مرت الليلة ثقيلة لزجة على نفوس الجميع .. لم تتوقف "فريدة" عن البكاء وهى تدعو لأخيها بالرحمة والمغفرة .. كذلك تأثر "عدنان" كثيراُ لفقد "مهند" .. فقد كان له بمثابة الإبن وليس ابن الأخ .. جلست النساء فى غرفة المعيشة يعلو وجوههم الحزن والأسى تدمع الأعين من حين الى آخر .. جلس الرجال فى المكتب برفقة "عدنان" يجرون اتصالات طوال الليل فى محاولة استعادة جثة "مهند" ودفنه باالقاهرة الأمر الذى كان شاقاً للغاية لعدم وجود امكانية نقل الجثث من حيث موقع المجاهدين .. بل وعدم وجود ثلاجات لحفظها .. فكان القرار أن يدفن "مهند" فى الأراضى السورية .. جلست "لميس" برفقة "سمر" التى أمر الطبيب بإعطائها مهدئاً بين الحين والآخر .. ومحاولة تخفيف الصدمة عليها .. انهمك الجميع فى التفكير بمصابهم .....
أما "يسرية" فقد ظل عقلها يعمل دون توقف عن سر تأثر "سمر" بخبر استشهاد "مهند" الى حد أن تفقد وعيها وتحتاج الى مهدئات للسيطرة عليها ! .. لكن الوقف لم يكن مناسباً لبحث أمر كهذا .. كذلك شعرت "لميس" بالدهشة وهى جالسه معها فى غرفة النوم .. تسمع همساتها وهى نائمة على الفراش الوحيد بالغرفة .. تلفظ بإسم "مهند" بين الحين والآخر وكأنها تنادى على حبيبها الراحل ! .. حاولت "لميس" أن تفهم همهمتها لكن صوتها كان خافتاً لا تستطيع سوى تمييز كلمة "مهند" .. نهضت "لميس" تتجول فى تلك الغرفة التى تدخلها فيما ندر .. نظرت بحسرة الى الأثاث الذى ينم عن ذوق رفيع والذى يصلح لعرسان جدد ! .. وقفت أمام التسريحة تتأمل مقتنيات "سمر" المرصوصة فوقها فى عناية .. شعرت بوغز الدموع فى عينيها وهى تنظر الى كل ركن فى الغرفة .. لا تعلم كيف واتتها الجرأة على .. فتح الدولاب .. التفتت تنظر الى "سمر" لتجدها تغلط فى النوم .. فتحت الدولاب الجرار وأخذت تنظر الى ملابس "عدنان" المرصوصة بعناية .. فتحت الجهة الأخرى من الدولاب ونظرت الى ملابس "سمر" وفساتينها القصير منها والطويل .. اغلقت الدولاب بسرعة وقلبها يخفق بشدة لا تدرى سبب ما فعلت لكنها تعلم أن وجودها فى تلك الغرفة يزيد من لهيب قلبها اشتعالاً .. عادت لتجلس بجوار "سمر" فلاحظت انها عادت الى همهمتها من جديد .. قربت أذنيها فإستطاعت تلك المرة أن تميز كلماتها .. قفز قلب "لميس" الى حلقها واتسعت عيناها فى دهشة وهى تسمع "سمر" تهمهم :
- "مهند" متسبنيش .. أنا بحبــك************************************************
جلس "دياب" يحرك الموبايل بين يديه شارداً .. بحث عن الرقم الذى أملته اياه "عاء" وأخذ ينظر اليه وهو يضع اصبعه على زر الإتصال فى تردد .. تنهد بعمق وهو يمعن التفكير فى تلك الخطوة التى تشغل عقله كثيراً فى الآونة الأخيرة .. أصبح الوضع لا يحتمل .. لم يعد يستطيع تحمل اهمال زوجته له .. وعدم تقديرها لمشاعره .. وكأنه جماداً وليس بشراً من لحم ودم .. تنهد بعمق وهو يسند ظههر الى الأريكة وهو يفكر فيما اقترفه من خطأ بتحميل تلك الصور والمقاطع الى هاتفه .. يعلم بجرم ما فعل .. وبالذنب الذى أوقع نفسه فيه .. بل وتقززت نفسه من أن يعيد الكرة مرة أخرى .. لكنه يخاف من نفسه .. ومن شيطانه .. يخاف أن يقع فى خطأ أكبر من مجرد ذنب تقترفه عيناه .. يخشى أن تبدأ باقى حواسه فى عصيان أمره .. وفى جره الى طريق لم يتخيل أبداً أن يفكر فيه فى يوم من الأيام .. ليس أمامه سوى حلين لا ثالث لهما .. إما أن يعف نفسه بالحلال .. وإما أن يلجأ الى الحرام ّ