كانت تلك الكلمات تتردد في دماغي باستمرار (عاصف قتل أكثر من خمسة بكثير ) لم أكن أتذكر بالتحديد هل ذكرت كلمة ( بكثير ) أم أن عقلي إختلقها
جالساً على الكافيه تحت المنزل و أدخن تلك اللعنة التي لا أنفك أبتعد عنها
فوجئت بفريد يقف أمامي ، أسند يديه على تك الطاولة للصغيرة أو الترابيزة
ثم جلس
فريد " رجعت و فكيت جميل لكن رجعت تاني للبتاعة دي ، إنت فاكر إنك لما ترجع تدخن تاني هتغير العالم يا نضال مثلاً .. أنا مش عايز أقولك أكتر من كدا "
قمت برمي السيجارة و نظرت له " يارب تكون ارتحت "
ابتسم فريد " فين العلبة كلها "
نضال " خليها إحتياطي كدا ، و سيبني في حالي يا صاحبي ، أنا دماغي وجعاني "
فريد " كدا ، وأنا اللي كنت جايبلك خبر يفرحك "
نضال " خير "
فريد " اللوحات و الرسومات بتاعتك عجبت ناس كتير و ناس مستعدة تدفع فيها مبالغ قيّمة .."
كان الزهول يمنعني من الكلام بينما استمر فريد مكملاً " أنا من رأي نعملك معرض صغير كدا ، بص متشيلش هم المكان أو أي حاجة .. في ناس عجبتها لوح معينة و ممكن نعمل عليها مزاد في المعرض "
نضال " تمام حلو جداً .. خلاص اتصرف إنت ، شوف هتحتاج إيه و أنا معاك .."
فريد " تمام يا دكتور نضال .. على البركة .."
صمت قليلاً لحظات كنا نستمع فيها للنشرة على الكافيه ، عن أحداث حرب الصين و حرب سوريا المشتعلة ، و في مصر عن أبرز حدث و هو خبر قرار إعدام السفاح "
فريد " العالم كله بيولع ، بيحترق .. الدنيا باظت "
نضال " تخيل الدنيا كلها بايظة و إحنا في مصر معندناش مشاكل غير قضية السفاح ، يا ترى بعد ما يعدموه هيتكلموا عن إيه "
فريد " عندك حق فعلاً ، كإن مفيش أي مشاكل أو جرائم تانية في مصر .. عارف الموضوع شبه الأفلام بتاعت باتمان كدا .. كل تركيزهم على جرائم الجوكر وكإنه المجرم الوحيد في غوثام ستي " و نحن نضحك
نضال " كإنهم فاكرين مثلاً إنهم لو تجاهلوا المشاكل الحقيقية هتختفي ، هنصدق إننا معندناش أي مشاكل فعلاً "ثم ساد صمتنا فجأة ليقطع الصمت فريد " لسة معاك لبان نعناع ، تشيكليز "
أخرجت علبة من جيبي ، نظرت جيداً وجدتها تلك العلبة التي أخذتها من عهد تلك العلبة لازالت معي ، أحملها دائماً في جيبي لكني أخطأ أحياناً و أخط بينها و بين الآخرين ، أعدتها و أخرجت علبة أخرى ، أخذت حبة و ناولتها لفريد
فريد " لسة محتفظ بيها ، خليها في جيب وحدها "
نضال " كانت فكرة غلط أساساً إني أفكر أبطل السجائر باللبان كدا "
فريد " هي فكرة جميلة مش وحشة ، غير بس نوع اللبان أو خليها في جيب لوحدها .. كانت فكرة مين فكرة هي "
نضال " فكرة دكتور عاصف ، السفاح اللي بيقولو عليه .. تعرف يا فريد أنا روحت و قابلت زوجته .. قالتلي إنه قتل ناس كتير فعلاً "
بدا على فريد التعجب قليلاً " روحت قابلتها في بيتها " فأومأت فأكمل " عرفت بيته منين ، هو ده من البيانات اللي عندك "
نضال " يوم المحكمة ، راقبتها لحد ما وصلت لشقتها "
فريد " نضال إنت مهتم بالموضوع ده أكتر من اللازم شوية تقريباً ، إنت سامع لنفسك ، سامع كلامك ، بتقول راقبتها .. أكيد بحثت لحد لما عرفت زوجته و كون إن تراقبها عشان تعرف مكانها دي حاجة مش عادية "
نضال " الموضوع لما بتقوله دلوقتي بتحسسني إني عملت حاجة غريبة أو غبية "
فريد " و هي كدا فعلاً حاجة غريبة و غبية بجد .. إنت وظيفتك إيه في الأساس ، مش إنك تعمل تقرير و خلاص ، مالك بكل ده "
نضال " أنا عارف كلامك ده ، بس كان عندي فضول أصدق قصته إنه مش هو السفاح و إن السفاح الحقيقي بره حرّ طليق "
فريد " أولاً يا نضال مش شغلانتك دي ، مش وظيفتك ، في ناس مسئولة عن البحث و التحريات و التحقيق ، متشغلش دماغك بحاجة زي دي ، إنت عارف ممكن اسمك يتحط جوة الدايرة "
نضال " دايرة إيه "
فريد " دايرة الشك ، و تلاقيهم بيحققوا معاك بدون أسباب ، حتى لو مفيهاش حاجة هتبقى جبت لنفسك الكلام على الفاضي "
نضال " ما علينا من الموضوع ده .. أنا في حاجة محيراني جداً ، لو هو عارف إنه كدا كدا هيتعدم ، هو بنفسك قالي مش هتقدر تساعدني ، وإعترف على نفسه بخمس جرايم ، و مطلبش مني أي مساعدة ولا أي حاجة ... إيه اللي يخليه يكدب عليّ "
فريد " هما المجرمين كدا ، أغلبهم مجانين يا نضال ، مش أنا اللي هقولك يعني ، و إنت كتبت في تقريرك كدا أكيد ، خلاص إنسى بقى "
نضال " مش مجنون يا فريد ، دماغه زي و زيك بالظبط .. ولا حتى مريض نفسي .. مش عارف إيه اللي يخليه متمسك بقصته دي ..."
عندما وجدت علامات الضيق من كلامي على وجه فريد أكملت " أنا عموماً أخدت قراري إني أستقيل من الوظيفة دي ، بس بفكر في اليوم اللي هروح فيه أقدم استقالتي "
فريد " هي فكرة كويسة إلى حد ما برضو ، يعني إنت عندك فكرة هتعمل إيه بعد كدا ، في حاجة في دماغك. "
نضال " هكمل دراستي و أبحاثي .. رسالة الدكتوراه ، و هقدم بيها ، و لحد ما أخلص أكيد هلاقي شغل في أي مستشفى "ومرت دقيقة من الصمت قطعها فريد بسؤاله
" بس تعتقد إنه عنده خطة هروب ؟!!!"
أنت تقرأ
عدالة باللون الرمادي
Ciencia Ficciónيقول فرانسيس بيكون " يميل المرء للإعتقاد بما يفضل أن يكون صحيح" لم تعد هناك ألوان بيضاء و سوداء .. أصبح كل شيء باللون الرمادي و أصبح الصواب و الخطأ متداخلين إلى حد كبير إذا لم يكن هناك أي دليل على الجريمة ولكنك تعرف الجاني و تعرف أنه سيلوذ بالفرار...