أسباب الهزيمة النفسية التي يعاني منها غالب المسلمين

79 5 0
                                    


بسم الله والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى آله وسلم , ورضي الله عن محمد وعن آل محمد , وبارك الله على محمد وعلى آل محمد , اللهّم لا عيش إلا عيش الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة واحشرنا معهم برحمتك يارب العالمين .

إنّ النفس قد تتعرض لشيء من النكسات ,ولشيء من النكبات فتأثِّر على سلوك الجسد وعلى عطاء الإنسان ولا تقل المشاكل النفسية أهمية عن الأمراض الجسدية في الحد من عطاء الإنسان وفي الحد من عطائه الفكري والاجتماعي, وعلى الداعي والمربي وعلى الأم والأب أن يهتموا بالتربية النفسية السليمة لطلابهم وأبنائهم وأن يعطوها الاهتمام الكامل دون إفراط أو تفريط .
وسوف أسعى اليوم جاهداً بالقيام بتحديد علاج ظاهرة الضعف النفسي التي يعاني منها الكثير من المسلمين وطبعاً كما قلت سابقاً ,هذا الموضوع ليس بجديد فقد سبقني إليه الكثير الكثير من الدعاة وطلاب العلم- جلعني الله وإياكم ممن يطلب العلم من المهد إلى اللحد- ولكن لكل داعٍ أسلوبه الخاص ولكل داعٍ وجهة نظرة خاصة وسوف أقدم في هذا الموضوع رؤيتي وتوجهي لمعالجة هذا المعرض العضال وأرجو من الله أن يسدد خطاي وأن يجعل لساني ينطق بالحق والله على كل شيءٍ قدير.

علاج الضعف النفسي الذي أصاب غالب المسلمين :

دوماً من السهل علاج أي شيء مهما كان سواء أ كان مرضاً أم مشكلة أم غير ذلك ,  انطلاقاً من الأسباب المؤدية له , ويعتبر تشخيص المشكلة ومعرفة أسبابها نصف الحل ونصف العلاج , وكما تقول القاعدة الطبية الوقاية :خير من العلاج , وقد سبق ولله الحمد أن تحدثنا في المحاضرة السابقة عن أسباب الضعف النفسي الذي يعاني منه غالب المسلمين وللتذكرة والإفادة نعود ونذكر تلك الأسباب التي هي:
1- عدم الفهم الصحيح لسنِّة تعامل الله عز وجل مع الطغاة والمعتدين والظالمين.
2- عدم الفهم الصحيح لسنِّة تعامل الله عز وجل مع عباده المتقين .
3- عدم الفهم الصحيح لسنِّة وشخصية رسولنا الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم والاقتداء ببعض سننه وترك البعض الآخر.
4- عدم الفهم الصحيح لسنِّة الله في تداول القوى والانتصار في المعارك.
5- عدم الفهم الصحيح لحقيقة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله.
6- تعميم الخطأ والفشل في قضية ما على سائر القضايا والأمور المشابهة.
7- انتشار البيوع المحرمة وترك أبواب الجهاد والركون إلى الحياة الدنيا.
8- توليد الاستصغار في نفس المتربي وعدم الثقة بالنفس وتربيته على عدم الطموح والنقاش البناء والنقد الشرعي وتربيتهم تربية العبيد لا تربية القادة.
9- انعدام الطموح والنظرة المحدودة لخدمة الإسلام والعطاء للبشرية جمعاء.

والآن لنبدأ بعون الله وبهدي من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولتبسيط الموضوع سوف أذكر السبب وأذكر كيف يتم علاجه من أصله والوقاية منه قبل الوقوع به بإذن الله:
أولاً-  السبب الأوّل من أسباب الهزيمة النفسية هو :عدم الفهم الصحيح لسنة تعامل الله عز وجل مع الطغات والمعتدين والظالمين:
العلاج: هو المعرفة الصحيحة لسنة تعامل الله عزّ وجلّ مع الطغات والظالمين والمعتدين :  وقد بينت ذلك بفضل الله في المحاضرة السابقة ولكن لا مانع من الإعادة فالذكرى تنفع المؤمنين :
وذكرت أنني قد التقيت الكثير من المسلمين,  وكان سبب إعراضهم عن الله تعالى وعن الثقة والاعتزاز بدينهم وعقيدتهم , هو أنّهم تعرضوا لظلم عظيم , ولم يأخذ الله حقهم من الظالمين – على حسب قولهم وفهمهم- لذلك ترى أولئك المسلمين منهزمين يائسين وميئسين و للأسف لم يعلموا أو قد لم يجدوا من يبين لهم أن سنُّة الله مع الظالمين لها عدة وجوه منها :
أ- تأخير العذاب إلى يوم القيامة لقوله تعالى ((ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنّما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار*مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء )) إبراهيم 42-43 . و ذلك ليكون حسابهم يوم القيامة أشد و أمر, وليكونوا فتنة في الدنيا لأصحاب القلوب المريضة والمنهزمين وليمحص الله المؤمنين, ويختبرهم ويبتليهم فمثلاُ لو أنّ كل ظالم يقتص منه الله تعالى في الحياة الدنيا لقلَّّّّّّّ تعلُّق المؤمن المظلوم باليوم الآخر.
ب – مد الظالم في طغيانه وظلمه ليحاسب يوم القيامة أشد الحساب وأشد العقاب لقوله تعالى ((قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكاناً وأضعف جنداً )) مريم 75. فسنُّة الله مع عباده المؤمنين أن يزيدهم إيماناً وكذلك سنته عز وجل مع الظالمين هي المد في ظلمهم وهذه عقوبة لهم في الدنيا قبل الآخرة فالمؤمن يجنبه الله أماكن السوء ويمنع عنه المعاصي ويقيه من منابت السوء فالمؤمن , وإن ظلم نفسه فالله عز وجل أولى به فكم سمعنا على رجال ونساء من أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم راودتهم نفسهم عن المعاصي ولكن الله عز وجل وقاهم منها وصرفهم عنها وصرفها عنهم فالله تعالى يقول ((الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )) البقرة 257 , لن أعلِّق بأي تعليق على هذه الآية العظيمة والتي هي أصل عظيم من أصول العقيدة الإسلامية وسأترك لكم حسن تدبرها والتفكر فيها والله الموفق وهم أكرم الأكرمين.
ج- إن من أسماء الله العليم والحكيم فهو يعلم شؤون العباد ويدبرها وله حكم كثيرة في التعامل مع الظالمين قد تخفى علينا فعسى أن نكره شيئاً, وهو خير لنا وعسى أن نحب شيئاً وهو شر لنا فالله تعالى يقول ((.....و عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)) البقرة 216. فكم من مصيبة رفعت صاحبها أعلى الدرجات وكم من نعمة أنزلت صاحبها إلى أسفل السافلين ويقول الله تعالى ((ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير )) الشورى 27 . فالله خبير وبصير بعباده ويفعل ما يشاء بعباده وهو أرحم الراحمين.
كذلك من الأمور المفيدة التي تكون سبباً لعلاج ظاهرة الهزيمة النفسية الناتجة عن عدم الفهم الصحيح لسنة تعامل الله عز وجل مع الطغاة والمعتدين والظالمين:
هي دراسة السيرة النبوية وهنا عندما أقول دراسة فذلك لكي أميّز بين القراءة العابرة للسيرة النبوية عن القراءة التي فيها دراسة فقهية وعقائدية, وأروع كتاب قرأته قد أُلِّف في دراسة السيرة النبوية هو كتاب السيرة النبوية: دروس وعظات للدكتور محمد علي الصلابي حفظه الله وأطال بعمره وهو متوفر بالشكل الإلكتروني في موقع الدكتور الصلابي أو في موقع صيد الفوائد الإسلامية .
فعندما يدرس المسلم السيرة النبوية ويعيها جيداً فإنّه سوف يعلم أنّ الظالمين ليسوا بمتروكين ولا بمنزهين عن العذاب لا في الدنيا ولا في الآخرة , لأنّه سوف يرى بكل بساطة كيف أصبح أبو جهل فريسة سهلة لسيف عبدالله بن مسعود رضي الله عنه الذي أخذ ثأثر المسلمين منه في معركة بدر, والحديث يطول عن ذلك ,لذلك إنّ قراءة ودراسة السيرة النبوية الصحيحة تعطي للمسلم أُفقاً جديداً في الحياة وفهماً صحيحاً للواقع .

الهزيمة النفسيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن