صوت إشعار رسالة على الهاتف
[ ««أعرف أنّكِ في الغالب تغطّين في نوم عميقٍ بين أحضان زوجكِ الآن ، حتّى أنّني يمكنني تخيّل ملامح وجهك الظّريف و أنت نائمة ، صورة وجهك بقيت محفورة داخل ذاكرتي منذ آخرة ليلة أمضيتها معي الأسبوع الفارط حين نمتِي على صدري كطفل صغير ، أ تعرفين مازلت لا أخاف أن أكتبَ لك رسائلا في هذا الوقت من اللّيل ، و لا أخاف أن يقرأ هذه الرّسالة أيّ شخصٍ ، رغم أنّك نهيتني عن هذا مرارًا ، فليكن ما يكن ... أحبّكِ " أحمد " »»كنتُ مصدومًا بشدّة بعد أن قرأتُ هذه الرّسالة ، فركتُ عينيّ عدّة مرّات لعلّني أتخيّل و لكن الأمر يبدو أشدّ و أكثر ألمًا من أن يكون خيالا أو حُلمًا ما ، انتفض كلّ ما بداخلي ، يبدو الأمر كوقوع شيء ثقيل على صدري ...
مسحتُ الرًسالة من هاتفها و أعدته قرب وسادتها دون أن تشعر بأيّ شيء ، كانت تغطّ في نوم عميق ، وقفتُ للحظةٍ أتأمّل وجهها الملائكيّ اللّطيف ، كان شعرُها الحريريّ ينساب على خدّها يخفي نصف جمال ملامحها.. ، أزحته بإصبعيّ و رتّبته وراء أذنها كما كنت أفعل دائما حين أريد أن أتمعّن النّظر في هذا الوجه الجميل ، فعلتُ ذلك بينما ارتسمت على وجهي ابتسامة صغيرة حمقاء ، ذلك النّوم من الإبتسامات المملوؤة بالألم ...ذلك النوع الذّي يظهر على الإنسان حين يشعر بخيبةٍ ما ....
اضطربتْ قليلاً حين لمستُ شعرها ، فتحتْ عينيها ببطئ شديد و نظرت إليّ ببراءة طفلٍ ، بدت بريئة من كلّ ذنب ، بريئة من كلّ هذا الحطام داخلي ، قبّلتُ رأسها و سرعان ما عادت إلى نومها بينما مازلتُ أحدقّ إليها في صمتٍ و صوت داخل صدري يصرخ بشدّ " كيف فعلتِ هذا بي "
ميسان زوجتي منذ عامٍ تقريبًا ، تلك الفتاة المدلّلة التّي كبرت أمام عينيّ ، الفتاة الصّغيرة التّي كنت أريدُها منذ نعومة أظافرنا ، منذ أوّل مرّة لعبنا فيها الغمّيضة ، منذ لاحقتُها في كلّ ركنٍ من الحيّ ، حين كنتُ دائما أوّل من يجدها و أكثر من يحفظ كلّ أماكن اختبائها ، أردتها حتّى قبل أن أدرك أنّ في هذا العالم شيء يدعى الحبّ ، كنتُ أريدها كطفل صغير يعرف و يشعر أنّ الآمان لا يكمُن إلاّ في حضن أمّه ،كانت هي الآمان بالنسبة لي ، كنّا نذهب إلى نفس المدرسة ، كانت هي تلك الفتاة التّي أسمحُ لها أن تدخل النّصف الخاص بي من الطّاولة ، الفتاة التّي أتقاسم معها قطع الطباشير الملوّنة ، الفتاة التّي أكتب إليها رسائل غبيّة لطالما ضربني المعلّم لأجلها ، كنتُ أعتني بها دائما حتّى أنّني كنت أعدُّ لها كلّ دروسها و أحيانا أساعدها في اجتياز الإمتحان ، كنتُ بجانبها في كلّ الأوقات ، أتقاسم معها طريق المدرسة الطّويل ، أحدثّها دائما عمّا بداخلي ، أتقاسم معها أغنياتي المفضّلة و طعامي المفضّل ، كنتُ بجانبها تمامًا ، أمام ناظريها و لكنّ كلّ أنظارها كانت تتّجه نحو أحمد !! ذلك الشّاب الطائش من الجامعة ، الشّاب الغبيّ الذّي يحاول أن يكون كاتبًا ، لا يمتلك نصف الذّكاء الذّي أمتلكه و لا يستطيع حتّى أن يفاجئها بهديّة صغيرة باهضة مثل ما كنت أفعل دائمًا ،لم أفهم أبدا مالذّي جذبها إليه ، لم يكن يمتلك أيّ شيء !! كان شخصًا معدمًا ، لا المال و لا المستقبل الذّي تريده امرأة مثلها !! كان فقط يملأ عقلها باهتمامه المفرط بينما كنت أنغمس و أمضي كلّ وقتي في الدروس !! كان يشاركها اهتماماتها السّخيفة المضيّعة للوقت !! المسرح ، الأوبرا ، حتّى أنّه كان يستمع معها إلى أغانيها السيئّة !! و يستمع إلى أحاديثها الطويلة المزعجة !!! طوال فترة الجامعة كانت تقترب منه شيئا فشيئا إلى لحظةِ شعرتُ أنّها تحبّها ...
سمع والدها ( منّي ) أنّها تتسكّع معي و أجبرها على ترك الجامعة فورًا ..سرعان ما مرّت الأعوام و تخرّجتُ ، صرتُ مهندسًا ( باش مهندس قد الدنيا ) كانت عائلتي و عائلتها مقرّبتين ، كنت أحبّها حقّا ، كانت طفلة أحلامي و فتاة أحلامي و امرأة أحلامي ، شاهدتُ جسدها الصّغير يزداد أنوثة أمام عينيّ زادت معه كلّ مشاعري ، طرحت فكرة الزواج على والدي ! فتحدّث مع والدها الذّي قال لها بوضوح شديد أنّها لن تتزوّج شخصًا غيري رغم أنها لم تكن تحبّني و أنا أعرف أنّها لم تبادلني و لو شيئا صغيرا من الشعور الذي كنت أكنّه لها منذ الصّغر ...
ظللت أقنع نفسي أنّها ستحبّني بعد الزواج و أن الأيّام ستجعلها تنسى ذلك الفتى من الجامعة ، خاصة و أنّ أيّ امرأة ستتمنّى لو ينظر إليها رجل مثلي ، وفّرت لها منزلا ضخما كما تحلم أيّة فتاةٍ في هذا العالم ، سيارة باهضة و بطاقة بنكية ...، كان زفافنا خياليّا ، تكلّف ما تكلّف من المال ، أذكر ليلتها كيف كانت تبكي بحرقةٍ !!! لم تكن دموع فرح كانت دموع ألم !! كلّ من في عائلتها حاولوا أن يقنعوها بهذا الزّواج و لكن تكن لها رفاهيّة الإختيار أبدًا ، كنتُ أدرك هذا و كلّ ما كان يهمّني حقّا أن تكون ميسان لي ....
ذلك الشّاب منحها شعورا بأن يتركها تختار لنفسها ما تريد ، بينما أنا كنت أختار لها دائما ما أريد ، كنت أشاركها أشيائي و لكنّني لم أشاركها أشياءها أبدا مثلما فعل ذلك الفتى ، كان يفضّلها عن نفسه ، و يجعلها تدرك قيمة أفكارها و قيمة اختياراتها ...، و لكن لا يهم هي امرأتي الآن و ستتعلّم كيف تحبّني " قلت هذا داخلي في ليلة الزّفاف " ......صحوت من شرودي الذّي عاد بي إلى الصّغر !! هذه المرأة...، اااه ، أحبّها ، لا يهمّ ما حصل ، لعلّها تحتاج المزيد من الوقت ، تمدّدت بجانبها ، قابل وجهي وجهها و غلبني النعّاس و لم أصارحها أبدًا بأنّي رأيت تلك الرّسالة ...
نهضت باكراً في الصّباح ، قرّرت أن أغيب عنها بعض الأيّام ، قلتُ لها هذا و خرجت فقد احتجت وقتا للتفكير ، خرجتُ مسرعًا ، و لكن مع نهاية اليوم !! رأيت أنّه من الأحسن أن أعود إلى المنزل ، يجب أن أصارحها بكل شيء ،لا أحتمل أن أخفي الأمر ...سنناقش الأمر و سأسامحها ...
كان الظّلام قد غطّى السمّاء حين وصلتُ ، فتحت الباب ، دخلت مثقلاً بكلّ ما أشعر به داخلي ، وصلت غرفة النوم ...، يجلس أحمد عاريًا على فراشي ، بجانبه على الطّاولة الصغيرة كأسيّ نبيذ ، بينما تخرج ميسان من الحمّام تلفّ نفسها في رداء صغير و تجفّف شعرها المبلّل بكلّ ذنب اقترفَته . ]وضعتُ نقطةً نهاية السطر ، أنهيتُ كتابة هذه القصّة القصيرة ، لملمتُ أوراقي فوق المكتب و اتّجهت إلى غرفة النّوم ، فتحتُ الباب بحذر شديد ، كانت زوجتي تنعمُ بنوم هادئ... ، حدّقتُ فيها للحظاتٍ... ثمّ أغلقتُ الباب ببطئ
... و خرجت ، ركبتُ سيّارتي ، أخذت هاتفي و اتصلتُ :
- ميسان !! أنا في الطّريق ....
Ahmed Sassi
أنت تقرأ
خيانة زوجيّة
Romanceقصّة قصيرة تتحدث عن الخيانة الزوجية ، و الحبّ ، و إرادة الإنسان ، و التّصرّفات العائلية العربية