١

28 3 0
                                    

بين رفِّ كُتُب التاريخ و الأساطير و رفّ الرّوايات العتيقة، ذلك الرّواق المفضل لديّ في المكتبة العمومية التابعة لحيِّنا، كنتُ ابحث بعيناي عن عنوان كِتابٍ ملفتٍ لاهتماماتي حتى اقتنيه كصديق جديد ، أُمرِّرُ أصابع يدي النّحيفة ذات العروق البارزة نحو كمّية الحبّ تلك ، رائحة الورق تُداعب أنفي ، أُغمض عيناي لأستشعر اللحظة ثمّ افتحها ببطء شديد ، إلى أن وقعت عيناي على كتاب ذو لون بلّوطيّ ، يبدو ألاّ عنوان على الغلاف .. غريب! حملته لأتصفّح محتواه و لأسأل مسؤول المكتبة عن سبب عدم وجود عنوان في كتابٍ قديم كهذا ، ثم ترددت هذا ليس من شأني عل كل حال .. قطعت تفكيري رنّة هاتفي
- مرحبا أمّي .. حسنا لا تقلقي انتِ تعلمين أن انتقاء الكتب يأخذ وقتا.. حسنا حسنا انا قادمة.
اغلقتُ سمّاعة هاتفي و حملت كتابا عن الميثولوجيا و آخر عن حقبة الخمسينيّات ، و أسرعتُ في إخراج بطاقة المكتبة خاصتي ..
- يا عمّ من فضلك هلا تأخذ بطاقتي.. يبدو أنه مستغرق في النوم كعادته ، عجوز بشعر شائب و نظارات دائرية صغيرة.
أعتقد أنني الوحيدة التي تزور المكتبة، فلا أحد أصبح يهتم لأمر الكُتُب.. اُشفقُ على حالهم حقا.
سقط الكتابان من على يدي دون قصد منّي فاستيقظ العجوز من غفوته بسرعة ، اخذ بطاقتي و رمقني بنظرة متفحصة..
- هذه انت مجددا ! هل انهيتِ كِتابَا البارحة ؟
- بالطبع ، و مع الكثير من الخيال و محاولة عيش ما قرأت في رأسي.. كان الأمر ممتعا للغاية.
- تتحدثين و عيناك البنّيتان تلمعان ، يبدو انّك قارئة مُتمرِّسة و مهتمة بالكتب دون التِّكنولوجيا..
- ليس كذلك ، انا أحب كلاهما لكن الكتب تأخذ الجزء الأكبر من قلبي.
- تهتمين بالعولمة و في نفس الوقت كتب الخمسينيات القديمة! يالك من متناقضة..
و علت وجهه ابتسامة استهزاء.
- لا، ليس الأمر انني متناقضة بل.. و قطعَت كلامي رنّة هاتفي مُجدّدا
- عُذرا يا عم ، فلندع نقاشنا للقاء آخر.. أمي قلقة عليّ
وداعا!
- حتى رنّة هاتفك أَشبه برنّة هاتف جدي ..
كُنت قد بلغت الباب و لازال يتحدث ، يا له من عجوز  متعجرف ، أساسا هل كان لجدّه هاتف! دائما ما يحاصرني بأحاديثه هته لكن.. ماذا لو كنتُ متناقضة ! أوف لستُ كذلك ، حُبّي للزمن القديم و فنّه لا يعني انني غير عصرية فأنا من جهة أخرى أحب شتى العلوم الحديثة و الفلك خاصة .. لماذا أُبرر أساسا ، ما أدراه بالتناقض و لم أره يوما يحمل كِتابا من رفوف مكتبته الضخمة..
🕊

•فانتازميدا•حيث تعيش القصص. اكتشف الآن