رمَــادِي 05

10.1K 828 380
                                    

أستـغفِر اللّـه العظِيــم وأتُـوب إلَيــه

🥀

لَم يكُن السّجنُ يَومًا مُجرّد الإنزِواءِ بَين جُدرانٍ
أربعَ، تحتَ أيدِي جلاّدٍ مُشيـن، لِتعذِيبٍ وَقتلِ مُبتغٍ آثيـم. بل إنّهُ وبالـدّرجةِ الأولى خَـوفُ الإنسانِ وفزعُـه،
حتّى قبلَ وُقوعِهِ بِسِنّـارةِ السّجـن، هذَا تمَامًا مَا يُريدُه
الجَلاّدون، ومَا يجعلُ الإنسـان دَومًا سجيـن.

كذلك أضحَـت هيَ وباتَ هُوَ جلاّدهـا، مُجرّدُ
التّفكيرِ بِه، تذڪّرُ ملامِحِه الغاضِبة، وَتهدِيدَاتهِ اللاّذعَة
يُرسِلُ القشعرِيرةَ على طولِ أوصـالِها، وَيُحدِثُ غصّةً
فِي عُمقِ أحبـالِهـا، كيفَ وقَد نـالَت زهرةَ زِنبـق!

زَهرةً بيضـاءَ تفُـوحُ بِرائِحةِ الحِقـد والكـراهِية!
زهرةٌ بيضـاء جمِيلَة للعيُون، موخِزةٌ أشوَاكُها حدّ الجُنون
زهرةً لَو وضعَت أُذنهـا على فمِها لسمِعتهـا تهمِس، ذُوقِي
عَذابِ الجحِيـم جـزَاءً بِمـا صنَعت يدَاكِ.

لِوهلةٍ تمنّت أن تعِيشَ هيَ وشقيقهَا حيَـاةً أخرَى
حيـثُ لا خَوف ينهشُها فِيها ولا رهبَة، حيـاةً تجدُ فيها
السّندَ والأمـان، الحُبّ والحَنـان، حيَاةً لاَ تتناوَلُ فيها
العُنف صَباحًا ومسـاءً، ولا تتذَوّقُ فيها مَرارَة
الخيبَةِ وألمَ الخِذلان.

لاَتُجبرُ على المَضِيّ في طُرقٍ لَيست لهَا، ولا تَعيشُ
سعادَةً مُؤقّتة تنقلِبُ علَيها لاحِقًا لِحُزنٍ دفِينٍ ينخَرُ قلبَها
حياةً لا تتكَبّدُ فِيها عنَـاء التّحمّل فَوقَ إستِطاعَتِها
وَلا تَحتاجُ صبرًا لِتَنالَ مُبتغـاها.

حيَاةً لا تَبذُل فِيها مِن رُوحِها لِمن لا يستحِقّ،
ولا ينفُذ فيهـا رصيدُ شغفِهـا أو تنطفِئ روحُهـا، حياةً
لا تقِفُ بينَ أيّامِها حـائِرةً بالمُنتصف، لا عقـل
يَقُودُها ولا قلبَ يُنصِفُها

حيَاةً يكفِي فيها أن تكُون حقِيقِيّة ووَاضِحة،
لا تُغلّفُها أسئلةٌ لا أجوِبة لَها، حيـاةً يغيبُ فيهـا الخـوف،
وينقلِبُ لأمنٍ وطمأنِينة. حيثُ هِي وشقيقُهـا
الأصغر تـايهيـونغ، فقط.

هِيَ هُنيهةٌ وقَد أفـاقت ذاتُ الخصلاتِ الڪستنـائيّة
التِي يُحاذِي طُولُهـا لَوحَ كتِفِها مِن شُرودِها، ڪان ذلكَ
عنـدمَا إغتصَب سمعَهـا أصواتُ الطّلاّب وشَوشَراتُهم
العـالِية، الذّميمـة مِنهـا والمُشـفِقة، خاصّةً بعدَ أن علِم
الجَميـع أنّهـا باتَت ضحِيّة الغُرابِيّ، وَأسيرَةَ غضبِه.

وَبعدَ أن إستلّت كُتُبها مِنَ الدّولابِ الخاصّ بِها
شفنـت تلكَ الزّهـرةَ بِنظراتٍ مُبهمـة، مُحمّلة بالمَشـاعِرِ
العمِيقة، البُـرود، الخـوف والرّهبـة، الخَـوف مِن القـادِم،
والرّهبـة مِن نـزِيفِ القـلب لاَ الجسـد، فجسدُهـا
قد نزفَ بِعقرِ دارِهـا بالفِعـل!

 رمَادي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن