الفصل الثاني

150 12 4
                                    

تلك الليلة الداكنة منذ خمسة أعوام ، كان ديسمبر ٢٠٢٥
كنت قد استيقظت للتو من كابوس فظيع ، كانت تمطر في الخارج بغزارة كما يحدث دائماً في أفلام الرعب ، صوت المطرة كان واضحاً لأن غرفة النوم تحتوي الشرفة أو البلكونة من بين ثلاثة غرف في تلك الشقة المتواضعة
حاولت النوم و نسيان الأمر ولكنني ظللت أتذكر تلك الأحداث من حلمي
لقد كنت أقوم بقتل الناس .. إنه أمر بشع و كنت أقوم بذلك الأمر بكل تلذذ و سعادة غريبة ، كأنني كنت شخصاً آخر ، حاولت نسيان الأمر حتى الصباح .. و لقد كان ليلاً طويلاً بحق
عندما تتأمل عقارب الساعة وهي تمر  تصبح عقاربها خجولة من الحركة أمامك ، يطول الوقت حتى تفقد صوابك و تكاد تكسر تلك العقارب
لم يخطر ببالي ولو للحظة أن أحاول الرسم حتى الآن ، بالماضي عندما كانت جدتي على قيد الحياة أحبت رسوماتي التي كنت أرسمها ، لكنني عندما كبرت كونت فكرة غريبة عن الرسم ، أنه هواية للضعفاء أو للبنات أو أنه بلا فائدة .. الكثير من الأمور التافهة تحدث معنا في سن الثالثة عشر
أردت أن أنسى تلك الشخصية التافهة التي كنت عليها وقتها ، ذلك الطفل الإنطوائي الذي لا يعرف أحد ولا أحد يعرفه
عندما أشرقت الشمس أخيراً الساعة السادسة صباحاً كنت مستيقظاً و نشيطاً و مرتدياً ملابسي و أجهز الإفطار ، إنه ليس بالأمر الجلل عندما تكون وحيداً لأن زوجتي عهد لم تشاركني الإفطار منذ سنة تقريباً أو أكثر
فقط حبوب الإفطار و بعض اللبن البارد من الثلاجة ، ولا يوجد صبر لتجهيز الغلاية الكهربية أو الكاتل لعمل كوب واحد من الشاي
أخذت أوراقي و غادرت الشقة التي كانت في الطابق الثالث في إحدي الأبنية  السكنية في زهراء المعادي بالقرب من محطة المترو
دخلت المترو و كنت أنتظر القطار .. كنت أقف بعيداً كعادتي منتظراً قدوم القطار و عندما بدأت تلك اللمبات الحمراء بالوميض و ذلك الصوت الذي يعلن عن إقتراب المترو إقتربت ، ومر بقربي شخص و من ثم وقف أمامي و أنا الذي كنت أظن أنني مقترباً كفاية لكنني أخشى الموت تحت عجلات ذلك القطار ..
استقللت المترو ، إلى خط المطار حيث تلك المحطات الجديدة
لا أستغرق كثيراً من وقتي لأصل لمكان عملي ،  إنه بالقرب من مطار القاهرة .. إنه سجن المطار
إنهم بارعون حقاً في بناء السجون الجديدة ، و أكثر براعة في ملئها بالمذنبين
عملي صعب و غير تقليدي ، أنا طبيب نفسي وظيفتي هي تقييم حالة بعض المتهمين و تقرير مدى صحتهم العقلية كأخصائي نفسي .. إذا كانوا أشخاص عاديين مذنبين بحق أو مجرد أشخاص مرضى فعلو ما فعلوه تحت تأثير مرضهم النفسي ، قراري بذلك يترتب عليه تحويل المتهم إلى لجنة خاصة لتقييم حالة الشخص و تقرير إما تحويله إلى مستشفى الأمراض العقلية ليتعاجل ويصبح عضو فعال في المجتمع أو يتقرر أن الشخص طبيعي و يتم تطبيق العقوبة المقررة عليه في السجن أو إعدامه إذا كانت القضية قضية قتل كما هو الحال مع قضية عاصف وذلك ما حدده المكمة في النهاية
كنت في مكتب التحقيق الذي أعمل فيه دائما و أقابل أخطر الأشخاص في المجتمع ، تلك الغرفة التي لا تحوي غير تلك الطاولة المعدنية الطويلة في وسطها والتي من أحد أطرافها تخرج منها تلك السلاسل المعدنية لتقييد أيدي المتهمين و فقط الخطيرين   و تلك الإضاءة البيضاء الساطعة التي تغمر تك الغرفة
جالساً أنظر إلي نبيل والذي يجلس مقابلي مقيد من يديه .. لا أجد الكلمات لأسأله ، تركت الأوراق و نظرت إليه منذهلاً و سألته " نبيل إنت قتلت جارتك صح " أومأ برأسه موافقاً فأكملت " وجدوا جثتها متقطعة و محطوطة في أكياس داخل تلاجتك " فأجاب بنعم
أكملت مجدداً " كنت بتفكر تاكلها ، أكلت منها حاجة "
نبيل " أجزاء كدا " و هو يبتسم كاشفاً عن أسنانه البشعة ، كانت بشعة بحق
أخذت أتفحص أوراقه ، فكرت أن أكمل أسألتي له ، لكن هل سيشكل الأمر فارقاً في تقريري إذا سألته ما هي الأجزاء التي تناولها أو كيف أكلها و كيف شعر حيال الأمر .. إنها وظيفية سيئة بحق ، كرهتها و كرهت حياتي ، وكل يوم فكرت في أن أتركها ، لقد كان هذا أسوأ أيامي بحق
أمرت الحراس بأخذه .. و بدأت أتفحص أوراق المتهم التالي
كنت أجلس في مكاني في مواجهة الباب حين طرق الباب و دخل حارسان من السجن ممسكان بينهم رجل في مثل سني في الثلاثين من العمر تقريباً و في نفس طولي تقريباً ١٩٠سم و لكنه كان ذا بشرة فاتحة و شعر رأس و ذقن كثيف
أجلسوه على الجانب الآخر من الطاولة و قيدوا يديه بقيود الطاولة الحديدية و بعدها أشرت لهم بالخروج و بدأت بتصفح ملفه و تصفح أوراقي حيث الأسئلة التي أطرحها و التقييم
أخرجت علبة السجائر من جيبي و عرضت عليه

عدالة باللون الرماديحيث تعيش القصص. اكتشف الآن