العالم الرمادي

43 3 0
                                    


حسنا ..  لم أُرد يوما العيش في هذا الكوكب التعيس ! ، ولكن لا بأس بذلك فتحت وسادتي قطعة شوكولاته داكنة خالية من السكر أخبئها عن والديّ، ولكنها تفي بالغرض ، تجعلني أشعر بقليل من البهجة على الرغم من وجهي اللذي لن يظهر عليه ذلك أبدا ..

في كل صباح أنتظر هدير القطار اللذي سيقلنا ..

تيتوك .. تيتوك

بوقع متسارع وبهدير مزعج ، ولكنني اعتدته ، أنا أتوجّه لمدرستي ، ووالداي لعملهما ، قلّما
نفتتح حديثا جانبيا في المقطورة اللتي نجلس فيها بعيدا عن ،الدراسة، العمل ، المال ، النجاح  ، التنظيم، أشعر وكأنني آلة خاوية ..
في الحقيقة .. كان الجميع كذلك ،  ولعل الكوكب كله هكذا !

قوانين العمل القاسية تفرض علينا أن نكون تعساء ، إما العمل وإما التشرد في الأزقّة ، لذلك كان على الجميع السير وفق القوانين ، العمل فقط ، لا لعب ، لا متعة ، لا ضحك ، لا إضاعة للوقت في جميع هذه التفاهات على حد تعبير القانون ، مؤخرا أصبحت شرطة المدينة تحرر مخالفات لمن يبتسم أو يضحك، بدعوى أنهم يهدرون الوقت الثمين ، حتى أنا و صديقاتي أصبحنا ننسى المتعة في اللعب ، هذا إن كنا نلعب أساسا ، لا وقت للعب هذا ما كان يقوله الكبار ..
يجب أن ندرس ونجتهد حتى نتمكن من حجز مكان لنا في المجتمع ..

وكأنني أكترث !!

وفي يوم من الأيام بين تلك الأبنية الرمادية المملة ، كان هنالك بيت مهجور منذ زمن ، لم يعد أحد يلحظ وجوده فالجميع مشغولون بأعمالهم ، كانت قد توقفت بجانبه سيارة ، نزلت منها عجوز طاعنة في السن ، ترتدي ألوانا كثيرة في ملابسها الغريبة ، أجبر ذلك المارة على الوقوف لينظروا إليها ، أخذت هي تبتسم لهم وتلوّح بكلتا يديها حتى أن رجال الشرطة حرروا مخالفات للجميع ، ولكنهم تجاهلوها فهي كبيرة في السن ، لن تقوى على العمل أو أن تفيد في شيء .
ما اللذي كان يجعلها سعيدة لهذه الدرجة ؟!! تبادر ذلك السؤال لذهني في كل صباح قبل اللحاق بموعد القطار .

بعد مدة قصيرة لاحظت أن ذلك البيت لم يعد مهجورا ، بل أصبح بقعة خضراء تتدلى منه أوراق الشجر والورود الحمراء والبيضاء الجورية الرائعة ، كانت روائح الياسمين تنتشر في المنطقة المحيطة بالبيت ، وغزل الصوف أيضا كان يملؤ المكان تنسيقا مختلفا ، كان ذلك الغزل يحتوي رسومات جميلة وكأنها تتسلسل لتصنع قصة من نوع ما .
كاد الفضول يقتلني لأدخل إلى هناك ، وخاصة أن أمي منعتني من الإقتراب بعد أن اقترحت عليها زيارة جارتنا الجديدة، ولكنها رفضت بشدة ، ووصفتها بمضيعة للوقت والجهد ، وقد يكون هذا ممنوعا ، لنحصل على مخالفة نهاية الأمر !

وفي يوم من الأيام مرض أبي ، واضطرت أمي للجلوس بجانبه وأخذ إجازة يوم واحد من العمل ..

فخرجت لوحدي إلى المدرسة ، كان عقلي يقودني للمضي نحو القطار حتى لا أفوّت الموعد ، ولكن قلبي بدا شغوفا يدفعني للخلف تملكه الفضول ، حتى همس صوت في داخلي .. إنه يوم واحد فقط !، لن يحصل شيء سيّئ بسبب يوم واحد ! .

عند اكتمال القمر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن