الفصل التاسع

40 6 1
                                    

أفضل ما تعطيه لنا الحياة هو أشخاص نحبهم و أسوأ ما تؤذينا به هو أن تأخذهم منا ..
كنت أحاول أن أعرف لماذا إنتحرت عهد ، تساءلت هل رأت رسمتي لصورة الفتاة من حلمي ، لكن الرسمة كانت كما هي ، قلت في نفسي هل رفعت صورتها و رأت تلك الصورة تحتها و حزنت لكنني لم أعرف أنا فقط كنت أتساءل ، هل هذا الأمر هو ما جعلها تحزن لهذه الدرجة ، هل هناك أمر لم أعرفه .. قررت أن تنتحر بعد أن حسبتها عادت أخيراً إليّ ، لماذا تفعل الحياة هذا معنا تعطينا الأمل في الأمور السيئة ثم تسلبنا كل شيء حتى الأحلام ..
هل طرأت عليها الفكرة حديثاً أم أنها كانت تقاوم تلك الفكرة منذ العام و نصف الماضيين .. لماذا فعلت هذا ؟ كنت أسأل نفسي ولست أنا من يمتلك الإجابة .. لكنني بالتأكيد مذنب ، لم أحاول كفاية .. تسلل إليّ إكتئآبها و توقفتُ عن المحاولة
حتى ظنت أنها غير مرغوب بها في هذه الحياة
كيف تقرر أن تستسلم هكذا ، كيف تتخطى حاجز الخوف من الموت بكل بساطة هكذا ، سمعت كثيراً قصص عن الإنتحار عن شباب و شابات بسبب دراستهم الثانوية و عن شباب أكبر بسبب دراستهم الجامعية
و قصص رجال قرروا الإنتحار للهرب من الفضائح أو التعرض للذل بسبب دخول السجن أو فقدان أموالهم .. إنها قائمة طويلة يتربع عليها إنتحار العشاق الذين لم يتمكنوا من الزواج بسبب مشاكل الأهل أو تلك الأشياء التي إعتقدتها جميعاً تافهة
لأنك عندما ترى الأمور بطريقة أوضح تدرك أن العالم لا يتوقف عند مشكلة بعينها. تباً للمشاكل مهما كانت كبيرة و مضنية و سيئة و مهما كنت غارقاً فيها لن أنتحر ، لن أستسلم ، إما أن أقاوم و أصمد حتى ينتهي الأمر  و إما أن أهرب ، إنها حقيقة لديك دائماً خيار أن تترك كل هذا و ترحل إلى أبعد مكان عن مشاكلك و هناك قد أواجه مشاكل جديدة .. و بإمكان الجميع الهروب
خلقنا بفطرة تجعلنا نخاف من الأشياء المُضِرة السيئة .. كل خوف في النهاية يجعلنا نتجنب الموت ..
نخاف الموت  إلا إذا كنا متدينين و مؤمنين عندها لن نخاف إلا من عقاب الخالق سبحانه و تعالى .. إن كنا قريبين و مؤمنين لن نفكر مطلقاً بالإنتحار
كنت أجلس في شقتي سارحاً في تلك الأفكار عن الموت و الإنتحار و أستقبل بين الحين و الآخر القادمين لتعزيتي .. فريد و ياسمين قاما بالكثير معي ، قاموا بتنظيم كل شيء .. و وقف فريد معي جنباً بجنب و كتفاً بكتف .. لم يكن لدينا الكثير من المعارف ، عهد كانت يتيمة الأب و الأم ، من جاء ليعزيني فقط كان خيلانها وخالاتها لم يكن لديها سوى عم واحد وكان يعيش في السعودية اتصل فقط
جاءت بعض زميلاتها في المستشفى كُنّ على علاقة بها قبل أمر العملية
و جاء زملائي في العمل و بعض من جيراننا قاموا بتعزيتي وهم واقفون ..
إن الأمر كان يشبه وضع علامة في تلك الخانة الفارغة في ورقة الإجابة دون أن تنتبه إلى ما تكتبه ، إنه تشبيه غريب قليلاً لكن بمعنى أبسط يمكن القول أن محاولة تعزية الأشخاص الغريبة التي لا تعرفني كانت لا تتجاوز تبادل السلام فقط و إبداء الحزن تلك اللحظة
و جاء أبي و أمي و أختي الصغيرة التي كانت في الثانوية العامة
في الساعة العاشرة ليلاً لم يكن هناك أحد غير أبي و أمي و أختي و فريد و ياسمين
ذلك الوقت حينما كانوا يظهرون حزنهم لي كنت أنظر إليهم أحسدهم على حيواتهم .. كيف تمكن أبي من إنجابي أنا و سارة أختى بدون تلك المشاكل ، كيف يغضب فريد و ياسمين من بعضهما ثم ينسون الأمر و يعودون لحب بعضهما من جديد .. حسدت حتى سارة الصغيرة لأنها لم تقابل أي مشاكل حقيقية حتى الآن في حياتها .. كنت أحسدهم لكنني أيضاً كنت أتمنى لهم الخير .. لقد كنا أنا و عهد سعيدين في وقت ما ، كان الناس ينظرون إلينا و يتوقعون أننا ربما سنحكم العالم أو سننجب أطفال يحكمون العالم .. كانوا ينظرون إلينا و يحسدوننا على تلك السعادة
قرأت مرة على الأنيستا حكمة في صورة .. أننا ننسى فقط اللحظات الجميلة  ، لم أنتبه للكلمة و ضحكت عليها وقتها الآن صرت خائف من تلك الجملة ، خائف من ألا أجد في ذاكرتي تلك اللحظات السعيدة التي مررنا بها أنا و عهد
عندما وجدت أن الأمر إنتهى طلبت من فريد و ياسمين الذهاب لشقتهم
وطلبت من أبي و أمي العودة بأختي للمنزل ليستقبلوا العزاء هناك من أقاربي في الفروع البعيدة .. الناس الذين ترتبط واجباتهم مع أبي
بعض الناس يعتبرون هذه الأمور واجبات لابد من ردها حتى لو لم يعرفوا الميت شخصياً ..
العزاء و الجنازات التي نقيمها هي من أجل الأحياء .. ما نعطيه للموتى هو تذكر اللحظات الجميلة معهم و الدعاء لهم

عدالة باللون الرماديحيث تعيش القصص. اكتشف الآن