طائر أسود

254 23 160
                                    

مزقني الشوق في غيابك، ثم يداك عندما حضرْت.
كل ما أود قوله، هو أن جهادك كان في سبيلِ باطلٍ.

____

قرص الشمس المشع يتوسط زرقة السماء، غيوم بيضاء مبعثرة كقطيع غنم ضل عن راعيه، نسمات مطمئنة تتسلل بين أوراق شجرة البرتقال التي غفا تحت ظلها أيهم طفل السادسة.

كان الجو يبث السكينة في النفوس، لكن لن ينكر سكان القرية أن الذعر يقطن هناك بين ثنايا أرواحهم، منذ متى يعم السلام في فترة تُقطَّع فيها الرؤوس والأطراف؟

حرب، سموها، حرب نفسية، تجعلك تجهل عدوك، وتخاف حليفك.


على صوت الغراب الأسود، أفاق أيهم، وأول ما لمحته مقلتاه كانت هيئة الطائر الغريب، حدق به لفترة، وشده لونه القاتم، اللون الذي لم يتناسب مع رونق اليوم الربيعي،
كان دخيلا، ضيفا غير مرغوب به، لكنه حمل معه خبرا لم يكن بالجيد، أنذر بيوم مشؤوم فتجاهل تحذيره الجميع. 

في أحد أيام السنة السادسة والثمانين بعد المائة التاسعة عشر، كان النشاط والفرح يدبان في تلك  القرية المتواجدة بهضبة كشمير الباكستانية، أطفال يداعبون حيواناتهم من كلاب ودواجن وخرفان، نساء يتداولن على طبخ أشهى الأكلات التقليدية ورجال منشغلون بالتحضيرات التي أبت أن تنتهي.

ما يميز القرى عن غيرها هو تموضع المنازل فيها بشكل عشوائي، خضرة الهضبة كانت ممتدة للأفق فتسحر عيني الزائر المعتاد على اكتظاظ المدينة، تبعثرت الزهور على البساط المخضر، فرشت عليه ألوانها، هنا تجمعت البرتقالية منها، وهناك اتخذت البنفسجية مضجعا لها، أبدع الخالق في تصويرها فكانت جنة على الأرض، جنة خضراء محاطة بلهيب الحرب.


إحدى الديار كانت جدرانها من الحجارة التي أضفت لمنظرها جمالا طبيعيا، كانت تطل على نهر صافية مياهه، نهر قبّلته السماء فلونته بزرقتها، فانتمى لها.


في واحدة من غرف المنزل الحجري، كانت الفتيات ملتفات حول بنت في العشرين من عمرها، بيضاء بشرتها، كان الخجل طاغيا على ملامحها، جفناها يحجبان حدقتيها السوداوتين عن الناظرين، كان خداها متوردين وشفتاها تلامسان بعضهما داستين خلفهما أسنانا مصطفة، حملت كل ما يميز جمال الإناث الباكستانيات ببساطتهن.


كانت تجلس على كرسي منخفض، والبنات يتكفلن بتزيينها.

بينما كنّ يتضاحكن، لاحظت إحداهن دمعة فرت من مقلتي البنت الحسناء
"فاطمة!" صاحت بها "كيف تذرفين دموعا يوم زفافك؟ هذا فأل سيء!"

رفعت فاطمة نظرها نحو من تكلمها، ثم ابتسمت بهدوء ومسحت دمعتها المتمردة، تدافعت الفتيات لمعانقتها، فبادلتهن باستسلام.

طائر أسودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن