"شرود عظيم"

205 28 15
                                    




- -

اختفى بعيدًا عن منزلها يشد على معطفه يسير للمحطة يتفحص جيبه ليتأكد بأنه يحمل هاتفه ، تحسسه وعاد للشرود انتظر إشارة المشاة لتسمح له بأن يعبر ، عاد للنظر لما خلفه ويتمنى لو أنها لحقت به .

"لا داعي للندم" فكر في كلماته التي سخر منها في عقله فهو يمارس الندم كل ثانية في حياته ولكنه يزيف مشاعره عندما يتعلق بهذا ، لعله يحمي نفسه من الإدراك الذي سوف يدفنه حيًا ويهوي به لأعماق اليأس تنهد فور سماح الإشارة تخطى الكثير من المحلات والبشر والحيوانات الأليفة على الرغم من كثرتهم لا أحد يكترث هل أنت تعيش سعيدًا أم لا !.

لا أحد شعر بأنه مخفي ويخترق الأفواج كروح بلا جسد ، قام بأخذ حقيبته من الخزانة بعد ضغط كلمة المرور ، انتظر قطاره بصمت استمر في التحديق بالمارة كائنًا من كان لعل أحدهم يشعر بما يقتله ليسأله هل أنت بخير؟ مجرد سؤال سوف ينقذه من هذه الدوامة ، ولا أحد تحدث أو سأل .

شعر باهتزاز هاتفه فور وصول القطار ، فُتحت الأبواب استقام لسحب حقيبته ولكنه أراد تفقد هاتفه قبل دخوله بشدة كافح رغبته عندما لاحظ كثرة الراكبين ليصعد على عجالة ولا يجد مقعدًا شاغر ليجلس على حقيبته بهدوء ويحدق بهاتفه .

"لقد نسيت تناول قهوتك " أراد تلك الرسالة بشدة ولكنها لا تسأل عن حاله وقام بالرد " أنا بخير " سخر من رده فهي على الأرجح سوف تعتقد بأنه بخير لعدم شربها فقط ولكنه أراد قول أنه بخير أو ربما هو ليس كذلك .

"أنا في الطريق للمنزل "
"أتمنى لك حظ طيب " تركت ردها بعد دقيقه كامله من قراءة رده ، سخر من ردها لأنه يبدو وكأنه قد اختير للذهاب للحرب والجميع يتمنى له الحظ الطيب والعودة سالمًا ، فكر للحظة بعد شروده هل هو حقًا جندي في هذه الحرب النفسية؟

أغلق هاتفه واراد بشده أن يشرد تفكيره وينسى هذه الفكرة ففي كل مره يتخيل فيها رده فعل عائلته يجد نفسه راغبًا في إفراغ مافي معدته ، الخوف من عدم الاكتراث له يرعبه فالوحدة بشعه والنبذ أبشع ماقد يمارسه بشري على أحدهم ، استمع للمحطة القادمة وفكر للحظة هو يملك الوقت وكل الوقت في اتخاذ قراره والامتناع عن الإفصاح حرية ، سخر من نفسه وأفكاره الصلعاء هذه .

تأمل من حوله لمدة طويلة أراد أن يحادثه أحدهم أو يتشاجر معه أي تواصل قد يخفف من حدة ما يشعر به، يقابله رجل في عقده الرابع أو الخامس يرتدي زيًا مرتبًا وكأنه راحل للقاء حب حياته مصففًا شعره بدقه ويحمل على فخذيه حقيبة ورقيه وبجانبه على أرض القطار حقيبته الشخصية لاحظ يونغي المحدق به وابتسم وظهرت اسنانه المرتبة ابتسامه قصيرة المدة ، لم يستطع يونغي أن يردها له بسبب إحراجه من كونه حدق به لمدة طويلة وكأنه فقير أخلاق  .

توقف القطار عند محطته الأولى ، لم تكن وجهته بعد وانتظر لربع ساعة حتى يتوجه القطار للمحطة الثانية ، من حوله يتغيرون بين الفترة والأخرى رغم ازدحام القطار هذه العربة لم تكن كالبقية فهي تميل للهدوء لا وجود للأطفال ، أو مراهقين صاخبين ، تلك الظروف هيأت له شرود عظيم حدق طويلًا في أنامله ويود بشده أن يتحدث مع أي شخص ، رفع عيناه ولم يحالفه الحظ لا أحد يحدق به ، خلع قبعته الشتوية لعل لون شعره يجذب نظر أحدهم ولكن محاولته بأت بالفشل .

رفع هاتفه وحدق طويلًا بجهات الإتصال وأصدقائه ، لماذا هربت مجددًا ؟ لماذا ؟ تسأل عالمًا الإجابة وكان هذا اشبه بحيرة غريبة ، لماذا قطعت علاقاتي وهربت ليصل للفكرة النهائية ، لما كبرت ضعيفًا خائفًا من الاعتراف بهذه المشكلة؟
تفقد حساب نامجون وحالاته والصور التي نشرها عن المتاحف التي يزورها ، وتلك الحرف اليدوية التي يزاولها عندما يجد وقت فراغ على الرغم من ضيق يومه فهو يجد وقتًا لما يحب وهذه مهارة يفقدها يونغي ،أكمل التصفح ليجد بعض الصور له مع جونغ كوك سعيدان بيوم الكاريوكي ، الغناء بصخب ، والبحث عن الوقت السعيد .
لماذا لست موجود في هذا الإطار السعيد ؟
لماذا تم استبعادي ؟
استبعادي ؟ هذه فكرة جديده فلقد قمت بعزل نفسي وهذه هي نتيجه أفعالي .

ولكن ألا يجب على الأصدقاء أن يتفقدوا صديقهم ؟
سخر من قدره على لومهم عندما تذكر بأن أخبرهم بنفسه بأنه انتقل لمساعدة عائلته ، ألم يكن واضحًا لهم بأنني لا أحبهم ولا انتمي لهم ؟ لماذا لا أحد في هذا العالم يدرك هذه المعضلة التي تجعلني أرغب في البكاء في هذه المقطورة بلا توقف .

هل يمكنني الحصول على تذكرة للحياة الأخرى بسلام؟
لربما كان الحال أفضل، عندما يملك فرصة للبدء من جديد بدون أي ذكريات ، وخبرات ، وعلاقات سابقة ، والأهم هو بناء جديد لشخصيته وعائلته.

قضى وقته يفكر بلا توقف حتى وجد الخريطة على سقف القطار تشير إلى مسقط رأسه ، لا وقت للعودة تمنى لو أنه امتلك ليلة واحد فقط ليفكر بعمق وأمنيته تلك تحققت عندما وجد نفسه أمام مكتب تأجير غرف صغيرة يوميه ، أخذ حقيبته وتوجه للمصعد وقام بضغط الدور الثاني ، حصل مسبقًا على المفتاح وتفحص الغرفة للحظات لا شيء مميز ، ممر قصير ضيق يكاد يكفي لجسده يقود لغرفة النوم يتوسطها في البداية سرير زوجي بغطاء أبيض ، رائحة الغرفة كانت جيده جدًا مقابل سعرها الزهيد تفقد رائحة الغطاء وكانت ممتازه رفع رأسه ليتسنى له رؤية ما على الجانب الأيمن من الممر دورة مياه .

فكر في الاستحمام ولكنه مرهق على أن يقاوم هذا السرير على الرغم من أنه أفاق من ثملته البسيطة في أول الليل ولكنه يعاني من صداع من أفكاره تلك .

ساعة وسبعة وعشرون دقيقة كانت الفترة التي استغرقها القطار من بوسان لديغو ليصل لمنزل عائلته هو على الأحرى يحتاج لربع ساعة إضافية للبحث عن وسيلة نقل .

ولكن ليس اليوم ، الهروب من كل شيء هو هوايته التي لا يمل من ممارستها ،الهروب من عمله ، وأصدقاءه ، وعائلته ، وأخيرًا من نفسه وشياطينها ، الهرب كان حلًا مؤقتًا ينزل السكينة في قلبه المفجوع وعقله الضائع .

ترك نفسه للنوم وأعلن استسلامه فلقد كان يومًا طويلًا .

- -

Lesson 4 | الدرس الرابع (Yoongi fanfic)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن