التاجر النجدي

64 1 0
                                    


في ليلة من ليالي الشتاء الهادئة .. الهدوء اللذي يقطعه بين فينه وأخرى صوت فتح نافذه من عند الجيران أو صوت علبه معدنية فارغة تدحرجها الرياح أو صوت حركة أغصان الأشجار المليئة بالأوراق,, الليلة التي قطعت فيها الكهرباء عن أجزاء من المدينة فأضاف انقطاعها هدوءا الى هدوء .... في تلك اللية كنت أقلب صفحات كتاب قديم قد اصفرت أوراقه واهترأ جزءا منها, وجدته على أحد أرفف مكتبة في دمشق .وبالحقيقة كان جزءا من كتاب ليس له غلاف فلم أعرف عنوانه ولا اسم كاتبه, ولكني مازلت أذكر تلك القصة التي قرأتها على ضوء شمعة تتوهج فينتشر نورها عبر غرفتي لينظر المار من الشارع لنافذتي فيرى وهج الضوء الأصفر وقد أضاف شيئا للوحة الليلية الشتوية ... شيئا له طابع خاص واحساس خاص وتاريخ لانعلم متى سيعود ....... فما سأكتبه ليس إلا رتوش,, كعالم الأثار الذي عكف على ترميم قطعة أثرية فلم يستطع أكثر من يلصق بعض القطع ليحسن المظهر في نظر الرائي فقط. وتبقى القطعة نادرة ثمينة ويبقى عمله متواضع بسيط وواضح.,,,, فعذرا إن ظهر ذلك في كتابتي.

هذا الكتاب يحكي قصة تاجر من التجار اللذين عاشوا في زمن القوافل ونقل البضائع عبر البحار بالسفن وكان يعيش في الجزيرة العربية وتحديدا في نجد ومن هناك واستعدادا لرحلة من رحلاته التجارية إلى بلاد الهند اشترى بكل ما يملك خيولا عربية أصيلة .. فقد كان يبيع في الهند الخيول ويشتري من هناك البضائع الهندية من توابل وأقمشة وصناعات ويعود ليبيعها في نجد وكانت طريقة السفر من وإلى الهند عبر سفينة شراعية كبيرة تتسع لمائتي جواد وكان ثمنهم يعدل ثروة بحد ذاته لذلك قرر ذلك التاجر أن يحزم أمتعته ويسافر مع بضاعته تلك في أكبر عملية تجارية له في حياته على أمل الربح الكبير ومضاعفة الثروة التي يمكلها ضعفين أو ثلاثة ,, و أبحرت السفينة تحمل على متنها التاجر النجدي والمائتي جواد تمخر عباب البحر في طريقها إلى الهند ومرت أيام قضاها التاجر يحلم ببيع ما يملكه من جياد وكم هو حجم الثروة التي سيجنيها من هذه الرحلة ولكن كما يقال تجري الرياح بما لا تشتهي السفن .. إذ هبت عاصفة شديدة على السفينة فكادت تغرقها بكل ما فيها حتى أخبره الربان بأنه يجب تخفيف حمل السفينة وذلك برمي عشر جياد في البحر وبعد تردد وافق التاجر إذ لا حل أخر إما الموت أو رمي الجياد في البحر ,, وتم الأمر ولكن الوضع ظل على حاله وظل الربان يصر على رمي الجياد عشرة وراء عشرة وفي كل مرة كان التاجر يرى ثروته تلقى أمامه فيبتلعها موج البحر حتى لم يبقى سوى جواد واحد فأمسك التاجر بذلك الجواد بكلتا يديه حتى يمنع البحاره من رميه في مياه البحر ولشدة البلاء ووضوح طريق الموت و اضمحلال الرؤية عن طريق الحياة صرخ البحاره مع الربان في التاجر أن دعه وإلا ألقيناك معه .. فلا أمل في حياة إلا بذلك .. و ظل التاجر ممسكا بكل ما يملك من قوة بذلك الجواد رافضا أن يتركه .. فقد كان وقع الموت عليه أهون من وقع خسارة كل مايملك في هذه الدنيا , وفعلا نفذ البحارة تهديدهم فألقوا الجواد والتاجر في البحر,, واختفى التاجر مع جواده ذلك عن أنظار البحاره واختفى بين موج البحر المتلاطم والعاصفة الهوجاء .. وهدئت العاصفة .... وفي مكان على اليابسة أفاق التاجر واذا به على سرير وبجانبه عدة رجال وبمجرد أن رأوه فتح عينيه حمدو الله على سلامته وطمأنوه عن حاله !!!! فقال لهم :
- أين أنا؟
- أنت في بلاد بين الهند و السند ولقد وجدناك مدد على الشاطئ مع حصان.
- حصان؟؟ وهل هو حي ؟
- نعم وقد اصطحبناه إلى حظيره الملك كما أمر.
- الملك؟؟!! أي ملك ؟
- نعم قد رأى حصانك واليوم هو يوم زواج اينته وقد كانت أمنية حياتها أن تركب حصانا عربيا أصيلا في مثل هذه المناسبة. ولا تقلق سيعطيك الملك ثمنا جيدا له. وهو يطلبك للمثول أمامه فور استيقاظك . فهلم بنا.
ومشى التاجر مع الرجال لمقابلة الملك وهناك رحب الملك به أيما ترحيب وشكره على جواده وكيف أن الله أرسله له في الوقت المناسب ليحقق أمنية ابنته و أيضا حكا التاجر للملك قصته ..وعندما عرف الملك ما حل بالتاجر النجدي أمرباعطائه وزن جوداه ذهبا ثمنا له و أغدق عليه بالعطايا والهدايا و جهز له سفينه لتنقله لبلاده ,. فباع التاجر جواد واحدا بأكثر مما كان سيبيع جياده كاملة.
فحمد الله وعاد إلى بلاده وسأل فور عودته عن البحارة والربان اللذين ألقو به في البحر .. فقيل له انهم منذ ذلك اليوم لم يرى لهم أثر وبالتأكيد أنهم غرقو في تلك العاصفة وانقطع خبرهم.

فكان ذلك التاجر يمشي في السوق ويقول :
الناس للناس إن حل البلاء بهم ... فلنجدة الله ساعات وأوقاتٌ
وادر بصرك في تقدير الاله وقل... الله ربي عند الشدائد والملمات
يهلك الله أقوام من حيث نجاتهم ... ويحي الله أقوام ظنو أنهم ماتوا

التجار النجديWhere stories live. Discover now