جزء بلا عنوان 2

10 0 0
                                    


في الوقت الذي تعتبر هذه القصيدة من أجمل قصائد زوجي "إبراهيم يلدا "، لما فيها من شاعرية المعنى وقوة اللغة ولما لهذه القصيدة من وقع تاريخي على حياتي وكأنها أكثر من قصيدة .

كنت في العشرينات من عمري بعد أن أكملت الدراسة الجامعية ،وككل الفتيات كنت أحلم بمستقبل زاهر ،كنت بسيطة المظهر ومتواضعة .. لكن أحلامي كانت كبيرة كنت أجدها صعبة المنال في تلك الفترة .. وفيما يخص شريك حياتي كنت أتمناه آشوريا ذا ثقافة واسعة ومطلعا سياسيا على ما يجري على الصعيدين الوطني والعالمي ،والأهم في كل هذا أن يكون واثقا من نفسه ، جميل الأخلاق ووسيم الشكل وأن يحبني أكثر مما أحبه .. كنت أعرف في قرارة نفسي أمنية كهذه ربما تكون تعجيزية ؛إلا أني كنت اأحلم بها ...

في ذلك الوقت كنا : أنا وإبراهيم من بين الأعضاء في النادي الثقافي الأشوري في بغداد،وكانت علاقتي به لا تزيد على المناقشات في الأدب والشعر والسياسة..ولم تتطور أكثر من ذلك.. ولكن !

في إحدى الأمسيات الشعرية التي أقامها النادي سنة 1971 لا زلت أتذكره حين اعتلى المنصة ليلقي قصيدته "الموت والميلاد" ،لا زلت أتذكر شعوري في تلك الأمسية ،وكم تمنيت في قرارة نفسي أن يكون هو الشخص الذي أبحث عنه ،تمنيته أن يكون شريك حياتي لأقضي ما تبقى من عمري معه .. وكم تمنيت في حينها أن يبادلني نفس الشعور إلا أني قلت مع نفسي أن شاباً وسيما ومثقفا مثله بإمكانه أن يغري أجمل الفتيات ؛ولا أعتقد سأكون أنا البسيطة والمتواضعة مؤهلة للفوز به .

وبعد انتهاء الأمسية الشعرية تجمع المهنئون والمعجبون وأنا منهم حول إبراهيم ليعبروا له عن مشاعرهم تجاه القصيدة ... بعد الحديث وتقديم التهاني له ، سمعت أحدهم يناديني باسمي المصغر " شام " تفاجأت من يكون هذا الذي يعرف اسمي المصغر والمحصور بأفراد عائلتي وحدها ... وإذ به يسألني عن رأيي بالقصيدة ، قلت له بارتباك شديد خشية من أن يكشف مشاعري نحوه فقلت :

- قصيدة ممتازة ...

ثم قال : وماذا بعد .. لأني يهمني جدا رأيك كونك أنت التي كنت معي في المركب الصغير المشار إليه في القصيدة ...

صمت والفرح يملأ قلبي ولا أدري ماذا أقول من خجلي !

وفي مساء يوم ـــ/6/2014 وبعد مضى 42 سنة على زواجنا وكأننا في احتفال تجديد ذكرياتنا ومسيرة حبنا التي بدأت مع قصيدة "الموت والميلاد" بليلة شتائية هادئة جميلة نستمع فيها الى موسيقى تركية ، وكنت في حينها مقبلة على عملية جراحية ، وإذ بـ "أوراهم" يقول لي ولأول مرة "بعد العملية عليك ترك العمل وحيث يستطيع الأولاد الاعتماد على أنفسهم ولهم عوائلهم وحياتهم حان الوقت لنفكر بأنفسنا .. لقد تعبتِ من مزاولة العمل لفترة طويلة ، ها قد حان الوقت للراحة .

ذهبت إلى فراشي لأتأمل قوله .. وفي الصباح وحيث كان إبراهيم بكامل قواه ولم يشكُ من شيئ وهو يسألني إن كنت بحاجة لشئ ما.. وحين أراد الخروج لفت انتباهي مشيته الثقيلة ؛سألته وإذ به يقول إنه يحس بضعف في ساقيه سألته إن كانت هناك آلام أخرى وإذ به يحدق بصمت ، ولأني كنت أعمل في شعبة الإنعاش في إحدى المشافي تلمست حالته وعلى الفور نقلته إلى المشفى للعلاج وها هو بفضل الله يتعافى ...وبعد مرور سنة على مرضه وكثرة انشغالاتي برعايته إلا أني كنت دائمة التفكير بأعماله الأدبية كونه لا يستطيع مزاولة كتاباته ... اتصلت ببعض الأدباء الأشوريين لإنشاء رابطة أو جمعية أو اتحاد الأدباء ... إلا أني لم أفلح... بكيت في يوم ما بسبب خوفي من أن تضيع أعمال زوجي التي صرف من أجلها عمرا طويلا وهي مرمية على الرف ولأني صديقة عمره لا بد لي أن أحرك ساكنا ، كانت أولى محاولاتي الاتصال بالرابطة الشعرية ـ مقرها لبنان ـ طالبا منهم نشر قصائده بلغتها فكان الرد مرحبا بالفكرة مقترحا علي الشاعر "صلاح حسنين" وله كل الشكر والتقدير ترجمتها الى العربية كون زوار ومشاركي المنتدى ممن يجيدون ويكتبون العربية ..

فأرسلت لهم قصيدة "الموت والميلاد" وهي مترجمة إلى العربية ،ونشرت وكنت أحس بأني قد ملكت الدنيا لأني خطوت الخطوة الأولى من أجل إسعاد زوجي ورفيق الدرب ففكرت بايجاد من يكون متضلعا باللغتين السريانية والعربية الا اني كنت اجد نفسي في نفق مظلم فمن اين لي ان اجد من يسعفني للحفاظ على هذه القصائد من خلال ترجمتها لاكثر من لغة ... كنت حائرة وإذا بالزميل الشاعر بولس شليطا يقول لي بان الاديب نزار حنا الديراني يسأل عن الشاعر إبراهيم يلدا فاتصلت به وإذ يفاجئني بانه ترجم قصيدة للشاعر اوراهم يلدا وهو يأمل لمراجعتها من قبله قبل نشرها في كتاب انطلوجيا الشعر السرياني هو لم يكن يعلم بصحة زوجي ... احسست في حينه انها هبة من الله نزلت علي وبعد الحديث بينت له ما اصبوا اليه ولم اجد من يقدم لي هذه الخدمة وإذ به يتطوع لترجمة مجموعته الشعرية الموت والميلاد لتسديد جزء مما قدمه الشاعر اوراهم يلدا لأمته وشعبه ولغته ... ففرحت لاني احسست باننا لازلنا بخير فهناك من يستعد وبلا مقابل ان يعيد لاوراهم جزء مما قدمه ...

فأنا باسمي وباسم زوجي إبراهيم نقدم شكرنا وتقديرنا لكل من مد يده لتصافح قلم وقلب إبراهيم ؛وكل من يقدم ما بوسعه من أجل تراثنا ومن بينه أعمال اوراهم وهي اليوم ملك ودين برقبة شعبه ،ومن حق الآخرين أيضا أن يتمتعوا ويرتشفوا من حب وتطلعات "اوراهم" من أجل الإنسان أينما كان على أمل أن نجد من يقوم بنشرها وترجمتها إلى اللغات الأخرى وهي سلاحنا لجعل الآخرين يحسون وجودنا وإلا سيكون مصيرنا الزوال ..

واليوم وبعد مرور 44 سنة على زواجنا وما زلنا كما كنا في حينه ،متلهفين بالشعر والشأن القومي ولدينا ثلاثة أبناء وسبعة أحفاد وما زالت جذوة المحبة مشتعلة بيننا ولم تخفت وكأننا التقينا للتو واللحظة في 1971 .

أمريكا ـ شيكاغو - شباط /2017

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Nov 25, 2019 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

قصيدة "الموت والميلاد" وحكاية حب!Where stories live. Discover now