تجلس هاميس على آريكة قديمة يعلوها نافذة كبيرة، تستند عليها رأس هاميس بينما تتابع عيناها الطريق بالخارج، يكسو وجهها حزن دفين و مشقة ألقت بها الحياة على قلبها و لكنها تخفى كل هذا خلف بسالتها المعهودة، مازال يحزنها كونها فقدت والدتها و معينها الوحيد، هى ليست تلك المرأة المنكسرة التى تستسلم سريعًا بل تعلم فى قرارة نفسها أنها بمئة رجل ممن تعدهم الحياة رجال
- عملتلك فنجان القهوة اللى بتحبيه، علشان يروق مزاجك
قالتها سيدة فى مقتبل الخامسين، تحمل صينية عليها فنجان قهوة و تتقدم نحو هاميس لتضع الصينية على الطاولة أمامها ثم تجلس إلى جوار هاميس، مدت يدها تربت على يد هاميس و كأنها تعتذر لها بالنيابة عن قساوة العالم، بدت سيدة حنون، بشوشة الوجه و طيبة القلب
قبلت هاميس يدها قائلة : ربنا ميحرمنيش منك يا حاجة زينب
نظرت لها السيدة بعتاب تبعته بقولها : حاجة تانى .. مش قولنا ماما.. ماما زينب
ابتسمت لها هاميس بلطف فهى بالفعل تعدها والدتها الثانية، لقد كانت خير رفيقة لوالدتها منذ وطأت قدماها هذه العمارة ثم خير معينة لها بعد وفاة والدها و الآن خير أم لها بعد وفاة والدتها
أمسكت الحاجة زينب بالفنجان تعطيه لهاميس مُرِفقة إياه بابتسامة حنونة، أخذت منها هاميس الفنجان بابتسامة شاكرة لتبادر الحاجة زينب بالحديث قائلة : القضية اتأجلت بردو
اومأت لها هاميس ثم قالت : ايوة
الحاجة زينب : غيرى المحامى ده لو كان و لا بد يعنى
هاميس : ليه يا ماما كدة .. ما هو بيعمل اللى عليه و بعدين القهوة مبقتش تجيب كتير الايام دى و أحنا مش قد اتعاب محامى جديد
الحاجة زينب مواسية : معرفش يا بنتى ده كله كان مستخبيلك فين بس هرجع أول انتوا أهل و ..
وضعت هاميس القهوة على الطاولة بضيق ثم قالت مقاطعة : متقوليهاش .. أنا مش ناسية اللى عملوه مع أمى لما راحت لهم بعد موت أبويا
تنهدت زينب تفرغ ما اعتراها من ثقل ثم قالت محاولة تخفيف نيران هذه المسكينة : يا بنتى وقتها حاجة و دلوقتى حاجة، أمك غريبة عنهم بس انتى من لحمهم يا هاميس و لو عمك و أخوكى محنوش فجدك هيحن
ردت عليها هاميس بآنفة قائلة : تصعب عليا نفسي يا ماما و انتى عارفة إن نفسي عزيزة
تعلم أن بعض الصواب يحالف هاميس، تعلمها أكثر مما قد يعملها أى شخص أخر، تعلم أنها تضع كبريائها فوق كل شئ، تفضل الموت على أن تتذلل لأحدهم، تحرقها النظرات المشفقة أكثر من تلك الكارهة و لكنها رغم ذلك تخشى عليها بطش الكراهية و قسوة الحياة لذا قالت و هى لاتزال تحاول اقناعها : عارفة يا هاميس ..طب ايه رأيك تخدى الشيخ صبرى معاكى و تروحيلهم و تتفاهموا و إن شاء الله القلوب تصفى
أنت تقرأ
" هن و هاميس "
Romanceعندما يجتمعن بالحياة فتسقط كل منهن في إناءٍ طائرٍ، يحملها على ظهر حمامةٍ بيضاء لا أعين لها إناءٌ من الحبِ المقيد بين تلك الخاضعة و هذه المتمردة، القوية و الضعيفة، السمينة و اللصة، العاشقة و الهاربة. إناءٌ يعلوه غطاءٌ من الكبرياء، الغدر، الانتقام و...