعرف معنى الحب و لا كيف يكون طعم الحرمان و الشوق، لكن بقدومك جعلتي قلبي ينبض حبا لأول مرة....برائتك و عفويتك، ضحكتك الساحرة و نظرة عيونك الآسرة جعلتني أعشقك رغم أنك لم تكوني لي، فارس سبقني إليك و أخذ قلبكِ كما إعتاد أن يأخذ مني كل شيء جميل ...رغم أنني حاولت أن أمنع هذه المشاعر أن تجتاحني لكن ذلك الشعور بداخلي لم يسمح لي بذلك فلطالما كان هناك بداخلي صوت يخبرني أنه لا يستحقك لطالما أحسست أنه سيجرحك و يكسر قلبك مثلما كان يفعل بلُعَبِي بالصغر يأخذها مني و يتسلى بها ثم يمل منها و يكسرها ...لكن كل العائلة كانت بصفه كيف لا و هو الولد الهادئ و العاقل و الذي إتبع مسار أبي رحمه الله ليصبح مدير المصنع و أنا ذلك الفتى الطائش المجنون ألذي لا يعول عليه، ...رغم كل ذلك إلتزمت الصمت و قبلت على مضض قرارهم بخطبتك له و كذّبت إحساسي، وضعت ملحًا على جرح قلبي و تألمت بصمت، كنت أتخذ هذا المكان مؤنسا لي أتخيل صورة وجهك الجميل بين النجوم و أحاول سماع صوتك بين أمواج البحر ..." كانت سترد عليه لكنه وضع سببابته على شفتيها بلطف لإسكاتها قائلا:"لا تقاطعيني فردوس ! دعيني أكمل لو سمحتي"
أحست برعشة بكل جسمها بمجرد لمسه لشفتيها لكنها سرعان ما إبتعدت عنه و أحنت رأسها فرفع ذقنها و نظر بعينيها ليسترسل:" لا تبعدي عيونك عني و لا تحرمني من حلاوة عسلهما فقد تكون هذه آخر مرة نلتقي فيها دعيني أحفظ تفاصيل هذا الوجه الملائكي أرجوكِ ...! "
أحست بشعور جميل يتغلغلها و هي تنظر بعينيه العاشقتين لكنها تغاضت عنه و نهضت هاتفة:" هذا يكفي نزار لن أسمح لك بالتأثير عليا بكلامك هذا ! انت إبن عمي فقط و لن تكون بيننا أي علاقة حب فلا تحاول عبثا و إلا ستخسر حتى صداقتي !..." ثم إتجهت للدراجة و إرتدت خوذتها لتردف:" هيا أعدني للقصر لو سمحت لقد تأخر الوقت !"
نهض نزار غاضبًا و إتجه نحوها لينزع خوذتها صارخًا:" لن تذهبي قبل أن تسمعي كل ما سأقوله فردوس ! لن تذهبي قبل أن تعرفي كم عانيت بغيابك و كم خسرت !....أتذكرين ذلك اليوم الذي إتصلتي فيه بي تسألين عن فارس كان ذلك أسعد يوم مؤلم بحياتي، لم أصدق أنني أسمع صوتك بعد أشهر من الحرمان حتى قلقك عليه لم أتحمله ! ضغطت على جرحي لأسعدك و ذهبت للمصنع من أجلك لم أتحمل أن أراك تتألمين لجفائه ! حتى عندما دخلت المكتب ووجدت ذلك الوغد يقبل سارة لم أستطع إخبارك بخيانته تحملت الصدمة و الألم وحدي ! كنتي تتصلين بشدة من خوفك عليه بينما كنت أنا أتخبط غضبًا و حزنًا عليكِ ...لم أسكت عندها و فضحت فعلته الدنيئة لكل العائلة لكنهم كذّبوني و صدقوه كالمعتاد كيف لا و هو إبنهم العاقل الوفي و أنا الغيور الكاذب ...لم أستطع تحمل كل ذلك الظلم عندها و تركت البيت، خسرتك و خسرت عائلتي بسبب خيانته و عندما كُشف أمره و تركك ليخطبها إعتذروا و طلبوا عودتي لكن الآوان كان قد فات عندها فلم أكن أستطيع العودة و رؤية وجه معذبك كل يوم و لم يكن أي مكان يسعني لذلك قررت أن أسافر و أجوب كل زاوية من زوايا الوطن، علني أستطيع نسيانك من خلال ممارستي لهوايتي لكننك لم تخرجي من قلبي و تفكيري و لو للحظة واحدة...و آخر شيء توقعته أنني سأراك عند عودتي بهذا الحال !...صحيح أنكِ إزدتي جمالا و رقةً لكن عيونك فقدت لمعتها و إبتسامتك فقدت سحرها كنت أشعر بألمك و إنزعاجك منه و لم أستطع أن أتركك تتعذبين بعدما أخبرتني أنه يلاحقك لتعودي له، ذهبت و أبرحته ضربًا و تركته مرميًا لا يقوى على الحراك لأشفي غليلي و أنتقم لك منه ...نعم لقد كان شكك صحيح فلم أسقط من الدراجة و لم أتعرض لأي حادث بل شجاري معه هو سبب هذه الكدمات على وجهي ..."
كانت تستمع إليه مصدومة و الدموع تملئ مُقلتيها لم تتوقع يومًا أن هذا الفتى البشوش يحمل كل هذا الألم بصدره و لم يخطر ببالها يومًا أنه قد يحبها بهذا الجنون، نفذت منها الكلمات و لم تجد غير الدموع لتعبر عن ألمها عليه، إقترب منها و أخذ يمسح وجنتها فهتفت بصوت محجرش:" أنا آسفة ...حقًا آسفة ... "
أنزل يده على فمها لمنعها من مواصلة كلامها قائلا بلطف:" أوشششت... لا تتأسفي فردوس ! أنت لم تفعلي شيئًا سيئًا بل جعلتني أجرب لأول مرة بحياتي أرقى إحساس بالعالم و هو الحب، و هذا أجمل شيئ قدمته لي و تستحقين الشكر عليه فلا ذنب لك بذلك ...أنا أردت فقط أن تعرفي الحقيقة لا غير ...هيا خذي خودتك الآن و دعينا نذهب قبل أن يقلق عليك عمي أكثر "
أنت تقرأ
ثأر الزمن (بقلم أميمة )
Romanceفقدان عزيز عليه جعل منه شخصا بارد ذو قلب قاسي، و لقائه بها حوّله لعاشق مجنون، لكن صراعه بين ماضيه و حاضره، بين فقيده و حاضنه، و بين حبه و مرضه جعله ينتقم منها، و يشعرها بإحساس الفقدان مثله، فتركها جسد بلا روح، عذراء بلا شرف، وأنثى بلا عاطفة. " لك...