الحلقة الرابعة والعشرون
أعتدل جلسته في لهفة وإهتمام شديد ثم صاح في دهشة كأن فكرة خطرت على باله :
- إيه ! طنط فريدة !! .. ازاي الفكرة دي تاهت عن بالي .. أكيد قضى اليوم كله في المقابر .. أنا قايم أروحله
قال الأخيرة وهو ينهض، فأنتفضت سمحية لتقول بخوف :
- أجي معاك؟
صاح بها بإنزعاج :
- مينفعش يا أمي تيجي فين .. هروح أنا أطمن عليه .. ده من امبارح على الحال ده
صاحت بنفس النبرة:
- خد بالك من نفسك يابني
أردف مسرعًا :
- حاضر يا حبيبتي .. يلا سلام دلوقتي
خرج مسرعاً وجلس هي على الأريكة تدعو بقلق :
- ربنا يحفظكوا يابني من كل سوء .. وترجعولي محفوظين إن شاء اللهأستقل سيارته وقاد مسرعًا نحو المقابر .. قرابة عشر دقائق كان هناك، فمقابر العائلة بالقرب منهم .
وصل إلى المقابر .. مساحة كبيرة وهائلة جدًا، مكونة من ثلاث بوابات كبيرة، ركن السيارة أمام البوابة الثانية التي تؤدي إلى مقابر عائلته .
الشارع ساكن تماماً لا صوت فيه ولا حراك .. دخل البوابة مسلطًا نور كشاف هاتفه وسار به مدة خمس دقائق .. سكون تام وضلمة موحشة للغاية، صوت صرصور الليل يصدر صداه من شدة السكون .. الرياح تهفهف الزرع المنبت حول الشواهد بصوت يقشعر الأبدان .. بالإضافة إلى شكل الشواهد ليلًا كان مرعبًا حقًا، ولا نخيب الظن فكان أمير يرتجف من داخله فهو يكره هذا المكان بشدة .
إلى أن وصل لقبر السيدة فريدة .. ذُهل من المشهد الذي رأه أمامه .. يوسف يجلس أمام الشاهد أو بمعنى أصح نائم عليه ووجه مخفي تمامًا .
إقترب نحوه وبدأ يوقظه بهدوء شديد :
- يوسف .. يوسف .. فوق يابني إللي جابك هنا ؟ .. يوسف فوق
قام برجه وهز رأسه حتى يفيق إلى أن أستيقظ ولم يكن قد أكتمل وعيه بشكل كامل، فلا يرى من أمامه .. ألا نور الكشاف مسلط على عيناه بقوة شدية جعلته يغلقها بسرعة وهو يقول :
- مين .. أنت مين ؟
صاح به أمير بصوت هامس :
- أنا أمير .. قوم معايا
أستسلم يوسف له وبالفعل نهض معه وقام بأسناده إلى أن خرجوا تمامًا من المقابر .. وضعه في الأريكة الخلفية للسيارة فتمدد بتعب شديد .. فأدرك حينها أن ما مر به ليس بهين ورأ الكثير .. ركب أمير مسرعًا وقاد السيارة بسرعة جنونية وبين الحين والآخر كان ينظر للخلف للإطمئنان عليه .
وصلوا أخيرا للمنزل فنزل من مقعده وأنتشل يوسف من الخلف وهو يسانده إلى أن صعدا إلى باب الشقة .رن الجرس بسرعة كبيرة الأمر الذي قلق سميحة بشكل مخيف فأنتفضت مسرعة بفتح باب الشقة لترى المنظر المزري ليوسف أمامها .. فشهقت وهي تضع يداها على صدرها :
- يا ضنايا يابني .. إللي حصله ؟!
صاح بها أمير متلهفاً وهو يدخل متجهًا إلى الغرفة :
- بسرعة يا ماما كوباية لمون
ركضت سميحة بخوف وهي تقول :
- حاضر حاضر .. يا ستار يا ربجلس أمير بجواره وهو يضرب جبينه برفق، عيناه تفتح وتغلق بسرعة وتلقائية .. غير واع بعد ما حوله أو أين هو الآن .
قام بوضع العطر حول أنفه كي يستعيد وعيه وبالفعل بعد المحاولة أكثر من مرة بدأ يستجيب .
دخلت سميحة راكضة تحمل كوب العصير أخذه منها أمير وهو يسقى يوسف .. رشف عده رشفات ثم تنهد بألم وأنين :
- آآآآآه
بكت على حاله التي لا يرثي له وهي تتمتم :
- الله يسامحك يا هاشم في كل إللي بتعمله في عيالك ده .. قوم وديه للدكتور يا أمير ..
قاطعها يوسف بتعب :
- لا لا مفيش داعي يا عمتو .. أنا هبقى كويس
صاحت به بخوف وقلق :
- كويس ازاي يابني .. أنت مش حاسس بنفسك ؟!
أردف بتعب شديد :
- سيبيني على راحتي يا عمتو .. أنا تعبان محتاج أستريح شوية بس
بكت سميحة فنهض أمير من جانبه وأخذ والدته للخارج كي يستريح قليلًا وهو يقول :
- سيبيه يستريح دلوقتي يا ماما .. محتاج للراحة أهم حاجة يلا