الفصل الحادي و العشرون

5.8K 169 4
                                    

لقاء أول..
ثوب أزرق وفتنة نائمة
وعبق بندق أيقظها!!
كانت بالحديقة وترتدي الأزرق عن قصد..
تستند بظهرها على الحائط وحولها أوراق وقد مدت ساق وثنت أخرى وتناثرت
خصلاتها فوق وجهها في عشوائية مقصودة فبدت ا رئعة وسط فوضى حافية!
وعطر فواكة!
استند على حافة الجدار ورفع حاجبه الأيسر يتأملها بفكرة واحدة..
هو لن يمانع استرضاءه الليلة على الإطلاق..
شعرت بحرارة على جانبها لتكتشف أنه قد جاورها وجلس..
نظرت نحوه فتحدث وهو يوجه بصره للأمام بلامبالاة:
مفيش عشا النهارده؟
من جانب وجهه يستطيع أن يتبين بملامحها الغيظ..
وأزرقها التي ظنت أنه لم يجدي..
زفرت لتجيب بمعاندة:
لما أخلص اللي ورايا!
أمال رأسه ليلقي نظرة على الأو ا رق في يدها ثم عاد ليستند على الجدار دون
ردة فعل وأغمض عينيه!
ببساطة..
ولم تكترث وأكملت هذا اللاشيء فهي فقط كانت تعانده..
مرت نصف ساعة دون أن يتحرك ولمست انتظام انفاسه
لقد نام!
زوجها يجلس على الأرض بجانبها في الحديقة الباردة ونام في انتظار طعامه!!
تنهدت بغيظ..
تركها ونام!
بندم..
هو لم يتناول عشاءه..
همست:
خالد..؟..
ولكن لا أمل..
هو غارق بأحلامه مع الخيل..
هزت كتفه ببطء, ولكن لا شيء!
أ ا زحت الأو ا رق من على ساقيها وارتكزت فوق ركبتيها أمامه لتناديه بنبرة أعلى
ولكن رقيقة تخشى افزاعه:
خالد.. قوم يلا علشان نتعشى.
وكأنه لم ينم منذ سنوات..
ما هذا!
ربتت فوق كتفه من جديد ومع زفرة يأس أخيرة وهمهمة اعتذار:
حبيبي.. مش حينفع تنام من غير عشا..
توقفت كلماتها مع انتفاضة مفاجئة منه أفزعتها, فصرخت لتجد خصرها محاصر
بين ذراعيه ليجذبها في لحظة ويحتجزها تحت جسده..
نظرت نحو غير مصدقة فتابع بنبرة هادئة دون أن يت زحزح:
نص ساعة!!.. أنا كنت هنام بجد..
كانت ما زالت تتنفس بسرعة أثر فزعتها, ضربت صدره في غيظ:
حرام عليك.. خضتني..
رفع حاجبه مجدداً ليبتسم بمكر:
اعتبريه ابتكار!
زمت شفتيها ودفعته لتنهض ولكنه لم يسمح لها..
احمرت وجنتها:
خالد.. احنا في الجنينة..
اقترب من شفتيها:
وبعدين؟!
تلعثمت:
تميمة ممكن تصحى..
اقترب أكثر:
وبعدين؟!
أغمضت عينيها:
أنا آسفة..
كتم ملامح انتصاره وأردف بخشونة:
وبعدين؟!
اغتاظت من جديد فصرخت:
بس شير..
ولم تكمل..
ابتلع باقي جملتها في قبلته..
*****************
رغم كل شيء كانت ليلة هادئة, خالد ومحمود منشغلان بلعبة إلكترونية وحسن
يتجاهلها أمام التلفاز!
أنهت جلي الصحون ولم تغادر المطبخ..
أعدت لنفسها كوب شاي, وجلست تتطلع لكتاب أهداه له شاب مرح منذ
سنوات..
لا هي اقتدت بالكتاب ولا الشاب عاد كما كان..
حمزه!
لا تصدق أنها تسمع صوته.. مرت أشهر منذ هاتفها آخر مرة..
نظرت للهاتف ربما لتتأكد ثم أجابته بنبرة أم:
"وحشتني يا واد"
أجابها مازحاً:
"برده واد يا روكا!"
ثم ضحك مكملاً:
"أخبار الواد خالد ايه؟.. وخالو؟"
كانت ضحكته مخنوقة.. ليس حمزه الذي اعتادته وحتى ليس حمزه الهارب..
سألته مباغتة:
"أنت ك ويس يا حمزه؟"
مرت فترة صمت..
هل هو بخير؟
هل حقاً هو بخير؟!
هل هي بخير؟
ليلى..
اسمها, وعيناها, وفزعتها, وضياعها الوشيك منه..
كلها أفكار تهاجمه..
تفتك به..
كليلة حريق..
همس:
"حبيت أطمن عليكم بس"
ثم تنهد بغموض:
"أخبار الناس اللي في المزرعة ايه؟"
دمعت عيناها لتجيبه بصدق:
"المزرعة وحشة من غيرك يا حمزه"
ضحك ليناوشها رغم حزنه:
"أكيد حسن مضايقك!"
كتمت دمعات أخرى لتضحك لضحوك كان يلون عالمها كابن بكري احتاجته دوما "حقوله!"
تنهد مجدداً فتابعت:
"مش هتقولي مالك؟"
سمعت أنفاسه قبل همس أخير:
"جيتوا على بالي يا ر وكا.. كلكم جيتوا على بالي"
وودعها وأغلق..
كان يراقب البحر وحيداً..
مرت ليلة كاملة على رحيلها..
لم يحادثها ولكنه طلب من فاتن أن تطمئن عليها..
لو حادثها سيتشتت عقله..
ستعانده..
ستغضبه..
وسيتهور هو بما لا يحمد عقباه..
يشعر بالغيظ.. بالغضب..
بالجنون..
وحنو يودها أن تنهار فوق صدره..
سيعاقبها ثم يراضيها..
يضرب أ رسها ثم يقبلها..
يلومها ودونها لا بديل..
وفي النهاية سيتزوجها..
وزفرة أخيرة وازت نظرة مظلمة نحو مجهول..
صبري..
القابع في مشفى يعاني جراحه..
لن تخطو ليلى مدينة هو فيها..
وتسارعت أنفاسه من جديد..
بل استعرت ككل
غضب عارم تمكن منه.. غضب يود القتل..
لا سبيل..
السجن أو القتل..
وكان هناك حلاً آخر في أفق قريب لم يكن يعلم به
النبذ!!
**********************
فوق فراش..
كانت تجلس ضامة ركبتيها تتأرجح في حركة توازي بندول الساعة
ثوانٍ.. دقائق..
ولو زادت لاختلف كل شيء..
ارتجفت ككل وشهقت بعنف فتح باب غرفتها على مصراعيه لتدخل أمها
وتحتضنها بألم..
تسأل مجدداً.. هل حدث؟..
تشجب وتولول وتلوم وتبكي وتعتذر!!
تقبل يدها:
حقك عليا يا ليلى.. ما كانش لازم أسيبك لوحدك.
تترك يدها وتضرب الفراش وتصرخ:
الكلب.. ده دخل بيتنا.. الحقير.
تمسح عبراتها بهستيريا:
عايزة أقابل حمزه..
وتصمت ليلى مجدداً..
ت ا رقبهم وهم يفندون تفاصيل عالمها وهي ضيف شرف لا يحق له الاعتراض..
جميعهم دون استثناء يضعون عليها ذنب وحتى إن لم يصرحوا به..
وفاتن تحادثها يومياً..
تطمئنه هي تعلم..
لم يرفع الهاتف بعد قراره..
"مراتي"
أمر بالطاعة.. بالسكون..
قرار واجب النفاذ!!
والتهمة أنثى!!
أنثى كانت تود الكثير
أن تستقل
أن تحقق حلم منصور..
أن تحب حمزه بنهجها هي لا غير..
أو حتى ترفض حبه..
أن تقتل صبري!!
وتقلقلت مقلتيها باضطراب مع ذكرى حرق..
وازدادت ضربات قلبها..
وضعفها
وبكت مجددا بقلة حيلة..
ضعف..
ضعف بين طياته رغبة في الإنهيار فوق صدره ولكنها تأبى..
زفرت بألم آخر قبل أن تسحب هاتفها..
تكتب رسالة..
رسالة نصية كآخر يوم!!
بكت من جديد..
وكتبت لتنتهي..
"ماما عايزة تقابلك"
ومرت نصف ساعة دون رد..
وبكت مجدداً لأنها لم يجب..
وخفق قلبها مع صوت الهاتف..
مع حروف لا تعلم هل يجب أن تسعدها أم تبكيها!!..
"بلغيها أني هزوركم آخر الأسبوع"
ثم زاد
"بطلي عياط"
ولكنه لم يتحدث..
******************
إن كان الموت اختيار فهو اختيارها لا قراره!
كانت تتنفس بغضب مكتوم وهي تراقب تحركه بين جوانب المسرح يقرر كل
شيء بما فيه انحناءات جسدها..
ودون أن يصرح بدا الأمر وكأنه سيقول..
"هنا سأقتلك"
les hommes sont des con
بفرنسية بائسة قالتها
"الرجال أوغاد"
بفرنسية بائسة كررتها عجوز تلاصقها منذ بدآ في بروفات العرض..
كانت من هؤلاء المتطفلين حول بؤرتهم الساطعة وسط الظلام كل ليلة..
تأتي مع بداية العمل وبيدها شطيرة مهترئة يبدو أنها أخذتها عنوة من شخص
ما, وتلف حول خصرها حزام قماشي غريب به ثنايا تبدو كجيوب تحافظ على
محتواها قدر عينيها!
شعرها الأبيض مشعث من تحت قبعة مستهلكة ووشاح قاتم تلف به رقبتها
المتغضنة أكثر من بشرتها..
جلست جوار كارمن دون دعوة وتلك المرة أخافتها..
لم تكن قد تمعنت في ملامحها من قبل ولكن حقاً تلك المرأة تبدو مخيفة..
مدت العجوز أناملها نحو كارمن لتتلمس بشرة جيدها في حركة مفاجئة ثم
همست بقسوة ومكر:
Votre peau est belle, ne le laissez pas sans tache Bqublath
"بشرتك رائعة.. لا تدعيه يلوثها بقبلاته"
برقت عيناها الزرقاوتان دهشة وغضباً..
لم يُصر الجميع أنها عشيقته.. أنه ببساطة ينهل منها ما يشاء.
حتى أن بعض الفتيات بالعرض يلقبونها بالعشيقة المحظوظة فمراد يفعل من
أجلها الكثير!!
ابتعدت مشمئزة عن ملمس يد العجوز لتضحك الثانية بشراسة أظهرت قواطع
مختفية ثم تابعت:
Hee .. temps ne sera pas vous arrêter, vous avez une belle
"هه.. الزمن لن يتوقف عندك يا جميلة"
ثم حركت شفتيها مستهزئة وأكملت بحقد:
Un jour Stsubhan gay
"يوماً ما ستصبحين مثلي"
وتركتها قبل أن تضيف:
Ne oubliez pas que tous les hommes sont des salauds .
"ولا تنسي.. كل الرجال أوغاد"
وحينها لا تعرف ماذا أصابها ولكنها ضحكت بهيستريا..
مراد.. كريم.. وخالد
عالمها به نخبة منتقاة من الرجال
ولكن القسوة نصيبها هي فقط.
وعلى العشاء قربت من فمها قطعة لحم دون شهية وازت صوته الهاديء:
مش محتاجة تفقدي وزن أكثر!
ارتسمت فوق شفتيها ابتسامة جانبية بتهكم فتابع وهو يتفحصها بتمعن:
عشيقتي!
رفعت بصرها في غضب فأردف مكملاً بمتعة:
بيقولوا إنك عشيقتي..
قالت بنبرة مغتاظة:
وقف الإشاعة دي.
ابتسم بتسلية:
بس دي إشاعة ممتعة!
رمقته باستهجان:
غرضك مش ده يا مراد.
ترك طعامه ليسحب سيجاراً أنيقاً نفثه ببطء ثم نظر بغموض:
شهريار بيحب ياخد كل حاجة!
استقامت وقد التمع الموج الأزرق بعيناها فبدت متمردة و رافضة:
شهريار اختار الموت
لوى شفتيه مبتسماً بلذة:
واختار قبليه المتعة
رفعت ذقنها في كبرياء:
صح.. لكن أنا كارمن مش شهرزاد!
ثم نهضت من على المائدة لتواجهه واقفة بشموخ:
شهرزاد قتلت طمع شهريار.. بس واضح كارمن بتغذيه!
لأول مرة تلمح بعينيه ارتجاف..
ابتلع ريقه وقد بدا نادماً على الحوار برمته:
الموت اختيار راقي.. مش هلوثه بالجنس
ثم أردف وهو يستقيم بدوره:
أنا منعت دخول المتطفلين للموقع, خاصة العواجيز اللي بتخرف!
ورحل بتوقيع شهرياري آخر..
في مملكته هو لا يفوت تفصيلة!!
***********************
هشششششششششششش..
قالها وهو يضع إصبعه فوق فمه والتنبيه تلك المرة صارم..
فلعبة الغميضة تعني أن تختفي دون صوت..
يا تميمة!!
ربما هي المرة العاشرة التي تتسبب فيها في خسارته..
لا تستطيع أن تدبر أمر اختفاءها وحيدة فتركض خلفه وفي النهاية يجدهما
خالد على صوت ضحكاتها..
نظر نحوها بجانب عينه محذراً فرفعت كفها الصغير فوق فمها وقد تحول لونها
لوردي من كتم الضحكات..
وفجأة انفجرت ضحكتها رغم عنها مع ظهور خالد ليتركها كالعادة ويمسك
بمحمود
فالمدللة تبكي عندما تخسر!
قطب حاجبيه وقد أصر تلك المرة على أن يمسك بها هي لا خالد, ولتبكي فهو
لن يدللها مرة أخرى!
وبالفعل ركض خالد وهي خلفه فتجاهله تماماً وأمسك بها لتنفجر بدل الضحكات
في بكاء حقيقي لأنها خسرت!
مشعثة بضفيرتين وسروال بني قصير وبلوزة وردية كربطة شعرها..
وباكية.. متذمرة..
وغضبت منه..
كتفت ذراعيها وتحركت مبتعدة عنهما بخطوات واسعة وحاول خالد أن يصالحها
ولكن دون جدوى
كانت توده هو..
وهو لن يدللها تلك المرة!!
ضحكت إيناس وهي تستمع لتميمة الشاكية الباكية من خالد ومحمود اللذان
تآزرا عليها في اللعبة السخيفة..
لعبة وحشة!..
كررتها وهي تشدد على كل حرف وخاصة حرف ال "ش" لتزيد:
محمود وحش!
وتلك المرة كانت الشدة فوق الشين واضحة فهي حقاً غاضبة منه...
تنهدت إيناس من ع ا ركات الأطفال التي لا تنتهي وأعدت لها العشاء فتناولته
الصغيرة دون شهية لتتوجه لغرفتها وتنام مع لعبتها المحشوة شاكية من جديد
محمود..
وقبل أن تستغرق بالنوم, نقرات متقطعة فوق الزجاج أفزعتها..
هي طفلة في السابعة من ينقر فوق نافذتها بحق السماء!
وكيف تسلق هو تلك النافذة في تلك الساعة؟!
ولم تره!!
ترك ورقة ملونة وعلبة سكاكر..
وعبارة..
"آسف!!"
وفي غرفة المكتب كان خالد يجلس شارداً..
دخلت تمسك بقهوته ولاحظت أن عينيه مرتكزة على بطاقة بريدية وقد غاب
انتباهه عنها تماماً..
خالد!
استدار مع صوتها لتتابع هي وقد أثارت هيئته فضولها:
ده جواب؟
زفر وهو ينظر للبطاقة من جديد:
بل دعوة!..
بتوقيع غاب عن عالمه لسنوات والآن يبدو أنه عاد..
"كارمن"
**************


صمت الجياد بقلم /مروه جمالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن