هم باردون كنسمات الهواء الباردة ، هم مؤلمون كألهبة الشمس الحارقة ، هم لا يملكون ضمير ينبههم ولا يستطيعون تحريك قلوبهم كالحجر ، هم يتوقون ليصنعوا مدينة للحزن ، لم يعرفوا معنى السعادة يوما ، يعيشون في الضلام الدامس ، و يخافون من النور الضعيف ، مأكلهم الوحيد هو الشوك و شرابهم الطين ، ينامون على الأرصفة و خلف الجدران و تحت المكاتب و وراء الحقيقة ، يسقط واحد منهم فيتركونه ليموت بسلام وحده و في وقت الشدة يظهرون أمامه لأجل مساعدتهم ، يحملون خلف وجوههم الضاحكة حزن عميق لم يسبق لبشر تحمله ، ويختبوؤن خلف الأقنعة المزيفة وخلف الكتب القديمة و في السرداب المهجور ، صوت صغير يفزعهم بشدة بينما لا يتأثرون بالأصوات الكبيرة فقلوبهم لم تعتد على الهدؤء يوما ، لهم أدمغة صاخبة يتقاتلون فيها ، و عيونهم اسودت من ألم الأحزان العميقة ، لم يتعلموا الحديث يوما بل كلمه وحيدة يتحدثون بها وهي " انا أسف " يرددون ها على مسامعهم كل ليلة ، الليل كألبوم حزين بالنسبة لهم ، الحرية بالنسبة لهم كطائر مقتول حاول الطيران و أصيب برصاصٍ مجهول ، كطلفة تلهو وراء فراشة في حقل مليء بالألغام ، كبكاء طفل رضيع اشتاق لحضن اُمة ، كهتاف رجل علق في حفرةٍ مجهولة، اليأس أكل جلودهم ، و الرحيل بالنسبة لهم بداية السعادة ، نهاية الحزن، هم متشبثين بماضيهم ملتصقين به و يرفضون الابتعاد عنه ، بارعون في التخفي و فاشلون في إظهار أنفسهم ، تراهم كُل يوم في محطة القطار وفي الشارع و الحفلات الموسيقية و خلف البنيات الضخمة ، تحت السور و فوق الذهب ، يمرون في ذاكرتنا كُل يوم مرار الكرام و لانستطيع تذكرهم ، موجودون في كل الأماكن و الأزمنة ، خلف الوجوه الضاحكة ، انظر حولك!..