والدي من عائلة فيليب , واسمي أنا فيليب , فلم يستطع لساني الصغير أن ينطق من الاسمين أكثر من بيب . وهكذا دعوت نفسي بيب , وأصبح الجميع يناديني بيب . وبما أنني فقدت والدي منذ طفولتي , فقد نشأت إلى جانب شقيقتي السيدة جو غارجري التي تزوجت من الحداد .
كانت بلدتنا مليئة بالمستنقعات إلى جانب النهر على بعد عشرين ميلاً من البجر . وتعود ذاكرتي الأولى إلى بعد ظهر يوم بارد رطب يزحف نحو السماء . في ذلك الوقت , وجدت بلا ريب أن المكان المكسو بالأعشاب الغليظة , هو فناء الكنيسة , وأن والدي ووالدتي وإخوتي الخمسة دفنوا هناك , وأن البرية الممتدة ما وراء الفناء هي المستنقعات , والخط المنخفض الكئيب هو النهر ؛ والمنطقة النائية حيث تنطلق الرياح هي البحر , وأن الفتى الصغير الذي راح يخشى كل ذلك وبدأ بالبكاء هو بيب .
صاح صوت رهيب : " توقف عن الضجيج . " وظهر رجل من بين القبور . " اهدأ أيها الشيطان الصغير وإلا قطعت حنجرتك . "
كان رجلاً مخيفاً , يرتدي ثياباً رمادية قاتمة وتحيط بساقه أغلال ضخمة . كان بدون قبعة , ينتحل حذاءً بالياً , وقد ربط رأسه بخرقة قماش رثة راح يعرج ويرتعش ويصطك أسنانه في فمه , فيما أمسك بذقني ... رجوته خائفاً : " لا تقطع حنجرتي سيدي , أرجوك , لا تفعل ذلك سيدي . "
فقال الرجل : " قل لنا ما اسمك , بسرعة . "
" بيب , سيدي . "
فقال الرجل وهو يحدق بي : " مرة ثانية , تكلم . "
" بيب , بيب سيدي . "
قال : " أين تسكن ؟ هيا أشر إلى حيث تسكن . "
فأشرت إلى حيث تقع قريتنا , على بعد ميل أو أكثر من الكنيسة .
وبعدما حدق بي الرجل لدقيقة , قلبني رأساً على عقب وأفرغ جيوبي . لم يكن بداخلها شيء سوى كسرة من الخبز . تناولها وراح يلتهمها بشراهة . ثم قال وهو يلعق شفتيه : " أيها الكلب الصغير , لديك وجنتان ممتلئتان . "
أعتقد أنهما كانتا ممتلئتين , مع أنني إذ ذاك كنت أبدو أصغر حجماً من سني , وهزيل القوة .
سألني عن مكان والدي ووالدتي , وعندما أشرت إلى قبريهما , سألني مع من أسكن فأخبرته أنني مع أختي زوجة الحداد جو غارجري .
عندما سمع كلمة حداد , نظر إلى ساقه ثم راح ينظر إلي . فأمسك بي بذراعيه وأوعز إلي أن أحضر له في الصباح الباكر مبرداً وبعض الطعام , وإلا فسيقتلع كبدي وقلبي . لم أستطع التفوه بكلمة , فتابع يقول : " لست بمفردي كما تظن , هناك شاب مختبئ معي , وأنا ملاك قران معه . إن ذلك الشاب يستمع إلى كلماتي , إن له طريقة خاصة به للحصول على الأولاد وعلى أكبادهم وقلوبهم . وعبثاً يحاول الفتى الاختباء من هذا الشاب .
وعدته بأن أحضر له المبرد وما أستطيع إحضاره من فتات الخبز , وتمنيت له ليلة سعيدة .
عرج نحو جدار الكنيسة المنخفض وخطا فوقه , ثم التفت لينظر إلي . حين رأيته ينظر إلي , توجهت صوب المنزل وانطلقت بأقصى سرعتي ...
اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
https://youtu.be/majR8EFX-3A
الصمت لا يعني تعكر المزاج ، في حالات كثيرة يشعر الشخص برغبته في السكوت ، لذلك لا تزعج الشخص الصامت بسؤالك عن سبب صمته !