من الصعب جداً أحياناً أن تتجاهل أفكارك التي تفكر بها ، من الصعب أن تحاول إبداء شيء غير الذي تفكر به ، أن تحاول التركيز على شيء أو على حديث أحدهم بينما هناك تروس تعمل داخل دماغك لتنتج فكرة مختلفة
طوال فترة جلوسي على مائدة الطعام كنت مشغولاً بعنوان ڤيلا تسعة و من يسكن هناك .. لم أنتبه إلي كلمات و حديث فريد و ياسمين رغم أنني حاول أن أنتبه و بذلت الجهد لكنني كنت لا أزال أتابع هاتفي ، أنتظره أن يرن ..
وبالفعل رنّ الهاتف ، رقم غريب .. رددت
" دكتور نضال السيد حسين .. "
أجبت بنعم فأكمل " حضرتك طلبت تقابلني شخصياً ، مش عارف حضرتك تعرفني منين أو حاولت تقابلني ليه و كمان سيبتلي لوحتين موقعين باسمك "
أجبت " أنا أعرف حضرتك من صديق قديم و كنت عايز أقابل حضرتك بخصوص موضوع معين "
فأكمل ذلك الشخص كلماته " إنت جذبت إنتباهي يا دكتور و صراحة عندي فضول أقابلك .. "
أجبته " حضرتك أنا ممكن أكون أجيلك دلوقتي لو وقتك يسمح "
أجابني أنه بإنتظاري ، استأذنت من فريد و ياسمين و غادرت
أوقفت سيارة أجرة و تحركت
أمام الفيلا استقبلني نفس الرجال الأربعة الضخام ، قاموا بتفتيشي جيداً ثم مررت من جهاز كشف كذلك الموجود بالمطار ثم اصطحبني أحدهم إلى داخل ذلك البهو الضخم .. في تلك الساحة كما لا أعرف وصف غير ذلك إنها حيث تدخل ذلك المكان و تجد تلك المساحة الكبيرة بسقف عالي يصل للطابق الثالث و سلمين كبيرين للطوابق العليا و كمية كبيرة من الزخارف و التحف
لكن ما جذب إنتباهي هي صورة كبيرة لشخص يمسك بندقية بيده واقفاً فوق جثة أسد ميت ، بينما كنت أنظر للصورة التي يضعها كأنها أعظم إنجازاته
لمحت ذلك الشخص نفسه ينزل من السلالم من إحدى الغرف
كان في العقد الثالث من عمره ..بشعر قصير ولحية بسيطة وقد سبغ كلاهما بالأبيض الرصاصي حتى حاجبيه ، يضع الهاتف المحمول على أذنه و كأنه يتكلم عني .. تقدم نحوي بإبتسامة مصطنعة و هو يراني أنظر إلى تلك اللوحة و إليه
ثم تكلم " دا أول أسد أصطاده .. أعرفك بنفسي أنا دانيال أيوب و متهيألي يكفي الاسم الثنائي بس ، لعلمك يا دكتور قليلين بس هنا في مصر يعرفوني .. عندي فضول أعرف صديقك ده اللي يعرفني "
أردت الكلام فقاطعني
دانيال " أنا عارف عنك كل حاجة من قبل ما تدخل هنا ، من أول ما بتقرب من البوابة بتاعت القصر و الكاميرا بتجيب صورتك و في ثواني كل المعلومات عنك بكون عندي "
بدأت أبلع ريقي بصعوبة .. تحرك إلي أكثر و وضع يده على كتفي و تحرك معي إلي غرفة في ذلك البهو أو تلك الساحة بجانب السلم .. دخلت و وجدته قد علق لوحة فتاة الكابوس على الحائط حيث المكتب في تلك الغرفة .. طلب مني الجلوس و تحرك و جلس على المكتب و أكمل
دانيال " أفترض إنك تعرفني ؟! "
نضال " صراحة لأ ، أنا بس .. " أردت أن أكمل لكنه قاطعني
دانيال " صراحة لأ ... براڤو ، بجد أنا بقدر الصراحة " استدار و نظر خلفه للوحة
و أكمل " أفترض إنك تعرفها ؟! "
نضال " تقريباً "
دانيال " عارف يا دكتور ، أنا محتفظ بصورة الأسد بره لأنه أول أسد أصطاده ، أنا من عيلة بتحب الصيد ، عارف لو تاني أو تالت أسد أو حتى آخر أسد إصطدته مش هعرف أميزهم عن بعض ، الأسود كلها شبه بعضها " و ضحك عند ذلك الجزء الأخير ، ثم أكمل " لكن أنا لو شوفت أول أسد ده أعتقد إني أقدر أميزه ، في حاجات كدا بيكون ليها طابع خاص
و صاحبة الصورة دي من الحاجات اللي كان ليها طابع في دماغي ، تخيل تكون عندك ذكرى عن شخص في دماغك متتوقعش إنك ممكن لما تشوفه تفتكره أبداً ، لأنك عمرك ما تتوقع إنك هتقابله أبداً "
نضال " حضرتك مصري !؟!!! "
دانيال " هي أحياناً المعرفة بتكون خطر على صاحبها " صمت قليلاً ثم أكمل
" جدودي مصريين ، مصريين يهود ، لما رجعتلنا أرض الميعاد و ناديتنا لبينا نداءها .."
نضال " إسرائيل !!؟!"
دانيال " إسرائيل ، في وقت جمال عبد الناصر سافروا و سابوا مصر ، عارف مصر برضو جزء من إسرائيل بطريقة معينة ... إتولدت هناك لكن الدم اليهوي المصري جابني هنا .. " قبض على شفتيه و أكمل
" تعرف إنك لما تقتل حد في المياه الدولية مش هتتحاكم في مصر "
ضحكت من كلمته ، تلك الضحكة التي تحمل داخلها السخرية
فبادلني الضحك هو أيضاً
إعتدلت في مكاني و إعرتني الشجاعة
نضال " بالنسبة للبنت اللي في الصورة ، إزاي تعرف واحد زي حضرتك "
دانيال " كنت فاكر إن المفروض تكون عارف "
نضال " أنا عارف إنها إنضرب عليها النار قبل كدا ، و كنت أعرف واحد للأسف إتعدم من يومين كان بيهذي علطول و يقول إن في سفاح بيقتل الناس حرّ طليق "
و انطلق يضحك بصوت عالٍ و بشكر هيستيري ، و قال بعض الكلمات التي لم أفهمها و هو يضحك ثم تابع بالمصري
دانيال " إنت باين عليك دكتور نفسي شاطر بجد ، يعني صراحة مكنتش أعتقد إن لسة فيه مصريين أذكيا ، إفتكرتهم خلصو من ٧٣ "
نضال " تقدر تقول سلالة الرجالة اللي هدت بارليف " تلك الكلمة التي أخفت ضحكته
دانيال " مش هتبرها جلسة علاج نفسي هعتبرها جلسة قمار و هحكيلك و رهاني إنك تحاول تستفيد منه بحاجة ..
مليت من صيد الأسود ، الأمر مكلف صراحة .. جربت أصطاد بني آدمين ، عارف إحنا كدا كدا بندوسهم برجينا ، أرخص أنواع البني آدمين .. تخيل في أنواع كتيرة .. عارف أفضل مكان لاقي فيه بأرخص سعر في الدول العربية ، الفقيرة .. الدبابات بتدوس أطفال الفلسطينين في طريقها في و الناس بطلت بكى من زمان ، بقيتوا موضة قديمة .. جربت أقتل ناس جديدة و دفعت شوية كتير الصراحة عشان أقتل شوية صينيين مسلمين هربانين من الحرب ، لقيتها في مرمى نيراني .. وقفت ثواني أفكر أقتلها ولا لأ أضربها في قلبها ولا في دماغها .. ترددت فإحتارت رصاصتي
مع إني قتلت كتير جداً بس عمري ما هقدر أفتكر حد من اللي قتلتهم ، حاولت أبطل إدماني ده لكن مقدرتش ، بحس بمتعة رهيبة وأنا بسلب حد حياته .. شعور بفتقده لما بتعدي الأيام بدون قتل "
أخرجت من جيبي لبان التشيكليز و نظرت له و أنا أبتسم " جرب التشيكليز "
جملتي تلك سلبته تلك السعادة و الاستعراضية اللذان كان غارقاً فيهما
نضال " عموماً يارب تعجبك اللوحات ، هدية مني .. بس اكتب في وصيتك إنهم يرجعولي لأني مش هدخل مزاد على لوحاتي ، حاول تختفظ بيهم متبيعهمش "
دانيال " مش ممكن تموت قبلي ؟! "
نضال " تحسباً يعني .. كلانا هنموت في النهاية " و غادرت ، و بينما أنا أخرج
سمعته يتكلم خلفي
دانيال " من غير ما تستأذن حتى "
رفعت سبابتي لأعلى و حركتها في حركة تنم عن النسيان ، دون أن ألتفت
نضال " آسف جداً .. عن إذنك " و بينما أخرج وقف أمام الحراس
دانيال " المفروض إني أعتبر ده قلة قيمة بس هسمحلك تمشي بأمان ، عارف ليه "
استدرت له " عشان أجرب رهانك .. ولا إنت بتخاف "
ابتسم و قال " عد أيامك " و أشار بأصابعه في شكل مسدس
أنت تقرأ
عدالة باللون الرمادي
Ciencia Ficciónيقول فرانسيس بيكون " يميل المرء للإعتقاد بما يفضل أن يكون صحيح" لم تعد هناك ألوان بيضاء و سوداء .. أصبح كل شيء باللون الرمادي و أصبح الصواب و الخطأ متداخلين إلى حد كبير إذا لم يكن هناك أي دليل على الجريمة ولكنك تعرف الجاني و تعرف أنه سيلوذ بالفرار...